( الزمان ) تستذكر الرائدين الهرمزي والزبيدي
مَعْلما الإذاعة ومكتشفا النجوم
رياض محسن المحمداوي
وفاء لذكرى معلمينا الاوائل… اولئك الذين سطروا بابداعهم اروع دروس الحب والوفاء للعراق واهلة والانسانية . ( الزمان ) تقلب ملفات من ابداعات الرواد في مجال الفن والثقافة
من ذكريات مكتشفي النجمين سعاد الهرمزي و فخري الزبيدي.
لم يعرف الجمهور البغدادي من وسائل الترفيه والتسلية سوى النزهات في البساتين والحدائق العامة في المناسبات. وكانت النزهة محظورة على النساء حتى وقت متأخر من أعوام الثلاثينات, لكن وسائل التسلية واللهو كانت مباحة للرجال , الأ أنها كانت حتى منتصف العشرينات مقتصرة على المقاهي ومايقدم فيها من حفلات غنائية وموسيقية.
قد دخل الفونوغراف(الصندوك اليغني) بغداد في عام 1893.
وهو صندوق كان يذيع الأسطوانات الموسيقية (أم السيم) كما كانت تسمى في أول ظهورها وقبل أن تظهر الأسطوانات الأن بشكلها البلاستيكي بعد عام 1925. وبدخول السينما الى بغداد عام 1911 بات الراديو يظهر في الحياة العامة من خلال صالات السينما ولكن بشكل محدود. ويمكن القول ان التلغراف دخل بغداد عام 1861 والفونوغراف (الصندوك اليغني) 1893 والفوتوغراف (التصوير) عام 1895 والتلفون والسينما 1911 والكهرباء 1917
كل هذه الوسائل الحديثة لم تصل الى العامة أو تدخل حياتهم أنما اقتصر استعمالها على النخبة من الحكام العثمانيين او البريطانيين وأداراتهم الحكومية. ولم يقترب منها العامة أو تقترب منهم الأ بعد عام 1925. أي بعد مرور مايقارب السنوات الثلاث على تشكيل الحكومة العراقية الملكية والبدء بتأسيس دولة حديثة كانت باعتراف الملك فيصل الأول، رحمه الله، من أصعب المهام التي عاشها نظرا لكون الملل والنحل العراقية متفرقة ويصعب جمعها وقيادها، كما قال في رسائله المتألمة على أحوال العراق. وبعد دخول التكنولوجيا المتمثلة بالراديو والتلفزيون وانشاء العراق لهذه المؤسسة الترفيهية الاعلامية المرئية والمسموعة وتطورها عبرسنوات طويلة مليئة باحداث مهمة في تاريخ العراق .تطورت من خلالها هذه المؤسسة واصبح لها نجوم مختلفين في ابداعهم واعمالهم وماقدموه للجمهور العراقي الذي اصبح الراديو والتلفزيون من اهم مرافق الحياة اليومية التي تتابعها العائلة العراقية .ومن هؤلاء النجوم برز اثنان من اهم الشخصيات الاذاعية اللذين تركا اثرا كبيرا في ماقدماه من برامج واكتشافهم للطاقات الفنية والاعلامية في تاريخ هذه المؤسسة الاعلامية وهما الاعلاميان ومكتشفان النجوم الاساتذه فخري الزبيدي وسعاد الهرمزي؟ واليوم اروي لكم من ذكريات هذين النجمين العراقيين وفاء لذكراهم وماقدماه للمجتمع العراقي المحافظ من خدمات واسسا اماكن بهية ورصينة للابداع في تاريخ العراق الحديث.
من ذكريات الاعلامي والاذاعي ومكتشف النجوم الاستاذ سعاد الهرمزي …
كان برنامج من الذاكرة من اهم البرامج الاذاعية التي تركت بصمة واضحة في الشارع العراقي واثره على الفن العراقي والعربي لسنوات طوال .والذي كان يعده ويقدمه الاذاعي والناقد والفنان ومكتشف النجوم المرحوم سعاد الهرمزي ويعتبر من اهم البرامج في تاريخ الاذاعة العراقية .
