الخنزرة مَنْ يعي صرخة وجود ماري داريسك؟
الصوت الناحل لا يخفي وجعه
باسم سليمان
ليس جديداً البتة أنْ يتم تناول تحول الإنسان لكائن آخر، سواء حيوان في حالة وقع سحر ما عليه أو أنّ تحوله يخدم نزعات شيطانية داخله كالمستذئب أو مصاص الدماء وهذه الرؤية التحولية عُولجتْ منذ القدم مروراً بألف ليلة وليلة وصولاً لغرائبية وفنتازية القرنين الماضيين في أوروبا ووجدت لها متسعاً كبيراً في القرن الفارط سواء في قصص الخيال العلمي أو في الروايات التي كانت رداً صارخاً على تشيؤ الإنسان ومثالاً عليها رواية كافكا الحشرة عندما تحول غريغوري سامسا لصرصار ولكن السينما التي انتهجت الرؤية الكلاسيكية السابقة عدلتْ حالياً وأنتجت أفلاماً تعيد الاعتبار لهذا التحول وكأنه تأقلم إيجابي وبل مفيد وضروري.
وعليه ما الجديد في رواية الخنزرة ل ماري داريسك ترجمة سهيل أبو فخر والصادرة عن دار قدمس 2011 ، والتي تسرد فيها البطلة ذاتها بطريقة أقرب للسرد ذاتية، إذْ أنّ صوت الراوي هو الصوت المسيطر على مجمل الرواية ولم تتوقف ماري عند هذه النقطة بل شملت روايتها مقاطعاً يؤسسها في الواقع من خلال تحذيراتها الأخلاقية لعدم قراءة بعد المقاطع أو أن يسامحها القارئ وحتى الناشر الذي قد تسبب له هذه الرواية التي بعثتْ بها البطلة إليه من غابتها وهي تتمرغ بالطين والأوساخ وتعيش بسعادة غائبة عن هذا العالم، السجن، ورغم ما سبق لم تخرج في روايتها إلى جديد ؟.
الخروج إلى الجديد يمكن في السذاجة الكبيرة والبساطة في تقديم تحول شخصية الرواية إلى حالة الخنزرة كأنها مراهقة تتفكر بنضوجها ولا تجد أحداً ينوّر الغموض الذي غادرتْ الطفولة إليه، فتم تقديم الحالة دون هرطقات إيديولوجية أو لعنات غيبية. تسرد حالتها وكأنها تبوح لجارتها في صبيحة قهوة هذا التحول، كيف بدأ الجلد يسمك وكيف نمتْ لها ستة أثداء وكيف تساقط شعرها، وصار لها ثلاثة أصابع و نفورها الشديد من لحم الخنزير ورغبتها الدائمة بالخضار والقلقاس والبلوط وكل ما يتناوله الخنزير وإحساسها العارم بالطبيعة، فهي تشم الأوراق وتفهم ما تقوله العصافير وتحس بالجذور تتحرك بالأرض لقد تغير مفهوم الكون من حولها واستقامتها السابقة صارتْ تسبب لها آلاماً كبيرة في حين مشيتها على أربع قوائم تريحها والميزات التي اكتسبتها بتحولها إلى خنزيرة ومع ذلك، فقد صارتْ أكثر اهتماما بالآخر من إنسان أو حيوان لقد ارتقتْ لدرجة كبيرة في التعامل العاطفي يفتقدها الكثير من سكان هذا الزمن ؟.
كانت عاملة محل عطور في العاصمة الفرنسية ومن هذه النقطة بدأت الأقنعة بالتساقط من هونوريه عشيقها إلى رب العمل إلى أدغار السياسي وأخيراً المستذئب إيفان التي أغرمتْ به حد الجنون والذي علمّها قبول ذاتها وتفهم هذا التحول وضحى من أجلها، لا، ليس أخيراً بل ذلك الغنوص الفحل الذي تساكنه في الغابة ومن هناك كتبتْ سيرة حياتها التي اقتنعتْ بها ووجدتْ أنها تلائمها تماماً .
الرواية تعرية هائلة للمجتمع المابعد حداثي، ضربة بالصميم وتكمن أهميتها بأنها ابتعدتْ عن خطابات التنظير والسياسة والدين والأيديولوجية وعادت للحكاية، للبساطة والسهولة، والأهم العاطفة رواية عاطفية رغم الصدمة الأولى تأخذك إلى التعاطف بل القبول وأن تحبّ هذه الخنزيرة المكافحة، لأن تجد مكاناً لها خارج عجلة السوق والاستهلاك والمكنة الضخمة التي ينضوي تحتها الإنسان.
تنهي روايتها بمقارنة بينها وبين إيفان عشيقها المستذئب الذي قتل، هو حتى يتحول إلى ذئب كان يمدّ رقبته ويعوجها في ضوء القمر أمّا هي عندما تريد أن تتحول لإنسان تمدّ رقبتها وتعوجها تحت ضوء القمر، فتستعيد اعوجاجها البشري ؟.
الخنزرة ل ماري داريسك
/6/2012 Issue 4224 – Date 12 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4224 التاريخ 12»6»2012
AZP09