الجامعات والمعاهد الأمنية والمكاتب الإستشارية – عبد الوهاب عبد الرزاق التحافي
التقدم الحضاري نتاج تفاعل ايجابي بين النظريات العلمية والتطبيقات العملية . ففي العصر الحاضر وفي المستقبل لم يعد في الامكان قبول البحث العلمي المعزول عن مشكلات الواقع العملي ومعضلاته . ولا يمكن كذلك قبول التجريبية في العمل الميداني بمعزل عن الفكر العلمي ونظرياته الحديثة . فالعلاقة بين النظرية والتطبيق في مختلف مجالات المعرفة الانسانية يجب ان تبقى تكاملية.
وتتصاعد في عالمنا المعاصر نداءات ربط الجامعات والمعاهد التعليمية بمشاكل المجتمع ، وتعزيز الصلة بين البحث العلمي وواقع الحياة اليومية ، انطلاقاً من الوعي باهمية الدور الذي يؤديه البحث العلمي الاكاديمي في النهوض بالواقع الاجتماعي وتطويره باتجاه تقديم المزيد من الخدمات للانسان وحماية حياته وامنه وسلامته وصيانة حريته وكرامته وتأمين سعادته من خلال ترقية المجتمع وتصعيد مسارات تطوره وازدهاره .
وحينما عقد في بغداد في شباط من عام 1974 اول مؤتمر للوزراء المسؤولين في الدول العربية عن البحث العلمي اكدوا على اهمية وضع خطط البحث العلمي التي ترتبط بخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية مع اعطاء اولوية للبحوث التطبيقية التي تخدم التنمية الشاملة التي تمتد الى مختلف جوانب النشاطات الانسانية وفي مقدمتها التربية والتعليم والثقافة .
كما اكدوا في مؤتمرهم الثاني الذي عقد في الرباط عام 1976 ضرورة اهتمام الجامعات العربية بغرس روح البحث العلمي ومنهجيته في نفوس طلابها ومواصلة تطوير المناهج المقررة في الجامعات والمعاهد التقنية الحالية لكي ما تنسجم قدر الامكان مع متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والخصائص الوطنية للدولة المعنية التوصية رقم 6 اليونسكو – باريس – مجلة دراسات ووثائق في السياسات العلمية – العدد 41 – العلم والتكنولوجيا في تنمية الدول العربية – 1977 – صفحة 35 .
وعندما عقد اول مؤتمر لوزراء الداخلية العرب في القاهرة عام 1977 اعلنوا في بيانهم الختامي عن ضرورة الوعي بأثر التقدم العلمي والتقني على الامن والجريمة ، وان هيئات الامن واجهزته يجب ان تاخذ باسباب هذا التقدم ، وتلاحقه وتسبق الجريمة قبل ان يكون السبق لها ، وان توجه اهتماماً متزايداً وجهة الدراسات والبحوث الاجتماعية والقانونية والجنائية .
كما اكدوا في البيان الصادر عن مؤتمرهم الثاني الذي عقد في بغداد عام 1978 الحرص على الاخذ بالاسلوب والطريقة العلمية في مواجهة مشكلات الامن ومكافحة الجريمة عن طريق تشجيع الدراسات والبحث العلمي ومداومة الارتباط بحقائق التقدم التكنولوجي على مستوى العالم ، والتنسيق بين الجهود المبذولة على المستوى العربي في هذا الصدد . الامانة العامة لمجلس وزراء الداخلية العرب – تونس – وثائق وقرارات مؤتمرات وزراء الداخلية العرب .
واذا اصبح من المسلم به ان البحث العلمي والدراسات الاكاديمية على المستوى العالمي ميدان من ميادين المنافسة والصراع بين الدول …. فان الدراسات الامنية العربية والجامعات وكليات ومراكز البحوث الامنية العربية الاسلامية ينبغي ان يتصاعد دورها في ميدان الصراع بين العصابات الاجرامية المنظمة و الاجهزة الامنية ، بما يؤمن السيطرة المقتدرة للاجهزة الامنية في منع وقمع نشاطات تلك العصابات الاجرامية المنظمة وفشل عموم محاولاتها وقبرها في مهدها .
