الرئيس المصري.. التراجع والتناقض

الرئيس المصري.. التراجع والتناقض
محمود الأزهري
في الأيام القليلة الماضية والتي أعقبتْ تنصيب د. محمد مرسي رئيسا لمصر ظهر ملمح واحد ظهورا، حادا وملحا، وبارزا ولا يمكن إخفاؤه أو تجاوزه، أو التستر عليه أو تغطيته كما لا يمكن لأية جهة أن تقوم بنفيه أو تبريره أو إظهار محاسنه وفوائده وهذا الملمح هو التراجع والتناقض. والتراجع والتناقض صفتان لا تليقان بصورة الرئيس كما هي في المخيلة الشعبية وكما هي في القانون والدستور، فالمخيلة الشعبية ترسم صورة للرئيس القائد والزعيم والبطل والأسطورة التي لا تقهر والمالك لمفاتيح كل شيء في الأرض والذي لا يُردّ أمره على حدود دولته، والقانون يرسم صورة لرئيس يعرف ما هي اختصاصاته، ويدرك حدود صلاحياته ولا يتجاوز حدوده المشروعة ولا يصدر عنه أمر إلا بعد دراسة جادة ومطولة ومستفيضة وهو لا يتدخل في شؤون غيره كما أنه لا يسمح لغيره بالتدخل في شؤونه أو شؤون شعبه الذي اختاره رئيسا للبلاد.
لكن الرئيس د. محمد مرسي ظهرتْ منه أفعال متناقضة، كما أنه أطلق أقوالا وتراجع هو عنها، أو تم نفيها من قبل القائم بمنصب المتحدث الرسمي لرئاسة الجمهورية د. ياسر علي، وهذه بعض الأقوال والأفعال التي تؤكد صفة التراجع والتناقض التي يتميز بها د. محمد مرسي رئيس دولة مصر.
1 ــ ظهر تصريح بأن د. محمد مرسي سيتنازل عن راتبه لصالح مصر وأفعال الخير في مصر وأكّد التصريح د. عصام العريان الذي قال إن قرار التنازل عن الراتب قرار موفق وأرجو أن يتنازل الرئيس عن راتبه لحزب الحرية والعدالة ولكن المتحدث باسم رئاسة الجمهورية نفى ذلك وقال إن الرئيس لم يتنازل عن راتبه حتى الآن وأنا حقيقة لا أريده أن يتنازل عن راتبه فقط أريده ألا يأخذ أكثر منه فقد كنا نرتاب في بعض وزراء مبارك الذين كان يشاع عنهم أنهم يُسلِّمون راتبهم لخزانة الدولة ومنهم د. يوسف والي وزير الزراعة الأسبق وكانت الصورة السائدة لدى الشعب أن الوزير يتنازل عن الفكة لكي يهبر الهبرة الكبيرة التي لا يعرفها أحد.
2 ــ في خطاب د. محمد مرسي الأول نسى أو تجاهل تقديم الشكر للصحفيين والفنانين والمثقفين والكتاب والمبدعين ولكنه في الخطاب الثاني تراجع عن ذلك وشكر كل هؤلاء وأعلن تقديره لهم ودعا رؤساء التحرير وبعض الإعلاميين للقاء خاص معه بعد أن شنوا هجوما ضاريا عليه.
3 ــ في خطاب د. محمد مرسي الأول شكر عددا كبيرا من المحافظات ولكنه نسى أو تناسى القاهرة والجيزة وهما من المحافظات التي لم يحصل فيها د. مرسي على الأغلبية في الانتخابات ولكنه في الخطاب الثاني تراجع عن تجاهله وقدم الشكر والتقدير لمحافظتي القاهرة والجيزة وفي الحقيقة فإن القاهرة لا يمكن لأحد نسيانها فكيف يصح أن ينساها من يعيش فيها ويأكل ويشرب وينام ويظهر في التلفزيون ويحكم مصر من قصورها يعني مسألة نسيان القاهرة هذه مسألة غير موفقة وغير مستساغة وغير دقيقة ولا تناسب منصب رئيس الدولة.
