الخيال الباذخ ودلالة اللغة

قصائد الشاعر مهدي الحيدري

الخيال الباذخ ودلالة اللغة

اذا كان الشعراء يختلفون فيما بينهم لغة وعوالم واساليب وحساسيات فأن من الممكن القول بأن الشاعر مهدي الحيدري من الشعراء الذين تعكس نصوصهم مفردات عالم شديد التعبير والدلالة على صاحبها , تحضر قصائده ضمن طقوس وجدانيه واجواء تنتمي الى عالم الروح اكثر من انتمائها الى عالم الواقع الحسي . وفي الحديث عن قصائد الحيدري (الشعبية منها والفصحى) وتجربته يقودنا الى الحديث عن البنية الدلالية لها فهي بنية يغلفها الحزن وتهيمن عليها عناصر المعجم اللفظي الرصين . تنهض قصائده على بنية تعبيرية تلقائية يتحكم فيها منطق الانفعال الآني والتجربة الذاتية راسما صورا واستعارات وانطباعات في ذهن القارئ وتاركا له مساحات واسعة من التأويل والتفسير عبر منظومة الالفاظ والتعابير المشحونة بالطاقة الحسية والشعورية . تتنامى الفكرة في قصائده ككرة الثلج ومتخذة البوح والنجوى والرغبات الحبيسة كأبرز معلم من معالم قصائده , واضافة الى ذلك نجد هناك ثمة حضورا دلاليا للاتجاة الانساني كبنى موضوعية , فقصائده تعج بمناخات متوترة وروح والهه تتفتح على بعضها بنوافذ من التعبير والطرح متحررا من اثار الخطابية والانشاد والسردية والغموض فيكرس مساحة القصيدة للشعر نفسة , ففي مرثيته (الى بيداء) التي اجتزأنا منها هذا المقطع يستطيع القارى ان يتأمل كيف تمسك مخيلة الشاعر بخطوط لوحتة الشعرية وكيف تساعده حواسه المستفزة على تشكيل صوره الشعرية والاستعارية الذي يكشف مهارة الشاعر في الجمع بين الحسي والروحي ويشير الى مقدرتة في استدعاء التفاصيل ووضعها في مكانها الصحيح من السياق لتمنح النص الشعري كينونتة المتكاملة :

هدهن .. لاتحددهن .. تراهن جامحات ودوهنني

طكن للسمه وما هادن الآهات .. ياذني

اعصرهن غصب .. ومسنسلات اجتاف

وكام صوابهن ياكل بعض مني

هدهن .. خل يجمحن .. خل يكتن سيل

بلجي اهجع بليلي وخل يونسني

يستغل الشاعر كل امكانات اللغة الموسيقية والتصويرية والايحائية والوجدانية لكي ينقل الى المتلقي خبرة جديدة ووجودا متميزا وان يوصل تجربته بمنتهى القوة النافذة ففي قصيدة (مناجاة مع الكبير مظفر النواب) نجد الاندفاعية النغمية التي تاتي اليه تلقائيا ودونما انتظار او ترقب او استدعاء وهذا في مفهوم النقد ارتقاء الشعر وخلوهه من الافتعال وبراءتة من التكلف :

عادهن .. جم صفنه مرت

عادهن .. جم ضحكه عدت

ولومهن .. جم شوغه وشجم ونه تتنطر امل

تلكه كل العمر ضايع والبكه شويه وشل

وانته شطك ما وشل

يا نهر فايض بهمك

يا بحر شعرك نبض والزود دمك

ان القصيدة الجيدة تدعوا شاعرها ولا يدعوها وتاتي طيعه حيث القافية غير المحايدة والمندمجة في كيان القصيدة كجزء لا يتجزأ منها سياقا وبنية ومعنى وهذا هو شان شاعرنا في كل ما يكتبه من قصائد. فقصائده نفثات تفترش زوايا الروح معمدة بتراتيل الهمس الصوفي نافحة بخورها في معابد الشعور الانساني ليصف تداعيات الانسان المنكسر المكابر باعثا فيه ارادة التصميم وعنفوانه عبر ضدية الفعل المقاوم فهو يتخذ من التوجع واليأس والتداعي صرخة معبرة ورافضة ومعادلا للمواجهة والاقدام :

كلشي ماظل..

لا حلم يترس العين

ولا نغم بشفاف ترفه .. ولا حنين

هوه راح العمر وتبعثر خساره

منين ما تلتفت محنه

اوين ما تنوي انين

كلشي ماظل ..

عمرك الفرحان اخنكه

وحته صوتك هم اخنكه

ودوك كطعهه الادين

الشاعر الحيدري نجح مع افراد من جيله السبعيني في اكتشاف مواهب النص والوجه الاخر والمشرق للقصيدة الجديدة المحملة بمعطيات العصر ودلالته من خلال لغة اشارية لا تحتفي بالغامض ولا تطلب الوضوح المباشر في آن واحد، وهذا هو سر توازنها الذي انعكس على تجربة الشاعر عبر تطور اساليبه الشعرية في قصائده مما زاد في لغة شاعرنا صفاءً واتقادا وفخامة وهي تعتنق مناخات القصائد الحديثة شكلا ومضمونا عبر مزج الواقعي بالمتخيل لتقديم تقنية شعرية فيها قدرا من الجدية والمتعة وهذا ينم عن تجربة الشاعر الممتدة لمرحلة زمنية طويلة تعكس في رؤيتها وطرائق اشتغالها وخيارات البناء الفني فيها .

وعند تطلع الى قصائد الشاعر من حيث البنى التكاملية لصناعة النص نجد الاطار الشمولي في اغلب قصائده يستحوذ بقوة على مظهر القصيدة حيث التناسق والتداخل النصي لنجد جميع البنى بحالة من التمازج والتوازن موضوعا ولغة وبنية صورية وايقاعية وكلها متظافرة تشترك في تمذهب الفكرة واعطائها مساحة واسعة من الوضوح والتعبير , هكذا هي قصائد شاعرنا الحيدري همسات مجنونة واحلام والهة تحلق في مدارات الشعر الوارفة لتمنحة دفقة الحياة وبوابة الخلود:

انه عودي ترف ما يحمل تلاويه خايف لا تعته وينكسر بيدك

وانه خايف تره من جفوفك اتأذيه

اذا عودي انكسر متكلي شيفيدك

يل طبعك عنيد وما تطخ الراس

بس هونك عليه والغي تهديدك

ما احمل جفاك وانته تدري بهاي

انه اعناد بيه  .. اركض لتغريدك

نجم عبد خليفة – بغداد

مشاركة