الربيع العربي ما يزال ربيعاً

الربيع العربي ما يزال ربيعاً

فاتح عبدالسلام

انتهت سنتان من الربيع العربي في مصر وقبلها تونس وقريباً ليبيا وما تزال سوريا في حريق ودمار لكنّها على أمل الوصول الى ربيعها الذي لن يأتي قبل أنهار من الدماء الزكية. وسوف يأتي من يبرر للنظام استخدام الميغ والسوخوي بعد أن يأتي نظام جديد ثم تتعثر خطوات بدايته . ويذهب كثير من الناس إلى إنه شتاء عربي في أحسن أحواله ومنهم من يصفه بالخريف، وهو يرى تساقط أوراق كثيرة من شجرة أينعت فجأة، وأصابها الجفاف فجأة، لكنها شجرة ليست من النوع الذي يموت سريعاً. أغصان تقطع لكن هناك أغصاناً تنمو، وأوراق تتيبس وتسقط وفي إثرها أوراق خضراء تشتهي المطر والحياة. ليس الأمر وصفاً عاطفياً لما جرى وما يجري، فما حصل هو محاولة للخروج من تكوين إلى تكوين مغاير تماماً، بالمجموعات البشرية نفسها التي تعاملت مع التكوين الأول بقليل أو كثير. وهي مهمة عسيرة وصعبة، لكنّها في النهاية نوع حتمي من التحولات التي لا بدَّ أنْ تمر بها دولنا الراكدة في مستنقعات شتى. المقارنة ليست سيئة على طول الخط كما إنها ليست دليلاً لصحة الأشياء من عدمها دائماً.
في مصر صعد الحزب الأشهر في الوقوع تحت الحظر طوال عقود إلى سدة الحكم، وهو حزب ديني، لكنّه حتى اللحظة يقود مجتمعاً مدنياً ومن المستحيل أنْ يغامر بالاصطدام بكتل بشرية كأمواج البحار في حال شطب ثلثي المجتمع وتطلعاتهم وخياراتهم وحتى هواياتهم ونزواتهم، فالحزب يحكم ضمن دورة الديمقراطية وقد يتجدد له الحكم وقد لا يحصل ذلك، فهو ليس سلطة دينية للبقاء الأبدي في الكرسي كما في إيران مثلاً من دون منافس من تيارات المجتمع. وحال العراق ليس بعيداً عن ذلك.
وفي تونس التجربة تبدأ من تحت الصفر ليس كمصر التي عرفت وجوداً معيناً لصحافة المعارضة وأحزابها في أثناء حكم مبارك. في تونس، الجميع يسعى ليؤسس شيئاً يقيه عصف الناس وينقله بأمان إلى هالة الكرسي، والتعايش السياسي بين حركة النهضة والأحزاب التونسية هو تعايش وجود لا بدَّ منه وليس تعايش اضطرار مؤقت، ذلك إنّ المجتمع التونسي لا يمكن أن يخضع لتقنين حزب ديني مهما كان منفتحاً على سواه.
أمّا ليبيا فقد كانت دولة خارج التاريخ، ولولا تملق الغرب وأمريكا وسهولة ابتزازهم بالنفط والأموال، لما كان وجود لليبيا القذافي في الأمم المتحدة لكنّها بقيت في عضويتها في حينها من باب السخرية المرّة.
الآن، هناك استحقاقات ثقيلة أمام الليبيين وهم يتجهون إلى إكمال عامهم الثاني من التغيير. وبرغم كلّ شيء فإنَّ ما حدث من تعكير صفو الخلاص من حاكم مهووس بالنزوات لا يرقى إلى مستوى قتل الربيع الذي تفجّر في صحراء عظيمة.
التحولات الكبرى تحتاج إلى تضحيات كبرى وليس كل شيء يأتي جاهزاً تحمله قوات احتلال غاشمة كما حدث في العراق، قبل أن ينقلب السحر على الساحر هناك.
FASL