4 ــ أصدر الرئيس د. مرسي قرارا بأن تكون علاوة معاشات العسكريين 10 وبعد هجوم العسكريين المتقاعدين وتأكيدهم أن المعاش حق مكفول لهم وهو عبارة عن أموال اقتطعتها الدولة من رواتبهم مسبقا تراجع عن قراره وجعل زيادة معاشات العسكريين 15 تماما مثل معاشات المدنيين والتي يبدو أنها لم تأت على هوى وزير المالية الذي أدلي بتصريحات تظهر غضبه واستياءه من هذه العلاوة شارحا للرئيس أن هذه الزيادة ستتحملها ميزانية الدولة وستساهم في زيادة العجز في الموازنة وهو ما جعل رئاسة الجمهورية تصدر مذكرة تفسيرية لقرار العلاوة الاجتماعية بأنها 15 وأن الحد الأدنى لمعاش الضمان الاجتماعي 300 جنيه مصري بحسب عدد أفراد الأسرة وجملة بحسب عدد أفراد الأسرة يمكن أن تنسف قرار 15 وتجعله 5 أو 7 ويمكن أن تنسف رقم 300 جنيه لتجعله 150 جنية أو 200 جنيه إنها نفس الطريقة التي كان يتبعها مبارك يأخذ باليمين ما يدفعه بالشمال ويصدر قرارات للاستهلاك المحلي ولكن الموظف البيروقراطي ينسف هذه القرارات ويجعلها كأن لم تكن.
5 ــ في خطاب الرئيس في ميدان التحرير أعلن بوضوح أنه يجب على الجيش أن يعود لثكناته حتى يحفظ حدود مصر ولكنه في خطاباته التالية تراجع عن ذلك وأعلن أنه يجب على الجيش البقاء معنا لحفظ الأمن الداخلي ويأتي هذا التراجع بعد المعركة التي اشترك فيها المجتمع المدني وكل القوي والتيارات السياسية والإخوان والسلفيون لإلغاء قرار وزير العدل الخاص بالضبطية القضائية وبالفعل نجح الجميع في إصدار حكم من محكمة القضاء الإداري بإلغاء قرار وزير العدل ولكن الرئيس مرسي ضرب بكل ذلك عرض الحائط وطلب راجيا من الجيش والمجلس الأعلى للقوات المسلحة أن يبقي لحفظ الأمن الداخلي.
6 ــ هاجم د. محمد مرسي ومعه جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة قضاة مصر وخاصة اللجنة العليا للانتخابات واتهموهم بأنهم قضاة مبارك وهو من عينهم ولوحوا بأنهم سيزورون الانتخابات ولكن د. مرسي تراجع عن ذلك بعد إعلان النتيجة فشكر القضاة وكرمهم ومنحهم أرفع الأوسمة وأعلاها في القصر الجمهوري.
7 ــ هاجم د. محمد مرسي وجماعته وحزبه المجلس الأعلى للقوات المسلحة وأعلن أنه لن يفلت أحد من الحساب ولن تضيع حقوق الشهداء وسوف تكون ثورة عارمة وحقوق الشهداء والثوار والمصابين في رقبتي ولكن بعد أن منح المشير طنطاوي للرئيس مرسي درع القوات المسلحة أصدر الرئيس مرسي قرارا بعمل حفل كبير لتكريم قادة القوات المسلحة وتكريمهم وأثني عليهم وذكر أنه لو كان مدنيا لرد لهم التحية العسكرية بمثلها فهم أبطال وطنيون مخلصون بحسب خطابات الرئيس مرسي بعد أن أصبح رئيسا.
8 ــ في الحفل الذي أقامته رئاسة الجمهورية في جامعة القاهرة أساءتْ مؤسسة الرئاسة إساءة بالغة لشيخ الأزهر ولعلماء الأزهر، الأمر الذي دفع شيخ الأزهر للانسحاب من الاحتفالية وعدم حضورها وهو أمر مقصود تماما من قبل الشلة المرافقة للرئيس مرسي وهو أمر يصب في خطه وضعها الإخوان لتقليص دور الأزهر والسيطرة عليه واستبدال شيوخه وعلمائه بأعضاء التنظيم الإخواني ممن يتمسحون بالأزهر ويلبسون عباءته وهم فارغون من العلم الشرعي الحقيقي ولا يدركون عظمة علماء الأزهر والتي تظهر في تخليهم عن السلطة وقذارة الباحثين عن المناصب والمتمسحين بجوخ السلطان، وقد أخطأت مؤسسة الرئاسة في حساباتها فقد ظنت أن ذلك ربما يؤثر سلبا في الأمام الأكبر د. الطيب غير مدركة لمكانه ولا لمكانته فمكثت أياما متجاهلة للموضوع ولكن الرئيس د. محمد مرسي بعد خمسة أيام تراجع واتصل بشيخ الأزهر واعتذر له موضحا أن ذلك أمر غير مقصود وأنه يحب الأزهر ويقدر له مكانته وأنا أتفق مع الرئيس مرسي فكلنا نحب الأزهر وكلنا نقدر مكانته ولكني أختلف معه في أن تلك الإساءة كانت غير مقصودة.
