الذكرى 11 لغزو البلد

الذكرى 11 لغزو البلد

عمليات الحرب الجوية على العراق

 صبحي ناظـم توفـيق

مناسبة إنقضاء (11) عاماً على غزو العراق وإنهيار نظام حكمه وإحتلاله، لا بدّ أن نستذكر بعضاّ من وقائع الحرب الأمريكية – البريطانية التي شُنّت على العراق وطالت ثلاثة أسابيع (20/3-9/4/2003)، والأسباب الكامنة وراء ذلك النصر العسكري السريع وغيرالمُستغرَب، وذلك بعد أن تكشّفت أموره وتوضّحت أحداثه من خلال معايشتنا الميدانية -في حينه- لتفاصيله المُؤلمة على شخوصنا ووطننا الحبيب، ومستندين على الخبرة العسكرية المتوفرة لدينا مُسبقاً واليوميات التي سجّلناها في ساعاتها الساخنة والتحليلات الإستراتيجية التي خضناها أو تلك التي توصّلنا إليها في البعض من المحافل العلمية والعديد من المؤتمرات والندوات والمحاضرات، فكانت “العمليات الجوية” على رأس قائمة أسباب النصر الحليف.

فـ”الحرب الجوية”- إن صحّ التعبير- لم تكن متكافئة بالمرة بين أولئك الغزاة -الذين كانوا قد صمّموا طيرانهم لمجابهة الإتحاد السوفييتي وقوات منظمة حلف”وارشو” في أوجّ عظمتهما- وبين العراق الذي هرّأ حصار (13) سنة متواصلة أوصال قواته المسلّحة التي لم تكن حتى في أوجّ عظمتها مصمّمة سوى لخوض حرب إقليمية ليس إلاّ.. فالعمليات الجوية الحليفة هي التي قصمت ظهر القوات العراقية المدافعة عن وطنها وهي بالذات مهّدت لذلك التوغّل السريع للقوات المتحالفة وصولاً إلى إحتلال الهدف الإستراتيجي “بغداد” من دون صعوبات تذكر… وأمام القارئ الكريم نستعرض تلخيصاً للمجريات:-

أولاً. قبل إندلاع الحرب بأسابيع عديدة، كانت القيادة العامة للقوات المسلحة العراقية قد إتّخذت – بعد مناقشات مسهبة- قراراً بعدم زجّ ما تبقى من الطيران العراقي في أتونها بشكل مطلق، فأصدرت أوامرها بإخلاء جميع القواعد الجوية بالمنطقة الوسطى من الوطن والتي لم تكن مشمولة بحظر الطيران الذي فرضه المتحالفون فور إنتهاء حرب الخليج الثانية(1991) على بقاع العراق الشمالية والجنوبية، وقررت إخفاء الطائرات بأنواعها كافة بين الأحراش والأدغال والبساتين، بل وحتى طمرها تحت الرمال، من دون إستثناء.. ما كان إيذاناً مُسبقاً لطيران التحالف أن تستفرد بالعراق في سمائه وأرضه ومياهه وجيشه المنتشر للدفاع في عموم بقاعه ومن دون أن يكون هناك ادنى إحتمال أن تواجهه أخطار مؤثّرة، وأن “السيادة الجوية المطلقة” قد قـُدّمت بين يدي التحالف على طبق من فضة وأمست تحصيل حاصل في أجواء العراق جميعاً.

ثانياً. بعد ذلك القرار وجدت المقاومات الأرضية العراقية المضادّة للجو نفسها يتيمة في مواجهة الطيران الحليف المعروف بقدراته، تلك المقاومات التي لم تكن على مقدرة -وفقاً لتصاميمها من حيث الأساس- على إيصال مقذوفاتها وإطلاقاتها إلى طائرات الخصم التي كانت تحلّق خارج مديات الأسلحة العراقية مُتحذّرة من أسوأ الإحتمالات.

ثالثاً. كانت الطائرات الأمريكية على وجه الخصوص من المقاتلات / هجوم أرضي (FIGHTER   –  GROUND ATTACK) المُحمّلة  بقنابل ذكية (SMART BOMBS ) تبلغ مدياتها بضع عشرات من الكيلومترات، والقاصفات (BOMBERS) المزوّدة بمقذوفات “كروز” والتي تصل إلى أهدافها بدقة متناهية وعلى بُعد يبلغ (1800) كيلومتر، ولا تخطأ في إصابتها إلاّ بنسبة لا تتجاوز (1 بالمئة).

