الزمن يرتدي جلباباً مثقوباً**
واسيني الأعرج وأيقونة الرواية الجزائرية**
شوقي بدر يوسف-الاسكندرية
تطل الرواية الجزائرية على المشهد الروائي العربي من خلال عدد من كتّاب السرد الروائي الذين بصموا هذا المشهد ببصماتهم القوية الفاعلة، والتي بدأت معالمها وظلالها تطل علينا منذ مطلع الخمسينيات من القرن الماضي، حيث بدأت عدة أسماء تطرح نفسها بإلحاح كبير على المشهد الروائي الجزائري بشقيه الفرانكفوني والعربي بدءا من كتابات كاتب ياسين ومحمد ديب ومولود فرعون ومولود معمري وآسيا جبار مرورا بجيل التكوين الطاهر وطار وعبد الحميد بن هدوقة ورشيد بوجدره وجيلالي خلاص وأحلام مستغانمي وواسيني الأعرج ويعتبر الأخير من الأسماء الروائية التي لمعت وطالت بأعمالها السردية المتميزة واقع المشهد العربي وشكلت حالة وظاهر من ظواهر السرد العربي في حداثته الآنية.
ولا شك أن واسيني الأعرج الذي يقول عن نفسه أنه حفيد أولئك المورسيكيين الذين قدموا من الأندلس عشية سقوطها سنة 1492 وأن انتماءه إلي هذا التاريخ الوسيط قد شكل له عمقا ثقافيا، وبعدا إنسانيا متميزا انعكست ملامحه وتأثيراته الفاعلة على عالمه الروائي.
هذا العالم المستمد من رؤية وتجربة سردية بدأت بشائرها تظهر أثناء وجوده في دمشق ولبنان بصدور عددا من الأعمال القصصية والروائية.. بعد ذلك توالت أعماله الإبداعية لتضيف إلي رصيد الكاتب وبلده الجزائر مبدعا متميزا استند في عالمه الإبداعي إلي واقع الإنسان المعاصر في الجزائر بحالته التي هي علىه الآن، ثم الإنسان العربي في كل مكان.
كتب واسيني الأعرج أعماله الروائية والقصصية وهاجسه الذاتي في كل إبداعه السردي هو وطنه الجزائر بكل ما يحتويه من هموم وتاريخ وقضايا وإشكاليات. ويعد واسيني الأعرج من المبدعين القلائل الذين نجحوا في أن يتجاوزوا حدود الوطن، وأن يفرضوا إنتاجهم الروائي المتميز الغزير على مستوي الوطن العربي والعالم الآخر بكل ثقله وتنوعه.
وقد لفت واسيني الأعرج الأنظار في أواخر السبعينيات من القرن الماضي إثر نشره بعض قصصه القصيرة في مجلة الموقف الأدبي السورية، وطرحه لتجربة إبداعية لافته في بواكير أعماله الروائية التي كان صداها ومحتواها يبشر بصوت جديد وضحت معالمه واستطاع من خلال تجربة ثرية خصبة لها بعدها الثقافي المتجذّر في التاريخ والأرض والإنسان العربي الجزائري أن يطوّع فن الرواية وأن يحيله إلي عالم له خصوصيته اللافتة والفاعلة في المشهد الروائي الجزائري والعربي.
اعمال متنوعة
ولد واسيني الأعرج في الثامن من أغسطس عام 1954 بمنطقة سيدي بوجنان بمدينة تلمسان مسقط رأس محمد ديب، ثم تابع دراسته في الجزائر، واستكملها في دمشق، حيث مكث في سوريا قرابة عشر سنوات حاز في نهايتها على درجتي الماجستير ودكتوراه الدولة ببحث عن الرواية الجزائرية المكتوبة بالفرنسية والعربية . ثم عاد إلي الجزائر سنة 1985 والتحق بجامعة الجزائر المركزية كإستاذ للمناهج والأدب الحديث، درّس خلالها في جامعات عربية وأجنبية عدة، وأشرف على فرق للبحث العلمي أهمها فرقة الرواية»المجتمع والأشكال، كما أشرف على إصدارات أدبية عديدة.
