الدوائر الإنتخابية بين النظرية والتطبيق القانوني – حيدر عباس عبد

الدوائر الإنتخابية بين النظرية والتطبيق القانوني – حيدر عباس عبد

مما لا شك فيه ان تشـريع قانون انتخابي هو احد اهم المطالب السياسية والاجتماعية في ظل المرحلة الحرجة حالياً من تأريخ العراق الحديث ، حيث سبق وان اصدرت عدة قوانين تخص انتخابات مجلس النواب العراقي آخرها قانون رقم 45 لسنة 2013 وتعديلاته ، إذ يعتبر هذا القانون بتطبيقه نظام سانت ليغو من المساويء التي ساهمت في الركود السياسي وحفاظ الكتل والاحزاب المتنفذة في السلطة على وجودها في العملية السياسية ، ونتيجة الضغوط الجماهيرية للمتظاهرين المطالبين بالعدالة والمساواة والحرية والحياة الكريمة كانت احد اهم المطالب الاساسية هي تشـريع او تعديل القانون اعلاه بما يضمن الحقوق والتغيير والاصلاح السياسي والعمل بمنظومة تخدم مصلحة المواطن والابتعاد عن الرتابة وهيمنة الاحزاب والفساد والسيطرة على موارد البلد .

وبعد مخاضٍ طويل وجلساتٍ متواصلة تم تشـريع قانون رقم 9لسنة 2020 والتصويت عليه بشكل كامل لجميع المواد والفقرات المنصوص عليها في الجلسة رقم 18 ليوم الخميس المصادف 29/10/2020 وتمت المصادقة عليه من قبل رئيس الجمهورية بعد اسبوع واحد يوم الخميس المصادف 5/11/2020 وبعدها تم نشـره بالجريدة الرسمية . اذاً أقر القانون مطلقاً تحت كم هائل من ضغط الشارع العراقي الثائر وما بين مؤيدٍ له ومعارض عليه اثار الجدل والنقاش الحاد من قبل بعض الاحزاب السياسية لعديد من مواده وفقراته وآلية العمل والامور الفنية وهذا ماتجلى واضحاً بخصوص المادة 15 منه والمعنية بالدوائر الانتخابية المتعددة وكيفية الترشيح واحتساب عدد الاصوات وترتيب المرشحين ونسبة تمثيل النساء وايضاً لاننسـى المحور المهم وهو الحدود الادارية للمناطق ونسبة الكثافة السكانية لها حيث ان اخر احصائية للتعداد السكاني وحسب اخر تصـريح للمتحدث الرسمي لوزارة التخطيط بلغت 40 مليون و 150 الف نسمة بواقع 50,5  بالمئة  رجال و 49,5 نساء من المجموع الكلي للسكان .

وان العدد الاجمالي للناخبين المسموح لهم بعملية الانتخاب بلغ 25 مليون بعد احتساب المواليد الجديدة والتي كانت اكثر من 2 مليون ناخب واوضحت المفوضية العليا للانتخابات بأن نسبة المسجلين بايومترياً وصل الى 61 بالمئة  أي ما يقارب 15 مليون ناخب .

ولأهمية هذا الموضوع سنعرج على مفهوم الدوائر الانتخابية وطرق تقسيمها وتوزيعها وعدد المقاعد ونسبة تمثيل كوتا النساء .

الدائرة الانتخابية : هي كل منطقة محددة خصص لها عدد من المقاعد . فعملية تقسيم الدوائر بشكل عادل يعد ركيزة اساسية في العملية الانتخابية لضمان حق التصويت واختيار من يمثل الناخب داخل البرلمان ، وبالرغم من المطالبات بتقليص عدد اعضاء المجلس من الوسط الجماهيري لم يتضمن القانون اعلاه هذا الامر بالعكس منه نصت المادة 13-اولاً  يتكون مجلس النواب من 329 مقعداً … اي ما يمثل نسبة مقعد واحد لكل 100?000 الف مواطن .