حب الموسيقى والغناء
سعاد الهرمزي من مواليد 1927 في مدينة كركوك.. احب الموسيقى والغناء وهو في العاشرة من العمر. رغم انه لم يكمل دراسته الجامعية الاانه تعلم كثيراً خارج نطاق الدراسة واصبح فيمابعد مدرسة اذاعية عراقية كبيرة.. اهتم بترصين لغته العربية منذ الصغر وختم القرآن الكريم وهو في الثامنة من العمر..
دخل الإذاعة العراقية عام 1948 وكان عمره احد وعشرين عاماً واستطاع أن يحتل مكانة عالية بين الاذاعيين كمعد ومقدم برامج ومكتشف للنجوم.
ومنذ ذلك التاريخ بزغ نجمه الإذاعي فكتب وقدم عشرات البرامج الاذاعية الناجحة.. ومن أهم برامجه الاذاعية الناجحة برنامج((الساعة 9 )) وبرنامج ((من الذاكرة))وبرامج اخرى وفي مستهل حياته عمل صحفياً. ورأس تحرير صحيفة اسبوعية وهو في العشرين من العمر ومارس النقد الفني في عددٍ من الصحف والمجلات العراقية وهو أول ناقد سينمائي في تأريخ الصحافة العراقية.. سجل لمعهد التدريب الاذاعي في القاهرة في العام 1959 موضوعاً عن الصوت والالقاء فطبع هذا الموضوع واصبح مادة تُدرس في ذلك المعهد وصارت مادة دراسية فيه ضمن المواد المقررة من مؤلفاته..
كتاب محمد عبد الوهاب المزاوجة الماهرة بين القديم والحديث.. وكتاب أم كلثوم صوت الغناء التأريخي. وخواطر الأيام جزءين.. وكتاب نقطة حبر. وأربعة اجزاء من برنامج الذاكرة واصوات لا تُنسى. وأوراق قديمة. كانت لديه مكتبة عامرة تحتوي على اقدم المجلات الفنية والكتب الموسيقية عرضها للبيع في تسعينيات القرن الماضي لحاجته المادية.
يقول الهرمزي عن ذكرياته مع الفنان الموسيقار جميل بشير. (عندما التقيت به لااخر مرة وهو ذاهب الى لندن لم يخطر ببالي انه لن يعود …. وقال لي ان غيبته لن تطول وسيعود الى بغداد سريعا لانه على موعد مع موسيقار ايطالي كان قد اتفق معه على صياغة معزوفة من نوع جديد تجمع بين سحر العود الشرقي والاوكورديون الغربي وانه سيتقن عزفها في لندن) .
ويكمل ذكرياته (كان عوده الطروب يتوسط صندوقه وهو يحمله بانتظار صعود الطائرة قرأت في عينيه فرحة غامرة لم ارها فيه من قبل ..فقلت له هل انت مهتم بهذه المعزوفة الى هذا الحد فقال انها تمثل قصة حياتي وعبرت عنها بالنغم وسيعزفها معي نحو عشرين عازفا ولكن زميلي الايطالي مهم جدا ودور العود سيكون رئيسيا ثم يليه الاوكورديون في الاهمية .قلت له يسعدني ان احضر التسجيل قال ستحضر وسترى اول عمل تعبيري حقيقي لي وذهب جميل بشير الى لندن ولم يعد من هناك ابدا ولم تسجل المعزوفة).
عرفت جميل بشير قبل 36 عاما وكان يقود فرقة الاذاعة الموسيقية وكان يعزف على الكمان وليس العود ولم اره يعزف على العود قط . ولكني فوجئت به مرة وانا ازوره في منزله وهو يحتضن العود ويعزف عليه انغاما كانت من الروعة والعذوبة والسلاسة بل البلاغة بحيث لم تزل في ذاكرتي الى اليوم … كان يترنم بمعزوفة الشريف محيي الدين حيدر الشهيرة ليت لي جناح ودهشت لعزفه الشجي وسألته هل تعلمت العود حديثا فاجاب اني اعزف العود منذ كنت طفلا ولكن لا يعرفوني غيرعازف كمان ان هوايتي هي العود اما الكمان فهو وسيلتي للعمل في فرقة الاذاعة الموسيقية .قلت له يخيل لي انك تحب العود اكثر قال فعلا واني احاول ان اثبت اهمية العود في الموسيقى الشرقية وان اجعل دوره اكبر بالفرقة الموسيقية وان يثير اهتمام العالم كله . ولم يمض عامين على هذا الحديث حتى تفرغ جميل للعود وكان ابداعه وتفوقه في هذه الالة الشرقية مثار اهتمام العالم العربي والاوربي .