غادر واسيني الجزائر عام 1994 باتجاه باريس بدعوة من المدرسة العلىا للأستاذ وجامعة السربون، وهو يعمل الآن أستاذ ومحاضرا زائرا بين الجامعة المركزية بالجزائر وجامعة باريس الثامنة، بدأت أعماله في الظهور بداية من عام 1974 حين صدرت له رواية جغرافية الأجساد عن مجلة آمال الجزائرية، ثم صدرت له وقائع من أوجاع رجل غامر صوب البحر وهي رواية من جزئين صدرت عن وزارة الثقافة بدمشق عام 1981. ثم وقائع الأحذية الخشنة عن دار الحداثة في بيروت عام 1981، و نوار اللوز عام 1983، ثم مصرع أحلام مريم الوديعة عام 1984، و ما تبقي من سيرة لخضر حموش عام 1982، و الليلة السابعة بعد الألف.. رمل الماية عام 1989. كما صدرت له دار الجمل رواية سيدة المقام عام 1995، و ضمير الغائب عن اتحاد الكتّاب العرب بدمشق عام 1995، و شرفات بحر الشمال عن دار الآداب عام 2001، وصدرت له بالفرنسية رواية حارسة الظلال.. دون كيشوت في الجزائر عن دار مارسا، بباريس عام 1996، و مرايا الضرير عن دار غولياس عام 1998 كما صدر له أيضا الجزء الثالث من ثلاثية الليلة السابعة بعد الألف المخطوطة الشرقية عن دار المدي بدمشق عام 2002، توالت بعد ذلك إبداعاته الروائية والقصصية فكان ذاكرة الماء ، و شرفات بحر الشمال ، و طوق الياسمين ، و كتاب الأمير ، حتي صدور آخر أعماله الروائية وهي رواية أصابع لوليتا 2012 والتي أثارت كثير من الجدل بعد صدورها مباشرة.
وعالم واسيني الأعرج الروائي بحكم التجربة والرؤية توجد به ثمة خصوصية نادرة في علاقة الكاتب بالمكان والزمان وقضايا الإنسان العربي الراهنة، فالجزائر مفتوحة على مصراعيها في معظم رواياته.. كما يتميز سرده الروائي بنوع خاص من الحفر العميق الذي حفره في بنية الإبداع الروائي العربي بحيث أصبح عالمه الروائي ذو بصمة قوية وعلامة متميزة في صدر المشهد السردي العربي على إطلاقه.
تصفية عناصر
ففي رواية ما تبقي من سيرة لخضر حمروش يواكب واسيني الأعرج لحظات من زمن لشخصية من الشخصيات المناهضة والناشطة والمقاومة هي شخصية عيسي القط موظفا جانبا مهما من تاريخ الثورة الجزائرية ضد المحتل الفرنسي. ومن خلال اللجظات الفاصلة في حياة الوطن وحياة الشخصية تبدأ الرواية في مخاض التجربة من لحظة انفضاض اجتماع الفلاحين برئيس البلدية لمناقشة قرار إعادة الأرض لمالكيها ونزعها من الفلاحين استنادا إلي فتوي دينية مصدرها إمام مسجد القرية، مؤدي هذه الفتوي أنه لا تجوز الصلاة على الأرض المؤممة . ومن خلال المؤامرة الضالع فيها رئيس البلدية وإمام مسجد القرية يرفض الفلاحون الانصياع للفتوي.. ومن خلال شخصية عيسي القط، تتواصل الأحداث وتتقاطع المحاولات حيث جري تكليفه بتصفية أحد العناصر الضارة بالوطن والدين والشعب على حد قول السلطة الآمرة . وتتمخض الأحداث عن اكتشاف عيسي القط بأنه كان مغررا به شأنه شأن الكثيرين من المخدوعين، وتتيمز رواية ما تبقي من سيرة لخضر حموش باحتفائها البالغ بالمردودات والمأثورات الشعبية في الجزائر، واتكائها على واقع الإنسان والسلطة كرمز لسطوة السلطة وتحكمها في مقدرات البشر.