ومن اجل زيادة اسهام الجامعات والكليات والمعاهد العلمية في مختلف دول العالم بالتطور الاجتماعي والتنمية الاقتصادية ، اعتمدت ادارات تلك الجامعات والمعاهد اساليب ووسائل جديدة في ممارسة نشاطاتها العلمية بالارتباط مع مؤسسات المجتمع … ومن تلك الاساليب :-
- اعتماد تخصيصات مالية خاصة بالبحث العلمي منفصلة عن التخصيصات المرصدة لاغراض التأهيل والتدريب فيها.
- ترجيح كفة البحوث التطبيقية ذات الصلة بالمشكلات الاجتماعية على كفة البحوث النظرية …. واعادة النظر بمناهج التأهيل والتدريب بما يحقق التكامل بين الدروس النظرية والتطبيقات العملية .
- التعاون مع المؤسسات الاهلية ذات العلاقة بالتخصصات الاكاديمية بان تتولى الجامعات اعداد دراسات تلبي احتياجات تلك المؤسسات مقابل منح مالية تدفعها المؤسســــــة الاهلية للجامعة .
- قيام الجامعات بتنظيم دورات تدريبية وحلقات دراسية للملاكات العاملة في المؤسسات الاهلية بما ينمي خبراتهم في مختلف مجالات المعرفة ذات الصلة باختصاصاتهم المهنية مقابل رسوم اشتراك تدفعها المؤسسة الاهلية للجامعة .
- انشاء مكاتب استشارية في كل جامعة او كلية او معهد عال يتفرغ فيها عدد من الملاكات الاكاديمية والاختصاصين العلميين من اجل اجراء بحوث تطبيقية وتقديم استشارات فنية وعلمية للجهات التي تطلبها سواء اكانت تلك الجهات حكومية او اهلية مقابل اجور تدفعها تلك الجهات للمكاتب الاستشارية .
ولقناعتنا بان الجامعات والمعاهد ومراكز البحوث الامنية في البلاد العربية قادرة على ان تقدم خدمات استشارية للمؤسسات الحكومية والاهلية في مختلف المجالات الامنية ، فان مقترح استحداث مكاتب استشارية فيها ، تضم نخبة مختارة من خبراء العلوم الامنية العرب ، امر جدير بالعناية ، وفي غاية الاهمية لان استحداث تلك المكاتب الاستشارية سيحقق تطوراً في سياقات التعاون العربي الامني ، وسيوفر لجميع المؤسسات العربية – الحكومية والاهلية – مجال الاستعانة الاختيارية بافضل الخبراء العرب في القضايا الامنية ويمكن في البداية قيام كل جامعة امنية عربية أو معهد أمني عربي بتأسيس مكاتب استشارية في المجالات الامنية الاتية :-
- المكتب الاستشاري لحماية امن المنشآت الحيوية .
- المكتب الاستشاري لادارة وتنظيم المرور .
- المكتب الاستشاري لحماية وتحسين البيئة .
- المكتب الاستشاري للاعلام الامني والقانوني .
- المكتب الاستشاري للتطوير الاداري والامني .
- المكتب الاستشاري لتدريب الملاكات الادارية والامنية .
- المكتب الاستشاري للامن الصناعي ….. الخ .
وبعد نجاح التجربة ، وثبوت تجاوب الدول العربية والمؤسسات الحكومية والاهلية فيها في الاستفادة من المكاتب الاستشارية في الجامعات الامنية يمكن استحداث مكاتب استشارية في مجالات امنية اخرى .
ويراعى في استحداث المكاتب الاستشارية القواعد الاتية :-
اولاً // يؤسس كل مكتب استشاري بقرار يصدر عن اعلى سلطة في الجامعة او المعهد العالي ، وهي مجلس ادارة الجامعة او المعهد العالي بتخويل من مجلس ادارتهِ .
ثانياً // يمنح المكتب الاستشاري شخصية معنوية واستقلال اداري تخوله القيام بالتصرفات القانونية لتحقيق اغراضه المنصوص عليها في قرار التأسيس .
ويمثل المكتب مديره او من ينيبه. ثالثاً // يحدد قرار تأسيس المكتب الاستشاري ، هيئة الاشراف على المكتب وهي :-
- رئيس المكتب
- مدير المكتب
- ثلاثة من اعضاء هيئة خبراء المكتب .