رابعاً. لم تمرّ العمليات الجوية في الحرب على العراق بالمراحل المعروفة والمُسطّرة في المحاضرات والكتب العسكرية ذات الإختصاص، والتي تتسلسل بدءاً من مرحلة الحصول على الفائقية الجوية أوالسيادة الجوية المطلقة، وذلك لأنهما قد تحقّقتا عملياً وميدانياً إثر القرار العراقي الآنف ذكره.. ولذلك تداخل مسار العمليات الجوية بين قصف مقذوفاتي (صاروخي) على مجمّعات القصور الرئاسية ومقرات القيادات العليا والقواعدالجوية وقواطع الدفاع الجوي أينما وُجدت في أرض العراق، مصحوباً بقصفات جوية نفّذتها طائرات متنوعة الأغراض والطُرُز والأنواع، تُطلق قنابل مُحمولة على أشعة “ليزر” إبتغاء تدمير نقاط محدّدة تحتويها تلك الأهداف الكبيرة، رافقها قصف جوي ثقيل على قيادات الجيش العراقي عموماً ومقرات الحرس الجمهوري وتشكيلاته الكبرى على وجه الخصوص.

خامساً. وكان دور القاصفات العملاقة في القصف الجويّ بقنابل شديدة الإنفجار، بدءاً من ذوات الوزن الخفيف التي تنهمر بالمئات على المواضع الدفاعية المُتخندقة فيها القطعات المدرعة والمشاة والمدفعية وأسلحة مقاومة الطائرات الحائرة في أمرها، ووصولاً إلى قنابل ذات أوزان بلغت في بعضها (9) أطنان صمّمت خصّيصاً وجُرّبت للمرة الأولى على رؤوس العراقيين في هذه الحرب الضروس، وأُلقيت على مواضع تشكيلات الحرس الجمهوري ووحداته المحيطة ببغداد، وخصوصاً تلك التي كانت مُتهيّئة – ضمن الخطة الدفاعية العامة- للقيام المُفترض بهجمات مقابلة على القوات المتحالفة المُعترضة.

سادساً. وأتى الدور على (الإسناد الجوي القريب) من إرتفاعات منخفضة، وذلك بإستخدام طائرات الهجوم الأرضي ومقاتلة الدروع ومعظم الهليكوبترات المصممة لدعم تقدّم القطعات الأرضية وعملياتها الهجومية، أو لتسهيل المهمّات المُكلّفة بها وحدات القوات الخاصة لإقتحامات محددة تجاه أهداف معيّنة داخل المدن، فجاء القصف الدقيق والمركّز على قطعات الحرس الجمهوري و”وحدات فدائيّو صدّام” التي تواجدت على المحاور التي إتّبعتها القوات الأمريكية لدى توجّهها صوب “بغداد”، ونخصّ منها بالذكر تلك المتمركزة على محور”المسيّب- اللطيفية” في توغّلها نحو”مجمّع قصور الرضوانية” الرئاسي، وقبل أن تستهدف “مطار صدّام الدولي” في مطلع الأسبوع الثالث والأخير من الحرب.

سابعاً. وكان الأداء النهائي مخصّصاً لطائرات مقاتلة الدروع (A-10) في سماء “بغداد” لتُسند المتوغّلين في بعض أحيائها بأسلوب أكثر قُرباً وأعظم دقّة وبتوجيه نيران مباشرة نحو مواقع “الحرس الخاص” ودباباته ومدرعاته وعجلاته المحمّلة بالرشاشات الثقيلة وأسلحة أخرى متنوعة كانت منتشرة حواليّ الأهداف الحسّاسة والمواقع الرئاسية وتلك المساكن التي إتّخذتها القيادة العراقية مواقع بديلة لمقراتها الأساسية, وذلك في المرحلة الأخيرة من إقتحام الأمريكيين لأواسط العاصمة.     لكل ما أوردناه من مشاهد عايشناها بأم عينينا وحقائق تلمّسناها بأنفسنا، فقد رأينا أن المحاور – الرئيسة منها والثانوية- المؤدّية إلى “بغداد” أمست مفروشة بأبدان الدبابات والمدرعات والمدافع العراقية المتروكة وأجزاء متناثرة من بقايا الأسلحة الثقيلة للحرس الجمهوري والبعض من وحدات الجيش العراقي، وذلك ما تسبّب في محدوديّة المقاومة العسكرية العراقية، بل وحتى إنعدامها في أكثر من محور ذي أهمية… ولذلك كلّه يجب أن لا يستغرب القارئ العزيز من كل ما جرى في هذه الحرب التي لم تدم سوى (21) يوماً حتى إنهار النظام الصدامي وبات في “خبر كان” وأضحى جزءاً من ماضي العراق وتأريخه المعاصر.

{ عميد ركن متقاعد، دكتوراه في التأريخ العسكري العربيّ-الإسلامي، كاتب، مؤرخ، خبير إستراتيجي بمركز الدراسات الدولية/جامعة بغداد سابقاً.

مشاركة