وفي رواية ضمير الغائب اغتيال مدن البحر يجسد الكاتب إعادة البناء العربي، وهي دعوي إلي قراءة جديدة لأوراق المستتب من أفكار وأحوال وضرورات الكشف عن الحقيقة في معطيات حياتنا المعاصرة بقضاياها وهمومها الخاصة والعامة، وذلك من خلال بطل الرواية، وهو صحفي يرغب في تقديم تحقيق حول ملابسات موت والده إبان الثورة الجزائرية، ولكن رئيس تحرير الجريدة التي يعمل بها يرفض ذلك بتأثير من بعض ولاة الأمور بالمدينة، وعلى الرغم من أن الرواية تنطلق من واقع ذاتي يبحث عن توضيح إلا أن هذا المنطلق ما هو إلا شرارة لبحث جماعي في بنية الواقع وصيغة السائد من أحوال الفساد وأموره المستتبة.
كما تعد رواية سيدة المقام من النصوص التي كتبها واسيني الأعرج وحدد من خلالها تجليات تجربة الهاجس السياسي في أعماله السردية، يبدأ النص بهذه الرصاصة التي تستقر في رأس مريم يوم الجمعة، وتتداعي الأحداث بعد ذلك من خلال الراوي وهو الاستاذ الجامعي الذي يعمل من إيطاليا درجة الدكتوراه في علم الجمال، إن الراوي يأمل لدي خروجه إلي الشارع الجزائري أن يتخلص من آلام الاغتراب والمعاناة، ولكن محاولاته تنتهي بالفشل ويعود إلي سجنه الداخلي بعد أن يأس تماما من عالمه الخارجي الملئ بالدم والمآسي الإنسانية غير المتخيلة، وتعتبر رواية سيدة المقام نبؤة لزخم ما يحدث الآن في الجزائر ومعايشة دقيقة لواقع المجتمع هناك، فالفضاء الجزائري داخل النص يتفجّر بالأحياء والأموات من خلال قضايا تعلن عن نفسها ويتحاور الجميع حولها، كل من خلال رؤيته وتجربته الخاصة.
كما تبني رواية الليلة السابعة بعد الألف.. رمل الماية وهي جزء من ثلاثية روائية استلهمها الكاتب من سرديات ألف ليلة وليلة، وطرح فيها إشكالية العلاقة بين الوراقين والقوالين. فمن بين المؤرخين الذين يجدون انفسهم تابعين للخطاب السائد بمؤسساته ومراكزه الآمرة وبين الحكواتي الذي يجوب الأسواق والحارات ليسرد من خلال رويه رؤي الحقيقة التي يجب أن تسود وتحكم الناس في كل مكان. الكاتب يوظف تجربة أهل الكهف من خلال البشير الموريسكي حيث تتماهي صورته وقصته مع النفر الذين قبعوا هناك في لحظة تجمد وانقطاع داخلي عن العالم، من خلال فصول الرواية الكاشفة عن مكاشفات المكان، وظلال المدينة، وفتنة البربرية، وحنين الطفولة، ومحنة الاغتصاب، والجمعة الحزينة، والجنون العظيم، والبحر المنسي، وحراس النوايات، وإغفاءات الموت، وأخيرا نهاية المطاف، هذه الفصول المتواترة في نسيج النص تجسد نوعا من التفاعل وتؤدي إلي عدة مقاربات يقول عنها الناقد المغربي لحميد حمداني بأنه نوع من التفاعل الوجودي بين الذات القارئة والبنية النصية لتوليد معني ما .
وفي رواية حارسة الظلال أو دون كيشوت في الجزائر يتحدث الكاتب عن مغامرة شخصية من الشخصيات الموظفة في هذا النص وهي شخصية حسيسن هذه المغامرة الغريبة التي احتفظ حسيسن بالجزء المهم منها لنفسه حتي لا يثير الأحاسيس المرهفة وغضب الآخرين، أو بكل بساطة، لأنه خاف من عملية اختطاف مدبرة، كما يروي قصة وصول دون كيشوف فاكسيس دي سرفانتيس دالميريا إلي الأراضي التي زارها جده الأول ميجيل سرفانتيس قبل أن يندثر هذا الأخير ويتحّول إلي تربة. الرواية مستمدة من المورث السردي الأول للرواية العالمية، ومن شخصية الواهم الأكبر دون كيشوت مصارع طواحين الهواء في تجلياته الإنسانية الواهمة والممثلة للإنسان في كل زمان ومكان، وتحتفي الرواية بعدة محكيّات راوية من محكي حسيسن المستشار في وزارة الثقافة، إلي محكي رحيل سرفانتس الكاتب ، إلي محكي دون كيشوت الصحافي في الرواية، إلي محكي الجدة حنا جدة حسيسن إلي محكي الأرهاب أوالعمليات الإرهابية التي تشهدها الجزائر الآن من خلال نشر أخبارها في الصحف إلي محكي عامة الناس في الشارع والتاكسي والبيوت العالية والواطئة، كل هذه المحكيات تشكّل أهم سمات وخصائص الرواية التي تؤرخ لمراحل أزمة الجزائر في نبرة ساخرة ومتخيل له خصوصيته ونسقه الخاص.
