الدولة العميقة

الدولة العميقة

تضبط قائمة الأصدقاء و الأعداء و تصيغ عقيدة الدولة سياسيا و اقتصاديا و ثقافيا بعيدا عن المؤسسات و الديناميكيات الرسمية لأن القوانين و التشريعات تعتبر عوامل معطلة لمن يعيشون في الزمن الحقيقي للصراع. الدولة العميقة منعدمة الانسانية اذ لا تخضع حساباتها لأي اعتبارات اخلاقية بل تتعامل مع الواقع ببرودة وفق قاعدة مقدسة : الأقلية دائما تتحكم في الأغلبية و تحالف الأقليات (ليس بالمفهوم العرقي) العابر للقارات يُشكل في شكله الهرمي النموذج الأمثل لتسيير عالم متعقد و متشابك لو تُترك فيه الجماهير و الحشود دون رقابة سيسقط في فوضى عارمة.

حرب الدولة العميقة الابدية هي ضد تحرر الانسان من السجن الذهني الذي وضعته فيه بإستعمار وجدانه عن طريق وسائل الاعلام والدين المفبرك و مختلف وسائل التأثير النفسي و أي تغيير لا يطال هذه النواة الصلبة مجرد ضحك على الذقون.

هذه المعركة الفكرية تتطلب إمكانيات ذهنية و استعدادات نفسية و طاقات بشرية من طراز رفيع جدا جدا. كما يرتبط احتمال نجاحها من فشلها بتزامنها مع معطيات جيوسياسية عالمية مواتية. بتعبير آخر هي مشروع فكري انغماسي بكل المقاييس البشرية مثله مثل كل المشاريع المعادية للهيمنة لكن كل حرب تحتاج الى طلائع إنغماسيين وبهذه المرة انغماس فكري

لا يجب من جهة اخرى ان نوهم أنفسنا ان نموذج الدولة العميقة سيندثر مع تدمير نواتها بل سيعيد على الأرجح الفريق المنتصر تشكيلها و ذلك من طبيعة هندسة السلطة الباطنية منذ ان بدأت المجتمعات في تنظيم شؤونها السياسية. المحك هو ان يُعاد النظر في وظيفتها و في وضعيتها الخارجة عن القانون و منحها سعة من هامش التحرك لكن في إطار الرقابة الشعبية لمن هم أهل لهذه المهمة و منع تغولها او تحولها الى بديل عن الإرادة الشعبية. تحرير الدولة من الدولة العميقة الحالية من اولوية الاولويات لقطع دابر الاختراقات و سد الثغرات كبداية لإسترجاع السيادة الوطنية.  هل من الضروري ان يشترك الشعب في هذه المعركة من اجل الوطن ليس ضروريا بشكل مباشر لأنها غالبا ما تكون وراء حجاب لكن رفع مستويات الوعي في المجتمع و التحلي باليقظة و القراءة الصحيحة للمشهد كل تلك العوامل تساعد حتما في توفير شروط نجاحها.الثورة العلميه ستفرض نفسها كحتمية تاريخية اذا فشلت كل المساعي الأخرى…..؟

حسين خريبط

مشاركة