الرقة: رواية الجوائز والمشاعر النابضة بالحب – نصوص – عبد اللطيف الموسوي

56 ثيمة حكائية تفتح شهية القارئ على التفسير والتمعن

الرقة: رواية الجوائز والمشاعر النابضة بالحب – نصوص – عبد اللطيف الموسوي

أن تحصد رواية واحدة أكثر من عشر جوائز، لهو أمر يدعو الى التأمل والتوقف ، ومن ثم البحث في اسباب هذا الفوز المتكرر على حساب اعمال ادبية اخرى ،وليس غريباً ان يحقق روائي مثل هذا الانجاز ، إذا كان قد أعتاد في اعماله السابقة على الفوز والتميز. وهكذا فرواية الرقة للكاتب الفرنسي دافيد فونكينوس حصلت على اكثر من عشر جوائز مع نهاية عام 2014  وفونكينوس نفسه حاصل على جوائز عدة منها جائزة الدون عن روايته(الرقة)  وجائزة روجيه نيمييه عن روايته الاخرى (الطاقة الايروسية لزوجتي) كما ترجمت اعماله الى اكثر من خمس وثلاثين لغة. ولذا يطمح القارئ الى قراءة (الرقة) وهي الفرصة التي اتاحها لنا المترجم المتألق كامل عويد العامري. وقراءة سريعة لسيرة فونكينوس تظهر لنا انه من مواليد بارس 1974  من رواياته الاخرى(قلوب حرة دار نشر غراسيه2006) و(انفصالنا  2008و2010) وصدرت عن دار نشر غاليمار 2008 ودار نشر فوليو 2010و(شارلوت 2014 دار غاليمار) كما اقتبست (الرقة) في فيلم سينمائي عام 2011 . ويبدو ان النجاح الذي حققته (الرقة) متأت من تمكن الكاتب من بناء رواية اعتماداً على حدث بسيط يقع كل يوم يتمثل في حادث سيارة يودي بحياة رجل ليترك زوجته الشابة عرضة للحزن والكآبة ولمشاعر متقلبة.كما ان الطابع الانساني والغور في الاعماق البشرية ودغدغة الاحاسي والمشاعر واستخدام الكاتب لتقنيات سرد لاتبدو مألوفة إضافة الى لجوئه لتقنيات السينماغرافيا لمتابعة الشخصيات وإقتفاء اثارها كانت من الاسباب الرئيسة لتميز الرواية التي اتاحت للقارئ فرصة متابلعة تحركات الشخصيات وانتقالاتها من حالة الى اخرى ومن موقف الى آخر وهي تبوح بمكنوناتها لتضفي لمسة خيال مبهرة .وهنا لابد ان نثمن جهد المترجم ونشيد به لإقدامه أولاً على ترجمة هذه الرواية، رواية الجوائز وحرصه على تقديمه للقارئ العربي برغم صعوبتها والإحالات العديدة التي طغت عليها ، ما يجعل ترجمتها امراً في غاية التعقيد  يتطلب من المترجم جهوداً مضاعفة ووقتاً أطول من المعتاد لفك رموز ومغاليق اللغة لكي يتمكن من الوصول الى المعنىالذي يبتغيه المؤلف ومن ثم تقديمه الى قارئ اللغة الهدف بأسلوب مقبول وصياغة مفهومة. ولم يأل مترجمنا جهداً في سبيل تحقيق هذا الهدف حتى انه اضطر للإتصال بالروائي نفسه ليسأل عن معنى فقرة تتكون من ثلاث جمل وتضم نحو 30 كلمة فيفاجأ برد المؤلف عليه بأن معنى هذه الفقرة هو كلمة واحدة هي (يتأنق) وإن هذه الفقرة تختص بفرنسا فقط وليس لها علاقة بها وان بإمكان المترجم حذف الفقرة كلها وإستبدالها بمفردة(يتأنق). ويتأنق مترجمنا ويتألق ليقدم صحنا شهياً لعشاق الادب ومحبي الرواية على وجه خاص. وتكمن صعوبة الرواية في تضمينها احالات عديدة الى كتاب معاصرين قد لايفهم القارئ على الفور الرابط بينها وبين احداث الرواية وهكذا قرأنا احالات لمارغريت دوراس والبير كامو وسارتر  وموباسان وغيرهم. ضمت الرواية 117 فصلاً تفاوتت في الطول احتوت على 56 ثيمة حكائية او ملاحظة لها علاقة مباشرة بالسرد القصصي، وهو اسلوب سردي يمنح الحكي نكهة مضافة ، يجعل القارئ يتوقف طويلاً عندها للتأمل والتعمق في مكنوناتها لاسيما وانها توقع نوعاً من الدهشة الروزائية بسبب ما تنطوي عليه