أما رواية كتاب الأمير..مسالك أبواب الحديد وهي الرواية التي فاز بها الكاتب بجائزة الشيخ زايد عام 2007، فهي في مجملها تحتفي بشخصية المناضل الجزائري الأمير عبد القادر بن محيي الدين الجزائري، الأمير المناضل الذي حاول إيقاظ واقع القومية الجزائرية من خلال بناء جيش جزائري وطني يستطيع به محاربة المستعمر الفرنسي، ومن تاسيس الدولة الجزائرية الوطنية الحرة، كما يحتفي النص أيضا بشخصية موازية هي شخصية قس الجزائر الأول مونسينيور ديبوشي الذي ظل يدافع عن الأمير عبد القادر الجزائري باستماته شديدة وكرس حياته كلها لمحاولة تبرئة ساحة الأمير وإخراجه من سجنه بقصر أمبواز بفرنسا. ويمثل هذا النص درسا في حوار الحضارات خاصة بين حضارتي الأسلام والمسيحية، بين الأمير عبد القادر الجزائري من جهة وبين القس مونسينيور ديبوشي من جهة أخري الذي يقول في مفتتح الرواية اعتقد أنه صار اليوم من واجبي الإنشائي أن اجتهد باستماتة في نصرة الحق تجاه هذا الرجل وتبرئته من تهم خطيرة الصقت به زورا وربما التسريع بإزالة الغموض وانقشاع الدكنة التي غلفت وجه الحقيقة مدة طويلة . إن رواية كتاب الأمير تحمل في نسيجها السردي دلالات القيد التي كانت ترزح تحته الجزائر طوال فترة الاستعمار الفرنسي لها، وهي تستند فقط إلي المادة التاريخية وتستدعي الفكرة فقط من التاريخ، أما المتلقي فإنه من خلال فاعلىة النص وتفاعله مع لحظة البحث عن الحرية يشعر بخطوات القص مونيسنيور ديبوشي وهو يركض باستماتة بين غرفة الشعب بباريس للدفاع عن السجين الجزائري ومحاولة تبرئته من التهم الظالمة الموجهة إليه.
رسالة الغفران
وفي رواية أنثي السراب يكتب واسيني الأعرج عن المرأة بحرفية الكاتب الذي يتسلل إلي ذاكرة المرأة العربية في شخص ليلي كرمز لهذه المرأة حيث هاجس الحب وتجربة المرض التي مر بها الكاتب والذي يعتبرها لحظة تحول يمر بها الإنسان. الرواية عبارة عن مجموعة من الرسائل بين ليلي ومريم وواسيني، يثير فيها واسيني الأعرج من خلال التجربة أسئلة ومفادها لماذا كتب العرب أجمل نصوصهم عن طريق الرسائل؟ رسالة الغفران، طوق الحمامة، كتاب الروض العاطر في نزهة الخاطر، وغيرها من الرسائل التراثية التي تجسد تجربة البحث عن الإنسان داخل الإنسان، لذا جاءت أنثي السراب على هذه الشاكلة الفنية من نصها السردي، كما جاء طوق الياسمين وهي رسالة أيضا في الصبابة والعشق المستحيل كما هو مدون على غلافها حيث اللغة الشعرية تحتوي النص بأكمله وهي رواية من روايات الأصوات المتعددة حدثت أحداثها في دمشق أثناء دراسة الكاتب هناك في بداية الثمانينيات وكان العشق هو ديدنها ومحورها الرئيسي كذلك كان الموت أحد أبطالها في النهاية وفيها تتعدد مستويات السرد في طابع شعري منحها رؤية وتجربة ثرية وخصبة في عالم الكاتب الروائي.
