أذن وعين
الدبلوماسية العراقية ليست بخير – عبد اللطيف السعدون
لعلها مجرد مصادفة، لكنها مصادفة مثيرة للتأمل، أن يصل القائم بأعمال سفارة الولايات المتحدة في بغداد بنفس الوقت الذي يصادق فيه البرلمان العراقي على تسمية أكثر من 80 سفيرا للعمل في البعثات الدبلوماسية في الخارج، ولعله مجرد فضول أن نطلع أولا على سيرة الدبلوماسي الأميركي الذي بدأ في اليوم التالي لوصوله سلسلة من لقاءات التعارف والعمل مع كبار المسؤولين العراقيين، وان نتعرف إلى مؤهلاته التي وضعته في موقعه الجديد قبل أن نعرج لمعرفة مؤهلات من سيشغلون المواقع الأولى في سفاراتنا، مع أننا ندرك مقدما أن لا وجه للمقارنة لكنها المقارنة التي تستدعي الضحك الذي يشبه البكاء!
جوش هاريس القائم بالأعمال الأميركي يحمل شهادة عليا في اختصاص الخدمة الخارجية من جامعة جورج تاون، وأخرى مثلها من جامعة لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، ويتقن العربية والفرنسية والإيطالية والبولندية والسلوفينية إلى جانب لغته الأم طبعا الإنجليزية، وسبق له أن عمل في سفارات بلاده في العراق وليبيا وتونس وسلوفينيا وكرواتيا قبل أن يتقلد منصب نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون شمال أفريقيا، ثم مسؤول ملف العراق في مجلس الأمن القومي إلى جانب ملفات دول المغرب العربي، ويعتبر هاريس واحدا من بين الدبلوماسيين الأميركيين الأكثر خبرة في شؤون الشرق الأوسط.
مع كل هذه الخبرات العريضة لم تشأ واشنطن أن تسميه سفيرا، بل اكتفت بتعيينه قائما بأعمال السفارة ربما الى ان تكتمل خبرته، وتتعمق تجربته كي يكون جديرا بتسمية سفير!
موظف محلي
ولأننا لسنا الولايات المتحدة، ولا نطمح أن نكون مثلها فقد عينا سفراء لنا في عواصم العالم على قد الحال، يكفي أن يكون السفير ابنا لزعيم ميليشياوي، أو زوجا لابنته أو ابنا لأخيه أو سكرتيرا شخصيا لمسؤول كبير، وشهادة الاختصاص غير مهمة، وحتى الدراسة الجامعية، الدراسة الثانوية وحدها كافية، والخبرة غير مطلوبة لأن السفير الجديد سيجد في السفارة موظفا محليا يساعده في عمله، ومعرفة لغة أجنبية ليست ضرورية أيضا لأن مترجم السفارة سيكون جاهزا في أي وقت، وسنوات أربع على كرسي السفير تمنحه من «المال العام» وفرة تقيه من عاديات الدهر مدى العمر، وليأتي بعده سفير آخر، والأيام دول.
ولكي لا نتهم بأننا نطلق الكلام على عواهنه نذكر هنا ببعض غسيل الدبلوماسية العراقية في السنوات العشر الأخيرة، وما حفلت به من أخطاء وخطايا يترفع عن اقترافها أي دبلوماسي صغير في أي من بلاد الله التي تحترم نفسها، وما نقوله موثق في ملفات وزارة الخارجية بتفاصيله.
من بين ذلك ادعاء سفير أسبق للعراق في الأمم المتحدة في سيرة حياته الموجهة للمنظمة الدولية أنه يحمل شهادة الدكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة أميركية، وهو لم يكن كذلك، وسفير في عاصمة أخرى باع بطاقات دعوة خاصة موجهة من القصر إلى السفارة، وفي واقعة ثالثة احتفل السفير بضيوف شخصيين في موقع سياحي، وتعبيرا عن سروره أطلق الرصاص مسببا حالة فزع ورعب لدى السكان القريبين، وفي واقعة رابعة أقام سفير آخر حفلا تكريميا لمطرب عربي في دار السفارة حوى مشاهد هابطة بطلتها زوجة السفير نفسه، وسفير خامس تصرف على نحو مستهجن أمام ملك دولة خليجية، وآخر نقل رسائل من ميليشيات عراقية الى جهة معارضة في الدولة التي يعمل فيها من دون علم حكومته، وقد كشفتها سلطات الأمن في تلك الدولة، وسببت إحراجا للعراق.
وفي كل تلك الحالات لم تقدم وزارة الخارجية على محاسبة هؤلاء السفراء بسبب ارتباطهم بجهات ميليشياوية وأحزاب إسلامية نافذة، واكتفت بإعادتهم الى بغداد، وبعد شهور نسبتهم للعمل سفراء في دول غير التي كانوا يعملون لديها اكراما للجهات التي رشحتهم، ولا نتوقع أن يكون السفراء الجدد أكثر التزاما بأصول العمل الدبلوماسي من أولئك السابقين، بل قد يكونون أكثر عبثا وتخبطا وسوء تصرف، خاصة وهم يجهلون ما على الدبلوماسي أن يفعله، وأيضا ما عليه أن يتجنبه.
ما يعنيه كل هذا أن الدبلوماسية العراقية ليست بخير، ولسوف نسمع في قابل الأيام عن اخفاقات وخسارات في هذا الميدان، كما سنقرأ عن أخطاء وخطايا لن يتردد سفراؤنا الجدد عن اقترافها، وسيظل الحال من بعضه، كما يقول أشقاؤنا المصريون، وسنظل نردد أن ليس في الإمكان أفضل مما كان!