الردع العربي والإسلامي وإعادة صياغة موازين القوة – عباس النوري العراقي

الردع العربي والإسلامي وإعادة صياغة موازين القوة – عباس النوري العراقي

مقدمة

قضية فلسطين ليست مجرد صراع إقليمي، بل رمز عالمي لاختلال ميزان العدالة في النظام الدولي.

فالولايات المتحدة، التي فرضت نفسها منذ نهاية الحرب الباردة قطباً أوحد، لم تُثبت سوى انحيازها المطلق للكيان الصهيوني. من هنا، فإن أي مشروع ردع عربي أو إسلامي ضد إسرائيل لن يحقق فاعليته إذا ظل معزولاً عن السياق الأوسع: أي تقويض النفوذ الأمريكي نفسه، باعتباره الممول والداعم والمظلة السياسية للعدوان الإسرائيلي.

أولاً: إلغاء التطبيع وقطع العلاقات مع الكيان

إلغاء كل أشكال التطبيع السياسي والاقتصادي مع إسرائيل خطوة أساسية لإعادة تعريف الموقف العربي والإسلامي.

الدرس التاريخي: حرب أكتوبر 1973 أظهرت قوة القرار الموحد حين وظف العرب سلاح النفط لإحداث هزّة في مراكز القوة الغربية.

موقف اخلاقي

التطبيق المعاصر: إغلاق أبواب التطبيع يعيد الاعتبار للموقف الأخلاقي والسياسي تجاه فلسطين ويضع الاحتلال في عزلة دبلوماسية متزايدة.

ثانياً: التحول شرقاً – نحو الصين وروسيا

التعددية القطبية هي الضامن الحقيقي للتوازن الدولي:

الصعود الاقتصادي للصين والتمدد السياسي الروسي يعطيان العرب والمسلمين فرصة إعادة التموضع بعيداً عن الهيمنة الأمريكية.

التجربة التاريخية: موازنة التحالفات خلال الحرب الباردة ساعدت حركات التحرر الوطني في إفريقيا وآسيا على فرض استقلال القرار السياسي.

ثالثاً: التحرر من الدولار

المؤشر     الرقم         المصدر

حصة الدولار في الاحتياطيات الأجنبية (2024)     58٪         Chatham House 2025

نسبة استخدام الدولار في الفواتير الدولية 54٪         Brookings 2024

نسبة الدولار في تسويات الصرف الأجنبي العالمية 88٪         Best Brokers 2024

تحليل: أي مبادرة عربية أو إسلامية لاعتماد عملات بديلة (مثل اليوان الصيني أو عملة إسلامية موحدة) سيكون لها أثر حقيقي على موازين القوة العالمية، وتقليل الاعتماد على الدولار يُعطي الدول قدرة على المناورة الاقتصادية والسياسية.

رابعاً: النفط والمال العربي

أرقام استثمارية مهمة:

الصناديق السيادية العربية تدير أصولاً تبلغ نحو 4.8 تريليون دولار نهاية 2024 (ADIA، PIF، QIA، Mubadala وغيرها).

صندوق الاستثمارات العامة السعودي: استثمارات مباشرة نحو 170 مليار دولار في الولايات المتحدة منذ 2017.

«مبادلة» الإماراتية: 29.2 مليار دولار في 52 صفقة خلال 2024 وحده.

الاعتماد على النفط: بعض الدول العربية تعتمد أكثر من 75٪ من إيراداتها الحكومية على النفط، بينما الصين تمثل أكثر من 25٪ من مشتريات النفط السعودي.

تأثير: هذه الأرقام تظهر قدرة المنطقة على إعادة توجيه رؤوس الأموال وفرض موازين جديدة إذا توافقت الإرادة السياسية والاستراتيجية الاقتصادية.

خامساً: تجربة الحرب الإيرانية – الإسرائيلية (اثنا عشر يوماً)

الحرب بين إيران وإسرائيل استمرت 12 يوماً وأظهرت:

الموقف الأمريكي محدود العائد أمام الرد الإيراني الصارم.

التلاحم الشعبي الإيراني مع قيادته عزز القدرة على الردع الاستراتيجي.

العبرة للعالم العربي والإسلامي: الردع الفعلي يحتاج إرادة سياسية، وحدة وطنية، ورؤية استراتيجية طويلة المدى، وليس مجرد قوة عسكرية.

الاعتراف بدولة فلسطين كخطوة مركزية

الاعتراف العربي والإسلامي الجماعي بدولة فلسطين وعاصمتها القدس خطوة سياسية وقانونية محورية.

هذا الاعتراف يضع إسرائيل في عزلة دولية متنامية ويقوي موقف القضية فلسطينياً وعالمياً.

دروس من النظام الدولي

النظام الدولي الأحادي لم يُنتج سوى الحروب والفوضى (العراق، أفغانستان، سوريا، غزة).

التوازن الدولي في فترات الحرب الباردة ساهم نسبياً في كبح العدوان.

تجارب اليوم (الحرب الروسية – الأوكرانية، المواجهة الإيرانية – الإسرائيلية) تؤكد أن تعدد الأقطاب أصبح واقعاً لا يمكن تجاهله.

خاتمة

إن الردع العربي والإسلامي لإسرائيل يجب أن يتحول إلى مشروع شامل يعيد صياغة العلاقة مع النظام الدولي ويستثمر أوراق القوة الاقتصادية والسياسية والعسكرية:

القرار السياسي الموحد.

الإرادة الشعبية المتلاحمة مع القيادة.

التحالفات الاستراتيجية (شرقاً وغرباً).

حين يجتمع هذا الثلاثي، يصبح الاعتراف بدولة فلسطين وعاصمتها القدس خياراً واقعياً، وتبـــــــــــــدأ مرحلة جديدة من التوازن والعدالة العالمية بعيداً عن هيمنة القطب الواحد.

مشاركة