نظام انتخابي

لقد نصت المادة 15-اولاً من الفصل الخامس – النظام الانتخابي  تقسم الدوائر الانتخابية المتعددة في المحافظة الواحدة  بأعتبار ان هنالك عدة دوائر انتخابية في المحافظة الواحدة مما تم تقسيم البلد الى 83 دائرة انتخابية موزعة على 18 محافظة ، فمثلاً محافظة بغداد فيها 17 دائرة انتخابية تقسم 10 دوائر انتخابية جهة الرصافة و 7 دوائر انتخابية جهة الكرخ بالاعتماد على الكثافة والتوزيع السكاني تحدد بنسبة 69 مقعداً انتخابي ممثلين عن محافظة بغداد منها 17 مقعد للنساء كوتا وهو مانصت عليه المادة 16-اولا تكون نسبة النساء بما لايقل عن 25 بالمئة  من عدد اعضاء مجلس النواب ، وقد تم تقسيم الدوائر وفقاً لمراكز التموين اذا يتم جمعها مع  عدد من المناطق الجغرافية المتجاورة وتمنح ما بين 3-5 مقاعد وفقاً للكثافة السكانية لهذه المراكز . اما المادة 15-ثانياً  يكون الترشيح فردياً ضمن الدائرة الانتخابية  فلكل مرشح حق الترشيح ضمن دائرته الانتخابية مشروطاً بأن يكون من ابناء تلك المحافظة او مقيماً فيها وان اهم ماتم اقراره الفقرة ثالثاً من المادة اعلاه يعاد ترتيب المرشحين في الدائرة الانتخابية وفقاً لعدد الاصوات التي حصل عليها كل منهم ويعد فائزاً من حصل على اعلى الاصوات وفق نظام الفائز الاول وهكذا بالنسبة للمرشحين المتبقين  ، يتضح من المادة اعلاه بمجمل فقراتها انها عالجت لحد كبير الكثير من الاشكاليات والمعوقات التي رافقت القانون السابق بأعتبار المرشح الحاصل على اعلى عدد من الاصوات هو الفائز الاول والحاصل على مقعد انتخابي وهكذا للثاني والثالث والمرأة التي تحصل على اعلى اصوات لبقية النساء الاخريات هي الفائزة بغض النظر عن من يقابلها باصوات اعلى منها من الرجال .

تعددت وجهات النظر والطروحات بجعل كل محافظة دائرة انتخابية واحدة والتصويت فردي مع احتساب الفائز الاول باعلى الاصوات . فما بين مطالب لتعدد الدوائر ومعارض لها هنالك امكانية كبيرة بتعديل مواد وفقرات القانون الجديد للانتخابات عن طريق المادة 135 من النظام الداخلي لمجلس النواب والتي تنص على  اذا قرر المجلس حكماً في احدى المواد من شأنه اجراء تعديل في مادة سبق ان وافق عليها …  وكما هو معروف لدينا ان جميع القوانين والقرارات الصادرة تأتي عن طريق التوافق السياسي مابين الكتل الحزبية . فالدائرة كلما كان حجمها صغير زاد التنافس فيها من قبل المرشحين سواء كانوا مستقلين او ممثلي الاحزاب وايضاً الاحزاب الجديدة فالتحالفات السياسية غير مجدية بشكل كبير ومؤثر بسبب الترشح الفردي والتمثيل ليس نسبياً فلايخدم جمع الاصوات شيئاً اما في حال ان يكون الحزب منظم بدرجة عالية من التنسيق سيكون هو صاحب المقدمة .

ايجابيات وسلبيات

وفي هذا المجال لابد من الاشارة الى تشخيص ايجابيات وسلبيات هذا الموضوع فنلاحظ ان ايجابياته تكون بقلة الانفاق المالي للدعاية الانتخابية للمرشح المستقل او مرشح الاحزاب ، تمثيل اكبر من المرشحين المستقلين والكفاءات ، المرشح سيكون معروف للناخبين بحدود دائرته الانتخابية ومدى مقبوليته من كفاءة ونزاهة ، سهولة العملية الرقابية ، السرعة باعلان النتائج ، سهولة اعداد ورقة الاقتراع، احترام ارادة الناخب .اما عن السلبيات فلها مدلولات اخرى حيث امكانية ان يكون الانتخاب مفاضلة على اساس الاعتبارات الشخصية وخصوصاً تاثير النفوذ العشائري ، انشغال العضو الفائز بمشاكل دائرته الانتخابية المتراكمة عوضاً عن مهامه الوطنية بالتشريعات واصدار القرارات الهامة للدولة ، امكانية صعوبة تشكيل الحكومة ، تسخير المال السياسي لكسب الاصوات. وخلاصة القول في رأي المراقب القانوني والسياسي ان هذه الافكار المطروحة هي مجرد رُأى وعند التطبيق سوف تتجلى الحقيقة ولكل حادثٍ حديث .

مشاركة