الربيع والإعصار وأوباما ــ رنا خالد
على الرغم من ان الرئيس الأمريكي باراك أوباما في خطابه المباشر بعد اعلان فوزه على خصومة الجمهوري رومني لم يترك فئة الا وتوجه اليها بالشكر والذكر حتى أنه شكر المثليين في سابقة لم يسبقه اليها أي من الرؤساء الأمريكيين.الا انه فاته ان يتقدم بالشكر للعاملين الحاسمين اللذين مهدا طريق أوباما للنصر في معركته الانتخابية الشرسة، وهما الربيع الذي اجتاح الشرق الأوسط فقلب العروش فوق أصحابها، والاعصار الذي جاء في اللحظة الحاسمة من الصراع الانتخابي الذي كاد ان يكون قاب قوسين أو أدنى لصالح المنافس الجمهوري.
الحقيقة ان الربيع العربي الذي انطلقت شرارته منذ عامين حقق للرئيس أوباما فرصة نادرة لم تقدم لأي رئيس أمريكي من قبل. هذه الفرصة هي التنصل من دور القوة المهيمنة هذا الدور الذي ضمن ويضمن النفوذ للولايات المتحدة عبر ممارسة أفعال القوة أو التلويح بها، وهو ما كان يجسد عبر انغماس الولايات المتحدة في التهيئة لصراع أو حرب أو ما تعبر عنه الأدبيات السياسية الأمريكية الا كلاسيكية بعملية خلق العدو وصنع الانتصار عليه فعلا أو وهما.
هذه العملية حافظت عليها السياسة الخارجية الأمريكية عبر عقود سواء كان الرئيس ديمقراطيا ام جمهوريا. وقد ساعدت ظروف الشرق الأوسط وبالاخص العلاقة الاستراتيجية مع اسرائيل والصراع على الطاقة والنفوذ، على ديمومة هذا التقليد في هذه المنطقة الحساسة وهذا التقليد هو وجود الصراع أو الحرب التي تتدخل فيها الولايات المتحدة لتحسم النصر وتقوي المكانة الاستراتيجية العالمية للقوة العظمى.
ولكن… هذه العملية لم تعد بالسهولة كما كان وباتت باهظة التكاليف ماديا ومعنويا بل وبعد الحرب على العراق 2003 لم تعد فكرة النصر في حرب او صراع خارجي مهمة للامريكيين بمعنى آخر لم يعد هذا السيناريو ناجحا في كسب أصوات الأمة الأمريكية التي صارت مثقلة بجراح الحروب والأزمات الاقتصادية. لذلك عندما جاء أوباما مخاطبا الأمريكيين في حملته الانتخابية 2008 وعدهم بأن أبناءهم سيعودون من العراق وقريبا من أفغانستان وهذه النقطة التي جعلت الأمريكيين يصرون على انتخاب أوباما الشاب من أصول افريقية متواضعة ويفضلونه على الجمهوري العتيد مكين. وفعلا أوباما أعاد القوات الأمريكية من العراق واستطاع ان يخرج القوات الأمريكية بذكاء من النفق المظلم في العراق وان يقدم القوات الأمريكية على أنها جاءت لأداء مهمة وأتمتها على أتم وجه وان العراقيين بأنفسهم اختاروا ان يكملوا الطريق. وفي أفغانستان أيضاً استطاع ان يجعل مهمة الولايات المتحدة في اطار المنظمة الدولية وان يقلل خسائر القوات الأمريكية الى أدنى حد. ولكن أوباما وصل عام 2010 ولم يقدم للقوى العظمى الشريكة الدور المنتظر من الولايات المتحدة بمعنى اخر ايران تهدد العالم الحر ولكن أوباما بدل ان يحرك القوة العسكرية يتبادل الرسائل مع الرئيس الايراني احمدي نجاد بل وان الثاني يتغلب بحنكته على رئيس الولايات المتحدة. وبالتالى أوباما استنفد كل حظوظه في التنصل من الصراع مع ايران التي وصل بها التهاون الى التهديد باغلاق مضيق هرمز والتلويح بالرد النووي على اسرائيل اذا ما انتهكت سيادة الجمهورية الايرانية.
وفي اللحظات الأخيرة تحرك الربيع العربي في تونس وتلاه في مصر ثم ليبيا التي تحولت الثورة فيها الى حرب ثم اليمن وأحداث البحرين ثم الطوفان الجارف في سوريا هذا الربيع أتاح للولايات المتحدة ان تؤدي دورها في الحسم والنفوذ دون ان تتورط في حرب جديدة كما فعلت في كارثة العراق وأفغانستان. وبالتالي تخلص أوباما من عبء الصراع المسلح واستطاع ان يتدارك أداءه الضعيف في السياسة الخارجية مطلع تسلمه للادارة في البيت الأبيض.
وبنفس التوقت والظروف وبينما وصف أداء أوباما بالضعيف والمترنح أمام خصمه العنيد والنشط رومني الذي قدم مشروعاً واضحاً وقوياً لادارة الأزمات الاقتصادية وادارة السياسة الخارجية الأمريكية. تدخل القدر لصالح أوباما مرة أخرى حيث وقبل أيام بسيطة من نهاية الحملة الانتخابية وبينما يواصل رومني جني المكاسب، ضرب الولايات المتحدة اعصار وصف بأنه الأقوى منذ عقود.. الاعصار ساندي قدم أوباما على انه الرئيس القادر على ادارة الأزمة والوقوف مع الأمة الأمريكية في مواجهة الكارثة. في حين أصر رومني على مواصلة حملته الانتخابية الأمر الذي لم يرق للكثير من الأمريكيين. اذن الربيع أنقذ الرئيس أوباما من الصراع في الشرق الأوسط والاعصار أنقذه من الصراع مع الجمهوريين الآن أمامه فصول طويلة وملفات لا تقبل التأجيل. كيف سيؤدي أوباما دوره كرئيس القوى العظمى المهيمنة كيف سينجو من شتاء سوريا وصيف ايران، من المطر في الشرق والرعد في الغرب، كيف سيخرج من فيضان العاطلين في الولايات المتحدة وجفاف الاقتصاد العالمي.
AZP07