أما رواية البيت الأندلسي وهي آخر ما صدر له من أعمال وهي عمل مثير للجدل حيث تتقاطع ملامحه التاريخية مع الذكرة القريبة والبعيدة على السواء من تاريخ الأندلس والمورسيكيين أجداد واسيني الذين طردوا من الأندلس وكان الموطن الجديد لهم غير مرحب بقدومهم كانت هي بالنسبة لهم الفردوس المفقود، لقد كان الأحساس بالوجع الأندلسي هو الملمح الذي اشتغل علىه الكاتب استدعاء رحلة مخطوطة جاليليو التي دون فيها تاريخ العائلة بشكل يوحي بالحضور والتواجد وبلغة المورسيكيين لحماية ثقافتهم من الاندثار وحماية أنفسهم من محاكم التفتيش، الشخصية المحورية في النص وهو مراد باسطا ودوره المهم في حفظ المخطوطة المكتوب فيها وصية غريبة في شكلها ألا يترك الورثاء البيت الأندلسي حتي ولو تحولوا إلي خدم لقد كان البيت الأندلسي في النهاية هو اختزالا للوطن الجزائر. بني الكاتب بنية النص على أساس استرجاع الاحداث والانتقال بعدة عصور من الأشياء المغلوطة في التاريخ، الكاتب يجسد الحاضر من خلال بؤر الماضي ووجعه وآلامه.
ولعل هذا الحوار المونولوجي الشعري الذي بدأ به واسيني الأعرج روايته لوليتا بين كل من يونس مارينا و لوليتا يختزل لنا هذه الرؤية السردية القائمة في هذا النص والتي يعززها جدل النقد حول هذا النص الكاشف عن شفافية الحب وفي نفس الوقت ضبابيته. يقول يونس مارينا الآن، بعد أن خمدت كل تلك الحرائق التي التهمت بلا رحمة، الغيمة الأخيرة التي استمرت زمنا طويلا تظللني، أستطيع أن أجمع عدتي من الأوراق والأقلام، وأقف على حافة الساحل المهجور، أسترجع أنينها الخفي، ثم أبدأ السير وحيدا على سطح البحر، وأنا لا أدري إلي أي شوق سيقودني هذا الرحيل نحو عاصفة الكتابة، سوي أن الموجة اليتيمة التي تكونّت لحظة دخولي وانفصلت عن البقية وعنّي، ستتضامن معي في بحثي عن ظل أبيض تماهي مع النور والماء اسمه لو… لي…تا… . يونس مارينا .
وتقول لوليتا ردا على هذا المونولوج هلي تدري حبيبي أني كلما وضعت أصابعي على ملامس البيانو أحسست بك هنا وسط مساحة من النور، واقفا على حافة قلب يرفض أن يستسلم للنسيان، تنصت بإمعان لصوت في داخلي يشبهك لدرجة التماهي الغريب. أعزف لا لأني أشتهي إغواءك داخل شعلة أصابعي فقط، ولكن لأني أخاف صمت الحجارة، ورعشة القبور، رهاني أيها الغالي، أن أوقظك من غفوة التيه لكي لا تنسي أني هنا، امرأة من حليم الغيوم وهشاشة نظرة العاشقة. هنا دائما لتدرك أني ما زلت حية، وأن أصابعي التي تحبك لن تستأذن القتلة الذين سرقوا عذرية طفولتك، لكي تعزف نشيد الروح. ما تخافش عمري، قادرة على شقايا، كما كانت أمي تقول . لوليتا .
لا شك أن هذه السياحة السريعة في هذا العالم السردي المتميز والمكثف في رؤيته، والخصب في تجربته الحياتية والإنسانية قد وضع واسيني الأعرج على خارطة الرواية العربية بامتياز مما شكل كما يقول هو أنه ضمير الأوراس بطبيعتها الغرائبية وتضاريسها الأسطورية الفاتنة، ومحاكيها الحاملة لسطوة المكان وروعة الإنسان، لقد كتب واسيني الأعرج مغامرا بأدوات الأسطورة والوقائع الغريبة والتجربة السردية في حالاتها المدهشة والمحيرة والمثيرة للجدل . إنه ابن جيل من الروائيين وضع يده على مفاتيح النهوض بأمته من خلال أعماله الروائية وإبداعه الذي شكل خصوصية للرواية الجزائرة والرواية العربية المعاصرة.
/7/2012 Issue 4253 – Date 17 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4253 التاريخ 17»7»2012
AZP09