على ان يعين رئيس المكتب ومدير المكتب واعضاء هيئة خبراء المكتب ورواتبهم بقرار التأسيس بناء على ترشيح من رئيس الجامعة او المعهد العالي لمدة سنتين قابلة للتجديد . ويعين للهيئة سكرتير من موظفي الجامعة او المعهد العالي .
رابعاً // يحدد قرار تأسيس المكتب الاستشاري واجباته الاساسية التي تتلائم مع
اختصاصه … وهي على العــــموم :-
- تقديم الاستشارات في مجال تقييم واقع قائم ، لتحديد سماته العامة ، سلباً او ايجاباً ، بهدف وضع معالجات للسلبيات وادامة وتطوير للايجابيات .
- دراسة نظم العمل القائمة في الجهة التي تطلب الاستشارة ومقارنتها بنظم اكثر تطوراً لبيان الرأي بشأن سبل تطوير النظم القائمة .
- دراسة التشريعات النافذة في ادارة الجهة التي تطلب الاستشارة وتقييم سلامة احكامها ، وصياغتها ، واجراءات تنفيذها ، ومدى ملائمتها لتحقيق اهدافها .
- دراسة طبيعة الاجهزة والمعدات الفنية المعتمدة من قبل الجهة التي تطلب الاستشارة ومدى مواكبتها للوسائل العلمية الملائمة للمهام المناطة بتلك الجهة
- دراسة العلاقات العامة بين الجهة طالبة الاستشارة والجهات الاخرى ذات الصلة المباشرة بواجباتها ، الى جانب دراسة العلاقات الانسانية بين العاملين في الجهة طالبة الاستشارة .
- تقييم خطط وبرامج العمل المعتمدة في الجهة طالبة الاستشارة وتقديم المشورة لتطويرها .
- تقديم المشورة بشأن الحماية الامنية للجهة طالبة الاستشارة من ناحية الحماية لقيادتها ،لابنيتها ، لاجهزتها ، لاسرارها …… الخ .
- تقديم المشورة بشأن الافاق المستقبلية لمهام الجهة طالبة الاستشارة .
- تقديم المشورة بشأن جدوى انضمام الجهة طالبة الاستشارة لاتفاقية عربية او دولية او ثنائية مع جهات اخرى لاعتبارات امنية .
- تقديم المشورة بصدد الاختيار الافضل من بين مجموعة خيارات مقدمة في مسألة تطلب الجهة طالبة الاستشارة الرأي بشأنها .
خامساً // يحدد قرار التأسيس لمكتب استشاري ، صلاحية هيئة الاشراف على المكتب ، ومنها :-
- وضع الهيكل التنظيمي للمكتب وملاكه الدائم .
- وضع خطته السنوية .
- وضع ميزانيته المالية .
- تحديد صلاحية الصرف المالي .
- ابرام العقود والاتفاقات في مجالات الاستشارة مع الجهات التي تطلبها .
- تحديد اجور الخدمات والاعمال والاستشارات التي يقدمها المكتب بالنسبة لكل قضية للجهات المستفيدة .
- التعاقد مع الاستشاريين والتدريسيين والفنيين العرب للعمل في المكتب وتحديد اجورهم وفق النظام المالي للجامعة .
- التعاون مع المكاتب الاستشارية الاخرى في الجامعة عند الحاجة وفي المهام المشتركة. سادساً // يحدد قرار تأسيس المكتب الاستشاري ، صلاحية رئيس المكتب ومنها :-
- اعداد مشروع موازنة المكتب السنوية والحساب الختامي وملاكه والمنهاج السنوي لفعالياته.
- اعداد تقرير سنوي عن نشاط المكتب وفعالياته .
- التوقيع على الصكوك بصفته الآمر بالصرف .
- توقيع العقود التي وافقت هيئة الاشراف عليها .
- الموافقة على الصرف بما لا يزيد على مبلغ معين تحدده الهيئة المشرفة على المكتب .
كما يحدد قرار التأسيس واجبات مدير المكتب وهي :-
- تنفيذ قرارات الهيئة المشرفة ومتابعتها وتنظيم محاضر جلسات اجتماعاتها .