9 ــ طلب د. محمد مرسي من قضاة المحكمة الدستورية العليا عدم إذاعة حلفه لليمين على الهواء مباشرة يعني هو موافق أن يقسم في صمت وبعيدا عن الإعلام لإيهام الناس أنه أقسم فقط في ميدان التحرير هل هذا شروع في خداع الشعب ــ ولكن ثلاثة من القضاة أصروا على وجوب إذاعة القسم عبر التلفيزيون الحكومي والرسمي فتراجع د. مرسي وأقسم أمام المحكمة على الهواء المباشر والبث الحي هذا ما ذكرته التقارير الصحفية وما أكدته وقائع إذاعة القسم فحين بدأتْ القناة الأولى في بث وقائع القسم انقطعتْ الصورة من داخل المحكمة فجأة وقال المذيع خيري حسن نعتذر عن هذا العطل بسبب انقطاع التيار الكهربائي وكان واضحا أن أمرا ما يدور في الكواليس ولا علاقة للتيار الكهربائي به إلا أن التيار الكهربائي الذي نظلمه كثيرا في مصر سرعان ما عاد لنرى الرئيس وهو يقسم اليمين الدستورية أمام المحكمة الدستورية طبقا للإعلان الدستوري المكمل.
10 ــ في خطاب د. محمد مرسي قال نحن لا نصدر الثورة وكرر هذه الجملة التي لا يمكن أن تصدر من ثائر حقيقي وتكرار الرئيس لهذه الجملة يؤكد أنه لا علاقة بينه وبين الثورة، في الوقت الذي يحاول الإعلام الإخواني أن يظهره عل أساس أنه الرئيس الممثل للثورة ومفجرها وعلى كل فإن الرئيس مرسي رجع سريعا عن جملته الرهيبة تلك في نفس الخطاب وأكد أنه يدعم ثورة سوريا ويدعم الشعب السوري فظهر التناقض واضحا بين عدم تصدير الثورة وبين دعم ثورة سوريا وإذا كان لنا الحق في دعم ثورة سوريا فلماذا لا ندعم ثورة السودان وثورات الخليج إن وجدتْ؟
11 ــ ظهرتْ أخبار في الصحافة مفادها أن الرئيس المصري أهدى قلادة لراشد الغنوشي زعيم أو رئيس حزب النهضة التونسي وأن الرئيس مرسي لم يجد وقتا فأرسل ابنه وفلذة كبده ليسلم الغنوشي الهدية في المطار وقد كتب موقع النهضة التونسي مؤكدا هذا الخبر إلا أن المتحدث باسم رئاسة الجمهورية نفى ذلك تماما الأمر الذي دفع ابن الرئيس الذي ظهر على ساحة الأحداث بعد يومين من تولي والده الرئاسة إلى أن ينفى ذلك تماما رغم طول المشوار للمطار وزحمة الطريق ولا ننسى أن أبناء مبارك لم يظهروا على ساحة الأحداث إلا بعد خمس عشرة عاما من تولي والدهم مبارك الرئاسة الأمر الذي أجبر موقع النهضة التونسي على الاعتذار عن خبر القلادة وقال إنه نشر بطريق الخطأ ولنا أن نسأل ما معنى هذه الهدية وما قيمتها إذا كانت سرية؟ وهل هي هدية من دولة لدولة أم هي هدية من المال الخاص لشخص لتذهب إلى الجيب الخاص لشخص آخر؟ ففي بعض الصحف ذكر الغنوشي أن الهدية بها خصوصية ما ولذلك لا يستطيع الحديث عنها. يحدث هذا في مصر وتونس بعد الثورة.