من تفاصيل  كتلك المتعلقة بالحساسية من الاسماك أو طريقة ارتداء الثياب أو إستئجار ساقين لاوجود لهما وغيرها. تتناول الرواية حياة أمرأة في السابعة والعشرين من عمرها، تدعى ناتالي تعمل في شركة سويدي وهي جميلة وذكية وعنيدة، تفقد زوجها فرانسوا في حادث سيارة بعد سبع سنوات من زواجهما، لتدخل في جو من الحزن الرتيب  وكآبة ، فتحاول العودة الى العمل بحيوية وإندفاع على أمل نسيان حياتها السابقة في هذه الأثناء يحاول رئيسها في العمل مارك إستمالة قلبها برغم انه متزوج،  فيدعوها الى العشاء ،الامر الذي رفضته ناتالي ، ذلك لأن قلبها أخذ يخفق بإتجاه مرؤوسها في العمل الموظف الخجول المرتبك ماركوس. الرواية مليئة بالعواطف الانسانية الجياشة ،ففرانسوا حرص على ان تكون حياته مع زوجته ناتالي هانئة وقد صور لنا الروائي عمق الصلة الروحية بينهما وحتى الجسدية ، حتى انه من فرط تعلقه بزوجته وشعوره بالنشوة العظيمة معها سألته ذات مرة عن سبب شعوره وكأنه مشلول وسبب خشيته من السعادة المفرطة وهما على الفراش، فأجابها (لاشيء .  لاشيء .. انها فقط المرة الاولى التي امارس فيها الحب مع أمرأة متزوجة). اما شارلوت بارون، بائعة الازهار التي دعست فرانسوا فقد بقي الحادث يقض مضجعها حتى وجدت صعوبة في استئناف عملها فقررت في نهاية الامر ترك باقة ورد على درجات السلم العائد لشقة فرانسوا وناتالي. اما مادلين ،جدة ناتالي فقد استقبلت الحبيبين ناتالي وماركوس في منزلها بحرارة وعذوبة وببالغ اللطف وكانت عبارة عن خزانة أطعمة لهما . في مطلع الرواية اقتبس الروائية قول سيوران “ليس بوسعي ان أتصالح مع الاشياء، ففي كل لحظة عليَ أن ابتعد عن الزمن، لكي اتصالح مع نفسي” ويبدو هذا القول اشاترة الى ان ناتالي لن تستطيع التصالح مع نفسها واستئناف حياتها بعد فقدان زوجها فرانسوا الا بعد أن يبتعد بها الزمن طويلاً عن حادث وفاته. ولم تتوقف اشارات الروائي عند هذا الحد وانما بإمكاننا قراءة الكثير منها ومن الاحالات من مثل”29 اوكتوبر 1960 / محمد علي/لقد انتصر في لويزفيل. في اول مباراة احترافية بالنقاط على توني هونساكر) و رأي لفيلسوف بولوني “وحدها الدموع تعرف سر الاحتضار” و” حوار فيلم الرجل الشهير الذي ألهم مناقشة ماركوس/ شارلز تيرون: ألم تكن تخشى العدوى؟ انا مصاب بالزكام. كينيث براغ: منك بالذات سأصاب بسرطان لايشفى”و “تاريخ عرض فيلم كلود لولوش انسان يعجبني-بطولة جان بول بيلموندو وآني جيراردو/ 3 ديسمبر 1969″ والمسافة بين باريس وموسكو 2478 كيلومتراً” وغيرها الكثير مما يفتح شهية  القارئ على الفضول . وختاماً أعجبني المترجم العامري كثيراً في الصفحة 183 عندما ترجم الفقرة الاخيرة من الفصل 106 كما يأتي(ارسلت رسالة الى ماركوس من اجل ان تقول له اين هي ، وبعد دقيقتين تسلمت “سأستقل الى ليزيو أول قطار ، إذا كنت هناك فنعم الأمر وصار ” ثم رسالة ثانية على الفور ” هذه مجرد تقفية”)، فقد حرص المترجم أن تكون هناك تقفية في الرسالة الاولى عندما انهى الجملتين الاولى والثانية من الرسالة الاولى بكلمتي قطار و صار لتكون التقفية حاضرة في ترجمته باللغة العربية كما كانت حاضرة بالنص الفرنسي. وهو أمر نادراً ما يلتفت اليه المترجم، كما أن المترجم يجد صعوبة في المحافظة على ذلك ، الا إذا كان ذا باع طويل في مجاله.  وقد صدرت الترجمة العربية عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت سلسلة ابداعات عالمية في عدد كانون الاول 2014.