ان الطريقة الساحرة التي كان يعزف بها جميل بشير والتكنيك المتطور الذي استسقاه من استاذه الشريف محيي الدين حيدر قد لفت انظار الموسيقيين اليه ولن ينسى دوره في نشر الموسيقى العراقية في الخارج , وقد اسعدني يوما وانا في اسطنبول ان استمع الى معزوفته الشهيرة ( شلالات ) وهي تعزف في كازينو يطل على بحر مرمرة وعندما سألت احد اعضاء الفرقة الموسيقية التركية عن صاحب المقطوعة قال انها لاستاذنا العراقي جميل بشير .
انامل ذهبية
لقد رحل جميل بشير مبكرا وذبلت انامله الذهبية قبل الاوان ولكن عزاءنا انه ترك لنا تراثا من الموسيقى والعزف سيبقى اثرا بارزا على ابداعه وموهبته وفنه الراقي .
ولد جميل بشير في الموصل عام 1921 وتوفي في لندن عام 1977 .رحم الله جميل بشير فقد كان فنانا عبقريا وموسيقارآ قل الزمان ان يجود بمثله .ورحم الله استاذنا الاعلامي والاذاعي ومكتشف النجوم سعاد الهرمزي برحمته الواسعة.
اما عن ذكريات الفنان والاعلامي ومكتشف النجوم الراحل فخري الزبيدي.
فخري الزبيدي شخصية عراقية اعلامية وفنية وباحث فولكلوري وفنان وممثل كوميدي ومكتشف نجوم ومقدم برامج ومؤلف كتاب بغداد من 1900 الى 1934 ومن مؤسسي المتحف البغدادي. شغل وظيفة مدير العلاقات العامة في امانة بغداد لسنوات طوال وله كتابات وذكريات لطيفة عن ايام زمان
من هذه الذكريات ..يقول الزبيدي
(انه في سنة 1947 كان من زملائنا في معهد الفنون الجميلة الفنان ناظم الغزالي و المرحوم ناجي الراوي وحامد الاطرقجي وخليل شوقي ومحمود قطان فكونا فرقة الزبانية اذ انضم حميد المحل الينا وكان طالبا في قسم الرسم . ومن الغريب ان ناظم الغزالي بدأ حياته الفنية بالانتماء الى معهد الفنون الجميلة ببغداد نهاية الاربعينات اختار فرع التمثيل وليس فرع الموسيقى والغناء ). ويكمل (وفي المعهد قدمنا اول تمثيلية على مسرح قاعة الشعب كتبها لنا الاستاذ حقي الشبلي ( اصحاب العقول ) مثل الغزالي دور ( رجب الاخرس ) وقدمت نفس التمثيلية من دار الاذاعة العراقية ) .
يذكر الراحل فخري الزبيدي جانبا من اهتمام ناظم الغزالي في التمثيل .
