شيء ما بين بغداد وعمان والقاهرة وأنقرة ونيويورك وأوربا
(الزمان) و (الشرقية) مدارس رصينة للعمل المهني المستقل
المشوار بين (الجمهورية) و (الزمان) لم يكن سهلاً
صلاح الربيعي
ـ لم تقودني الصدفة إلى مقر جريدة الجمهورية وإنما توجهت إليها متعمدا كان ذلك بداية الثمانينيات من القرن الماضي باحثا عن تحقيق حلمي بالكتابة في أحد أبوابها وصفحاتها ومتأملا الموافقة كذلك على أن أعمل في قسم التصميم في الجريدة كوني مصمما وتشكيليا وخطاطا ماهرا والأفكار أخذت تتزاحم عندي مع ثقة عالية بنجاح مهمتي مذاكرا مع نفسي كيفية الحديث ومن أين سأبدأ الكلام مع رئيس صرح عملاق كصرح جريدة الجمهورية إذ لم يكن الحصول على موعد مع رئيس التحرير بالشيء اليسير آنذاك بسبب حجم مسؤولياته وكثرة عمله ولكني كنت محظوظا عندما حصلت على هذا الموعد عن طريق أحد المقربين لرئيس التحرير الذي كان يعرف إمكاناتي وما أن وصلت لمقر الجريدة ارتقيت السلالم الحديدية المؤدية إلى مكتب رئيس التحرير حتى تفاجأت برؤية الزميل الإعلامي الدكتور مجيد السامرائي وهو يغادر مكتب رئيس التحرير متوجها إلى السلالم نزولا حينها لم يسمح لي الظرف بأن أقف وأتحدث معه واعرفه بنفسي وهو الكـــــــــاتب المعـــــــــروف في زاويته الشهيرة التي كانت بعنوان مقعد أمام الشاشة الصغــــــــيرة في جريدة الجمهورية حيث كنت من المتابعين له منذ بداية الثمانينات وباستمرار إضافة إلى شغفي الكبير لبرنامجه التلفزيوني الممتع المنوع والمختلف الذي كان بعنوان ( شـــــــيء ما) وحــــــينها بقيت متــــحسرا كوني لم أكن محظوظا لأتحدث معه رغم اني صادفته وجها لوجه حتى شاءت الأقدار بأن نعمل سوية في قناة الشرقية منذ بدء بثها الفضائي حيث كان السامرائي يكتب النصوص لتقاريري الإنسانية الميدانية وبطريقة لافتة ساحرة وبعد فترة قليلة من العمل الصحفي أصبحت زميلا للدكتور مجيد السامرائي في صحيفة الزمان وعودا الى لحظات وصولي الى مقر جريدة الجمهورية آنذاك.
حفاوة كبيرة
فقد أكملت خطواتي التي أدت بي إلى ممر جانبي يوصلني الى مكتب رئيس التحرير الذي كان في حينها الدكتور سلمان زيدان حيث استقبلني ورحب بي بحفاوة عالية ووجدته رجلا وإنسانا مهنيا وطنيا دمث الأخلاق قائلا لقد سألت عنك بعض أصدقائي الذين يعرفونك فحدثوني عنك خيرا ولذلك طلبت منهم أن تكون بضيافتي وهذه فرصة طيبة بأن نتعرف على شباب طموحين مثلكم ليكملوا مسيرتنا الصحفية والإعلامية ونحن سنقف معكم ونساندكم نحو طريق النجاح والكلام مازال لزيدان حينها خيمت على روحي أجواء السعادة الغامرة وشعرت بأني أمام مسؤولية كبيرة ولابد أن أكون جديرا بها دون أن أعرف بماذا سيكلفني وبالحال بادرني بالسؤال قائلا ( نعم ياصلاح حدثني ماذا لديك لتقدمه للجريدة ؟ ) فشكرته بما يليق بإطرائه لي وأجبته باني على استعداد بكتابة المقالة الصحفية والتقرير والتحقيق وتحرير الأخبار إضافة إلى إجراء المقابلات والحوارات وتغطية جميع الفعاليات الرسمية والفنية والثقافية إضافة إلى إمكانية العمل في قسم التصميم لو احتاجت الجريدة لذلك ) فأبدى إعجابه وتقديره لما طرحته من حديث عند ذلك ناولني رقعة ملونة من الورق المقوى كان على مكتبه مع قلم للخط ليختبر مهارتي بخط عبارة جريدة الجمهورية حينها تفننت بذلك لأثبت له مهارتي بالخط والتشكيل حتى بانت على محياه علامة الإعجاب بما دونت وكانت سعادتي لاتوصف وكأني أحلم كوني قد نجحت بخطوتي الأولى نحو الطموح وقال لي زيدان بإمكانك أن تباشر عملك بالوقت الذي يناسبك وان كانت رواتبنا قليلة فلا بأس بذلك والمهم أن تعمل معنا وبعدها سيتحسن الحال بالتأكيد ان شاء الله وهكذا بدأت مسيرتي الصحفية مع جريدة الجمهورية التي تركتها بسبب ظروف الحرب والخدمة الإلزامية وصعوبة الوصول للجريدة من مكان بعيد ولم يكن في حينها مراسلات الكترونية وإنما مراسلات ورقية وتأخذ المواضيع وقتا طويلا حتى تصل عبر البريد العادي الى الجريدة ولكني رغم ذلك لم أترك المهنة التي أحببتها أبدا