12 ــ في خطاب الرئيس د. محمد مرسي في ميدان التحرير وعد بالإفراج عن كل المعتقلين السياسيين ولكنه تراجع عن ذلك وقال لقد سألنا عن المعتقلين فقيل لنا إن أكثرهم بلطجية وبعد أن هاجمه الثوار تراجع عن التراجع وأمر بتشكيل لجنة لفحص ملفات المعتقلين سياسيا الأمر الذي دفع شباب الفيس بوك لتمرير جملة تقول مبارك حين تولى الحكم أصدر قرارا بالعفو عن المعتقلين سياسيا والثورة حين قامت أصدر الجيش قرارا بالعفو عن المعتقلين سياسيا ومعظمهم من الإخوان والإسلاميين وحين تولى الإخوان الحكم أمر مرسي بتشكيل لجنة لفحص ملفات المعتقلين سياسيا ودراسة مسألة العفو عنهم كل على حدة .
13 ــ أعلن الرئيس مرسي في خطابه في ميدان التحرير أنه سيسعى للإفراج عن د. عمر عبد الرحمن ولكن يبدو أن ذلك أغضب أمريكا فصرحت كلينتون أن عمر عبد الرحمن محبوس بناء على إجراءات قانونية صحيحة وموثقة فتراجع الرئيس عن ذلك وصرح المتحدث الرسمي لرئاسة الجمهورية بأن الرئيس مرسي يقصد من حديثه عن الشيخ عمر الناحية الإنسانية ولا يقصد الناحية القانونية.
14 ــ أعلن د. مرسي أن بابه مفتوح لكل المواطنين ثم ظهر أن بابه مزدحم وأسواره عالية ولكن وبسبب كثرة الضغوط تراجع الرئيس وأعلن تشكيل ديوان للمظالم يكون بعيدا عن بابه وربما شباكه أيضا.
15 ــ أعلن د. محمد مرسي في خطابه أنه سوف تعود المجالس المنتخبة وحين بيّنَ القضاة والمحامون والمفكرون أن هذه العبارة معناها إهدار دولة القانون وعدم احترام القضاء تراجع الرئيس مرسي وصرح المتحدث باسمه أن المقصود من كلام الرئيس هو البحث عن شكل قانوني لعودة المجالس المنتحبة فإذا لم نجد وسيلة قانونية فإنه سوف تُجْري انتخابات جديدة.
16 ــ كان الخطاب السائد لدى الإخوان ود. محمد مرسي والموقف المعلن لهم يصب في عدم الاعتراف بالإعلان الدستوري المكمل ولكن الرئيس تراجع عن هذا الموقف وعمل بمقتضى الإعلان وأقسم أمام المحكمة الدستورية وقدّم الشكر والعرفان لقادة المجلس العسكري وقبِلَ تكريمهم له وأعلن أنه بصدد عمل حفل كبير لتكريم قادة الجيش ردا على تكريم الجيش للرئيس ولا يصح أن يؤمن د. مرسي ببعض مواد الإعلان الدستوري المكمل ويكفر ببعض. وهناك الكثير والكثير من الأقوال والأفعال التي صدرتْ من د. محمد مرسي ثم تراجع عنها أو ظهر ما يناقضها ويمكن أن نضيف إلى ما سبق ما يخص برقية السفاح بشار وتكليف أشخاص لرئاسة الحكومة الجديدة والاتصال أو عدم الاتصال بالكيان الصهيوني وعدم الانسحاب من ميدان التحرير ثم انسحاب الإخوان منه بالفعل مع بقاء أعداد قليلة ذرا للثورة في العيون والتصريح بعدم وجود شيء اسمه هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع ثبوت وجود جرائم في الشارع المصري من المفترض أن يكون لهذه الجرائم أصحاب ما زالوا مجهولين وثبوت وجود صفحة لهيئة الأمر بالمعروف من المفترض أن لهذه الصفحة أصحاب ولكنهم ما زالوا مجهولين.
إنني أخشى أن تزداد الأعباء والمهام الصعبة على كاهل الرجل الطيب د. محمد مرسي فيتراجع عن قبوله لمنصب رئيس الجمهورية.
/7/2012 Issue 4253 – Date 17 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4253 التاريخ 17»7»2012
AZP07