فيقول ( اثناء التمثيل عملت له مقلبا ، وكان سبب هذا -المقلب- انه يرغب في ان يصبح مغنيا ونحن نعارض ذلك ولكنه ظل مصرا على رايه ففي احدى المسرحيات كان هناك دور – الحاج ناجي الراوي بدور الطبيب وانا بدور الممرض وناظم بدور المريض الذي سنجري له العملية ، وخلال التمثيل قلت للمرحوم ناجي الراوي انني اعمل معك لسنوات ممرض فاعطني الفرصة لكي اجري هذه العملية .ولما كان المشهد الكوميدي يجيز ذلك فقد وافق ناجي الراوي على ذلك . وكان ناظم ممدداً على الارض يرتدي دشداشة العمليات الخضرة واثناء التمثيل رحت اهلس شعر صدره واقول له : ناظم جر عدل وابقه ويانه او اهلس شعر جسمك وراسك كله؟ وكان ناظم يتحمل ويجالد من الالم وهو يقول : فدوه فخري استر عليه وشتريد اني حاضر .. ولكني استمريت لمدة عشر دقائق ( اهلس ) انتزع شعر صدره وهو يتقلب من الالم .مقابل هذا المقلب المؤلم والمضحك في آن واحد فقد قابلني ( بمقلب اكبر ) فعندما عقدت قراني على زوجتي الحالية ام علي دعوت جميع الاصدقاء للحضور الا ان ناظم جاء متاخرا في سيارة اجرة ظلت واقفة امام البيت وعندما سالته عن سبب وقوف التاكسي ، قال :لدي عمل سأعود به ..والظاهر ان ناظم كان يتهيأ لعمل ( نكتة ) كبيرة امام الاصدقاء .
وبعد ان اتم القاضي عقد القران انسحب ناظم بسرعة الى سيارة التاكسي واخرج صندوق كبيرا لانعرف مافي داخله .ولكنه جلبه ووضعه امام القاضي وخرج مسرعا … وعندما فتحنا الصندوق وجدنا بداخله( حجله للاطفال )..
نكتة الموسم
وهذه كانت نكتة الموسم في الوسط الفني آنذاك لانني عندما تزوجت ( ام علي ) كان عمري 29 سنة وزوجتي عمرها 13 سنة والحجلة كانت ترمز الى ان زوجتي طفلة تحتاج الى (حجلة) ؟ ومن ذكرياته مع المرحوم ابو رحومي (ابراهيم عرب ) صاحب الحكايات الفكهه واللطيفة وهو من ظرفاء بغداد والمعروف عند البغداديين خاصة والعراقيين عمومآ.
يقــول : ان في احد ايام رمضان الكريم كنا مجموعة من الاصدقاء جالسين بعد الافطار مع المرحوم ابراهيم عرب انسولف عن الايام الجميلة والذكريات الحلوة وكيف كان رمضان ايام زمان ولعب المحيبس فقال : هو رمضان هسه مثل رمضان كبل ! جاوبته( يمعود ابو رحومي رمضان هو رمضان , هسه والا كبل اشيفرق) !- لا يابه لا رمضان كبل شكل وهسه شكل … الناس جانت طيبة والكلوب جبيرة والدنيه غير دنيه والبشر غير بشر والسمه صافية تدري كبل الكمر ابرمضان جان يطلع 30 يوم بدر وميغيب . سألته اشلون جنتو اتلعبون المحيبس ؟ كال جنت اكعد بالليل وره صلاة التراويح اني والجماعة على الشط بصوب الاعظمية والله يرحمه اسطة عبد الله الخياط وجماعته ( احد اشهر الفكهين في بغداد حينها ) يكعد كبالنه بصوب الكاظمية- اي ابو رحومي واشلون تلعبون ؟- جماعة ابو نجم (اسطه عبد الله الخياط ) اثنين ايلزمون البطانية ويبيتون المحبس , اصعد اني على صخرة عالية من صوب المعظم واباوع عليهم واصيح افرز اكعد انت ابو الصاية طلك ابو العرقجين اكعد انت ابو اليشماغ , ابو زبون البته جيبه من اليسرة وتشتغل الهلاهل والتصفيك ,- زين ابو رحومي اشلون اتجيب المحبس من ذاك الصوب ؟ – البلم موجود و اخذ فانوس لوكس و ياية واعبر الذاك الصوب واجيبه .
– ابو رحومي الفانوس ستسوي بيه , الدنيه كمرة وضويه انته موكلت الكمر يطلع 30 يوم بدر وميغيب .
– ابو علاوي يمعود دعبرهه للسالفة مومشت و محد فكدها..
رحم الله ابراهيم عرب وفخري الزبيدى وسعاد الهرمزي وكل الذين عملوا معهم من اجل ان يحققوا للمجتمع العراقي البهجة والسرور والمعلومة.