وبقيت على تواصل بكتاباتي وأحتفظ بها كتوثيق للأحداث التي تتسارع في الساحة العراقية كل يوم حتى لو لم أتمكن من إيصالها للجريدة آنذاك والى جنب هذا فقد كلفني مدير إعلام محافظ واسط المهني الكبير الزميل ماجد حميد العتابي بتصوير بعض الفعاليات الرسمية الحكومية تلفزيونيا والتي كانت قائمة ومتواصلة قبل تغيير النظام في العراق وإرسال تلك المادة المسجلة على أشرطة VHS للإذاعة والتلفزيون باليد لكي يتم عرضها في برنامج جريدة المساء اليومي الذي كان يتناول فعاليات ونشاطات المحافظات الإدارية والخدمية كل يوم ومع كل مادة يتم بثها وأشاهد عرضها في التلفزيون أشعر بالزهو والفرح وكأني قد أنجزت عملا كبيرا حبا بالمهنة وجرى هذا الحال لحين تغيير النظام عام 2003 وتغيرت الكثير من الأمور لكني لم أتوانى بطموحي لإكمال مسيرة عملي الصحفي والإعلامي ولذلك قررت الذهاب إلى مقر جريدة الزمان التي اعتز بها وبعطر ورقها كثيرا ولكي ألتقي بعدد من الأساتذة والزملاء لأقدم لهم ماعندي من نتاجات صحفية سعيا لأكون مراسلا للصحيفة التي أحببت هذا بعد أن يوافقوا على كتاباتي وأسلوب عملي وأول من التقيته مباشرة هو الزميل المهني الطيب المحرر والكاتب المغترب في كندا حاليا سعد عباس الذي أشاد بعملي وشجعني كثيرا بأن أتواصل معه عبر بريد الجريدة الالكتروني الذي كان حديثا على عملي أو اجلب معي الأخبار والتقارير مكتوبة باليد وعلى الورق لأسلمها للجريدة بين الحين والآخر مع تعرفي على بقية الزملاء في قسم التحرير وبقية الأقسام الأخرى ملاقيا منهم كل الدعم والترحاب وبالفعل تواصلت بهذا المضمار لسنوات طويلة وتم اعتمادي رسميا بالعمل مراسلا لصحيفة الزمان بطبعتيها العراقية والدولية وكذلك مراسلا لشؤون البرامج في تلفزيون الشرقية الفضائية بداية من واسط ومن ثم بغداد وعمان والقاهرة وأمريكا وتركيا والشارقة والدوحة وكذلك أوربا ومازلت مستمرا بهذا العمل الذي يشعرني بالسعادة كوني أحمل رسالة ذات أهداف وطنية وإنسانية ومهنية يمكن أن أخدم فيها بلدي وأعبر من خلالها عن تطلعات الأغلبية المستضعفة والصامتة في المجتمع العراقي وكل هذا جاء بدعم مهني وإنساني مباشر من رئيس مجموعة الإعلام العراقي المستقل الأستاذ سعد البزاز ورئيس التحرير الدكتور احمد عبد المجيد الذي منحني الثقة الكاملة للعمل بحرية واسعة لم أسمع بمثلها في مؤسسات أخرى.
عمل اعلامي
وقد مضت سنوات طويلة على أول عمل صحفي وإعلامي محدود أنجزته كان ذلك في ثمانينيات القرن الماضي وقبل الحداثة الالكترونية التي وصلتنا متأخرة وما بين الدول التي عملت في ميادينها وبين تعلقي بميدان بلدي العراق صراع بالمقارنة بشيء ما أو بأشياء كثيرة احمل معها الألم أو السعادة على بلد يمتلك كل مقومات الرفاهية والعيش الكريم ولكن للأسف شعبه حزين ومتعب ومثقل بالهموم ولم يحض بإدارة حكومية مهنية مخلصة نزيهة تعمل لمصلحته وخلال مسيرتي المهنية التي اقترب عمرها نحو اليوبيل الذهبي صادفت الكثير من الأحداث والمواقـــف الإنسانية والاجتماعية والأمنية الخطيرة التي عشت أحداثها إيجابا وسلبا سيما تعرض حياتي وحياة اسرتي ولمرات عديدة لخطرالموت وخلال مسيرة عملي الطويلة أجريت المئات من الأعمال الصحفية والتقارير والمقابلات والحوارات التلفزيونية وبمختلف المواضيع السياسية والاجتماعية والثقافية والفنية المحلية والعربية والدولية قسم منها تم توثيقه والقسم الآخر قد اندثر بسبب التنقلات ومرور السنوات وتعاقب أحداثها وبحكم عملي زرت العديد من الدول العربية والعالمية فلم أجد مثل بلدي العراق وكل طموحي أن لاأتوقف عن الاستمرار برسالتي الإنسانية الصحفية أو الإعلامية التي سعيت حثيثا لسنوات طويلة من أجلها عسى أن ندرك الزمن الذي نرى فيه العراق بلدا حرا مستقلا معافى يعيش شعبه بمحبة ورفاهية وسلام بعد استثمار ثرواته الطبيعية الهائلة وطاقاته البشرية التي تتميز بالعلم والثقافة والعمق الإنساني والحضاري والتاريخي وهذا مانرجوه لبلدنا خلال الأعوام المقبلة .