
الدولة ليست مشروعاً أستثمارياً – سالم كزار موسى
رجل الأعمال لا يصلح لإدارة أزمة سياسية أو اقتصادية في بلد مأزوم، لأن من أعتاد أن يرى العالم من خلف موازين الربح والخسارة لا يستطيع أن يفهم منطق الدولة، ولا أن يشعر بآلام الناس. السياسة ليست صفقة تجارية، والاقتصاد الوطني ليس شركة تدار بقرارات فردية، بل منظومة معقدة من المصالح الوطنية والخيارات العامة التي تحتاج إلى وعي سياسي وضمير حي وشعور بالمسؤولية تجاه الفقراء والمهمشين.
رجل الأعمال في السلطة عادة ما يخلط بين منطق السوق ومنطق الحكم. ففي السوق يكافأ من يحقق الأرباح حتى لو على حساب الآخرين، أما في الحكم فألمعيار الحقيقي هو العدالة، والقدرة على حماية الناس وإنقاذ الاقتصاد من أجل الشعب لا المستثمرين. وحين تدار الدولة بعقلية التاجر، تتحول القرارات إلى صفقات، والمشروعات إلى غنائم، والتنمية إلى شعارات جوفاء. يرتفع الكلام عن الأرقام بينما تغيب العدالة وتختنق الطبقات الضعيفة تحت وطأة الجشع والفساد. رجل الأعمال الذي يصل إلى السلطة دون مشروع وطني يتحول إلى عبء على الدولة، لا منقذاً لها. يخصخص المؤسسات، ويفتح الأبواب أمام الفساد المقنن بأسم الاستثمار، ويمتص ما تبقى من موارد البلاد وهو يتحدث عن الإصلاح الاقتصادي. هذا النوع من القادة لا يدرك أن السياسة ليست حسابات مالية، بل إدارة للأزمات وبناء للثقة والكرامة. وحين يحكم رجل الأعمال، تختزل الوطنية في الشعارات، وتختزل العدالة في الأرقام، ويختزل المواطن في خانة المستهلك. يتحول الوطن إلى شركة ضخمة خاسرة، يديرها رجل ناجح في التجارة لكنه فاشل في السياسة، غائب عن معاناة الفقراء، وعديم الإحساس بما يعنيه الجوع والانكسار. أخطر ما يمكن أن يصيب الأوطان أن تتحول إلى أسواق مفتوحة بلا روح، تدار بعقلية رجال المال الذين يرون في البلاد مجرد فرصة أستثمارية. فحين يتصدر التاجر المشهد السياسي، تموت المبادئ وتشترى الذمم، ويختزل القرار الوطني في لغة الصفقات والمنافع. الوطن لا يدار بآلة حاسبة، بل بضمير حي وإحساس صادق بمعاناة الناس. التاريخ لا يرحم أولئك الذين حولوا الدولة إلى شركة، والشعب إلى زبائن، والكرامة إلى بند في الموازنة. فإدارة الأوطان تحتاج إلى رجال دولة، لا إلى رجال أعمال. إلى من يؤمنون بأن الوطن قيمة لا تشترى، ومصير لا يباع، ومستقبل لا يقاس بالأرباح.وحين يحكم المال السياسة، تضيع العدالة، وحين يحكم الجشع القرار، تنهار الدول مهما كانت غنية بالمال، وفقيرة بالضمير.


















