الرصاصة التي أصابت صورة الدولة – عماد آل جلال

الرصاصة التي أصابت صورة الدولة – عماد آل جلال

في لحظةٍ خاطفة، خرجت رصاصة من فوهة سلاح لا يعرفُ لمن يوجه ولا لماذا. لم تصب المتظاهر وحده، بل اخترقت وجه الدولة، وخطت على جبينها سطراً من الخوف والارتباك. كانت الرصاصة تقول ما لم يقله النائب، وتفعل ما لم يأمر به القانون، وتُعلن أنّ الصوت الذي يُفترض أن يُنصت للناس قد بات يخشاهم.

أيّ مفارقةٍ هذه، أن يقف نائب اختاره الشعب ليكون صوته، خلف زجاجٍ مظللٍ تحرسه البنادق؟ أليست الحماية التي تحيط به أشبهَ بأسوارٍ تفصله عن الذين انتخبوه؟ وما جدوى السلطة إن تحوّلت إلى قلعةٍ يخاف ساكنها من طرقات الناس؟

في الدستور، لا مكان للرصاص. فيه تُقام الكلمة مقام السلاح، وتُرفع الأصوات بدل البنادق، ويُكتب الحقّ بالحبر لا بالبارود. فكل رصاصةٍ تُطلق في وجه المتظاهر هي إعلانُ عجزٍ عن الحوار، وإقرارٌ بأنّ الخوف صار أقوى من الثقة.

القانون لا يرحم هذه الرصاصة، لا لأنها قتلت جسداً، بل لأنها قتلت فكرة: فكرة أن الدولة أمّ الجميع، وأن ممثل الشعب لا يكون خصماً له. ففي كل دستور محترم، الحق في الحياة مقدّس، والحق في التظاهر كالنَّفَس، لا يُقاس بميزان السياسة بل بميزان الإنسانية.

إنّ الحماية التي تُشهر سلاحها على صدور الأبرياء لا تحمي نائباً، بل تُعرّيه. تجعل من حضوره تهديدا لا طمأنينة، ومن هيبته خوفا لا احتراماً. والسكوت عن ذلك لا يُبرره أمر، ولا تُغسله الحصانة. لأن الحصانة في أصلها وعدٌ بالشرف، لا جدارٌ للهرب من العدالة.

يا من تحملون سلاح الدولة، لا تنسوا أنّ السلاح الذي يُرفَع على أبناء الوطن يفقد شرفه. واليد التي تضغط على الزناد تُصبح غريبة عن جسد الوطن، مهما رفعت شعار الولاء. فالوطن لا يُبنى بالرصاص، بل بالمحبة، ولا يُصان بالخوف، بل بالعدالة.

ليست هذه دعوةً للعقاب بقدر ما هي نداءٌ للتطهّر. فالرصاصة لا تنتهي عند الجرح، بل تترك في الضمير ندبة لا يمحوها الزمن. وكل نائب صامتٍ أمام جريمةٍ كهذه شريك فيها، ولو بكلمةٍ ابتلعها حين وجب أن ينطق. إنّ الدولة التي تسكت عن دم مواطنيها تسقط قبل أن تُهزم، لأن سقوطها يبدأ حين تُفرغ كلماتها من معناها. والبرلمان الذي لا يحمي الحقّ في الحياة يتحوّل إلى قاعة صامتة تطنّ فيها خطابات لا حياة فيها. لذلك، ليكن ما حدث جرس إنذارٍ لا مرثية، ولتكن كل رصاصة طائشة درساً نعيد به ترتيب القيم. فالأوطان لا تُبنى بالذعر، ولا الشرعية تُصان بالخوف، ولا صوت النائب يُسمع إذا اختبأ خلف بندقية. وحدها الكلمة التي تحاور، وتعتذر، وتُصلح، تملك أن تعيد للدولة وجهها النبيل، وأن تُغلق الجرح قبل أن يصير ندبة في الذاكرة.

مشاركة