الربيعي بين الكتابة والإستذكار

رزاق ابراهيم حسن

بغداد

قبل ان اتعرف شخصيا على القاص  والروائي الكبير عبد الرحمن الربيعي كنت من المتابعين لكتاباته في المجلات اللبنانية، والصحف والمجلات  العراقية، واتذكر ان مجموعته الاولى (السيف والسفنية) قد اثارت الكثير من الاهتمامات النقدية، فقد اطلقت وحفزت الكثير من الاسماء لخوض غمار النقد، ولعل بعض من كتب عنها قد كتب المقالة الاولى والاخيرة في حياته، فيما ظلت هذه المجموعة تتواصل مع النقاد في مراحل متقاربة ومتباعدة عن مرحلة صدورها، ومتواصلة مع كتابات الربيعي اللاحقة ولعل من النادر ان تحظى مجموعة اولى لقاص بمثل ما حظيت به (السيف  والسفينة) من اهتمام، وذلك يشير الى ان الربيعي بدأ مبدعا ومجددا واستمر كذلك في مجمل قصصه ورواياته، اذ يستقطب باستمرار  اهتمام النقاد والقراء ويزداد رصيده من الدراسات والمؤلفات النقدية،ولقد اسهمت في الكتابة عن بعض رواياته وقصصه  ويسعدني ان يتم اختيار احدى دراساتي عنه في كتاب يضم افضل ما كتب عنه من دراسات ومقالات في مرحلة معينة،  وان اكون من المصادر التي تم الرجوع اليها في بعض ما كتب عن الربيعي، خاصة وانني كتبت عنه دراسات ومقالات عديدة يمكن ان تشكل كتابا ، كما انني تناولت بعض قصصه في كتابي (الشخصية  العمالية في القصة العراقية) وكتابي (المدينة في القصة العراقية).

ولقد تطرقت اليه في كتاب (مقاهي بغداد الادبية) باعتباره من الذين جمعوا بين الادب والفن التشكيلي في الثقافة العراقية، وعبروا عن التفاعل بين الادب والفنون المختلفة في الثقافة والكتابة، ولعلي بذلك من الذين تابعوا الربيعي في مرحلة  معينة من مسيرته الابداعية التي حفرت نفسها في الادب العربي الحديث، وكانت وماتزال موضع اهتمام نقاد وباحثين في معظم الاقطار العربية، ذلك ان الربيعي لم ينقطع عن الكتابة وكان اضافة الى نتاجه الابداعي حريصا على الكتابة عن اي نتاج ابداعي متميز.

ومع ان الربيعي يحسب على المقاهي الادبية في الستينيات من القرن الماضي، الا انه كان حريصا على عدم اضاعة الوقت في اللهو والفراغ وكان يحرص على تكريس نفسه لمشاريعه الادبية، وقد استمر على ذلك رغم وجود من يجد في طموحه، واعتداده بنفسه، واندفاعه في التجديد استفزازا ونرجسية.

ولقد التقيت بالربيعي في تونس خلال زيارتي لها، وكان محاطا باصدقاء من ادباء وكتاب تونس في مجالس تقام في فنادق العاصمة،  وكان يقصدني بتواضعه الجم وعراقيته الاصيلة رغم بعد المسافة بين موقع سكنه والفندق الذي اقيم فيه، وعرفت انه يمارس السلوك نفسه مع الكثير من العراقيين الذين يزورون  تونس، وكان يزداد اهتماما بضيوفه العراقيين كلما ازدادات ظروف واوضاع العراق تأزما وسوءا، محاولا  ان يكون في صميم هذه الظروف والاوضاع وان يعكس ذلك في كتاباته، وفي علاقاته بالمجتمع التونسي الذي تميز بحب العراق، والتعامل مع العراقيين بروح عالية من الاخوة والاحترام مهما حصل للسياسة من تغيرات وانتكاسات.

ولدي الكثير من الاستذكارات عن الربيعي العزيز، وللاختصار اقترح ان ننجز بالتعاون معه اكثر من ملف لجريدة الزمان عن دوره في الادب التونسي، وتاثيره فيه ورأي ادباء وكتاب تونس في مسيرته ونتاجه، وان يكون ذلك عملا جديدا خاصا بالزمان، ومقترنا ببلوغرافيا عن كل ما كتب عن الربيعي في تونس.

ولقد خصصت الزمان الكثير من الملفات عن الكثير من الادباء ويستحق الربيعي اكثر من ملف، ونحن نريد ان يكون الملف المخصص له متميزا، وافترض  ان يكون هذا المقترح عند تنفيذه، اول ملف  عن اديب عراقي برؤى ومواقف من خارج بلده، واول ملف يتحدث فيه ادباء  وكتاب هذا البلد عن تاثير هذا الاديب في ادبهم الوطني، واعتقد ان مثل هذا التوجه يحقق للادب العربي الحديث خصوصيته  القومية من خلال الابداع وليس من خلال  السياسة ويؤسس احتراما لكرامة المبدع العربي في اي مكان يحل فيه من الوطن العربي.