- الاشراف على دوام المنتسبين وانضباطهم وحسن سير العمل في المكتب .
- استلام وتسليم موجودات المكتب من اثاث واجهزة وقرطاسية ووسائل اتصال وسجلات وتأمين حسن استخدامها .
- ما يكلفه به رئيس المكتب من واجبات اخرى .
سابعاً // يحدد قرار تأسيس المكتب الاستشاري مواعيد اجتماعات الهيئة المشرفة على المكتب بان تكون مرة واحدة في الشهر في الاقل ، بدعوة من رئيسها ، ويحصل النصاب بحضور ثلثي الاعضاء وتتخذ القرارات باغلبية عدد الحاضرين ، وعند تساوي الاصوات يرجح الجانب الذي يصـــــــــوت معه رئيس المكتب ويكـــون قرارها نهائياً . ويرفع رئيس المكتب القرارات التي تقع خارج صلاحيات هيئة المكتب الى رئيس الجامعة للمصادقة عليها او تعديلها او رفضها .
ثامناً // تتكون مالية كل مكتب استشاري من :-
- التخصيصات السنوية التي تتقرر للمكتب الاستشاري من ميزانية الجامعة او المعهد العالي .
- الايرادات الناجمة عن خدماته ونشاطاته وفعالياته الاستشارية .
- الهبات والمنح التي تقدمها الجهات العربية والدولية ذات الصلة بمهام المكتب الاستشاري بموافقة الوزارة التي تنتمي اليها الجامعة او المعهد العالي .
وتكون للمكتب وحدة حسابية مستقلة ولها فتح حساب خاص في مصـرف الجامعة ان وجد .
ان الجامعات والاكاديميات الامنية العربية ، وفي مقدمتها المعهد العالي للتطوير الامني والاداري في العراق واكاديمية الشرطة المصرية وجامعة نايف العربية للعلوم الامنية حققت انجازات ممتازة في مختلف مجالات التأهيل والتدريب للملاكات الامنية العربية ، كما اثمرت جهود اداراتها واساتذتها والدارسين فيها باغناء المكتبة الامنـــية العربية بدراسات وبحوث ومؤلفات اضحت مرجعاً تعتمده القيادات الامنية في وضع خططـــها وبرامجها العملية .
كما ستبقى المؤتمرات والندوات والحلقات الدراسية التي عقدت في رحابها اسلوباً حضارياً متطوراً للتنمية القيادية في المؤسسات الامنية العربية ووسيلة من وسائل تبادل الخبرات وتجديد وتطوير معارف القيادات الامنية باحدث اساليب ووسائل الادارة الامنية .
لكننا نعتقد ان استحداث مكاتب استشارية لتقديم خدمات امنية لهيئات حكومية او اهلية من قبل اساتذة وخبراء الجامعات والمعاهد الامنية هو اسهام علمي في تنفيذ السياسة الامنية العامة في البلاد ويضمن مراعاة الضوابط الامنية المتطورة في حماية امن المنشآت الحيوية والحفاظ على الامن الاقتصادي والاجتماعي والثقافي فيها .
كما ان استحداث المكاتب الاستشارية في الجامعات والمعاهد الامنية سيفتح امام اساتذة وخبراء تلك الجامعات افاقاً اوسع ورؤية اوضح لطبيعة المشكلات الادارية والاقتصادية والاجتماعية بما يوفر لهم فرص اغناء دراساتهم وبحـــوثهم المستقبلية…..
ونرى في انشاء المكاتب الاستشارية في الجامعات الامنية تطبيقاً للاستراتيجية الامنية العربية التي دعت منذ ما يقارب الربع قرن بتعميق الدور العلمي للجامعات ومراكز البحوث والدراسات الامنية في دراسة وتحليل الظواهر الاجرامية واساليبها ووسائلها للتوصل الى تحديد الطرق الكفيلة بمواجهتها ومعالجتها الى جانب قيام تلك الجامعات والمراكز بدراسة واقع الاجهزة الامنية والاسهام في حل مشاكلها وتحسين سياقات الاداء فيها ، بما يضمن تبسيط الاجراءات وترشيد استخدام الطاقات البشرية والمادية ، وتصعيد وتائر دقة الانجاز بأقل كلفة وايسر جهد .