الثلث سيد الخطاطين والعلاقة طردية بين المبدع وأمشاقه

أحمد سعيد يسحره المنشاوي ويبرع بتزيين المساجد:

الثلث سيد الخطاطين والعلاقة طردية بين المبدع وأمشاقه

السليمانية – باسل الخطيب

تسحره تلاوة الشيخ محمد صديق المنشاوي الخاشعة للقرآن الكريم، التي يستمع إليها ساعات يومياً، ويستلهم منها أعماله الجميلة التي تنبض بالروح والإيمان. ويعشق خط الثلث، ويعتقد أن «من لا يجيده لا يصلح أن يكون خطاطاً».

إنه الخطاط أحمد سعيد أحمد، المولود في مدينة السليمانية عام 1957، وبدأ رحلته مع الخط العربي منذ الصغر، حيث كان يتميز بخطه الجميل. وحرص على تنمية موهبته الربانية من خلال الذهاب يومياً أمام دكان خطاط كبير في مدينة السليمانية، هو محسن السيد سمين (1921- 1977)، لمراقبة حركات يده عند كتابة لوحة أو لافتة. ومن ثم سعى لاقتناء الكراسات التعليمية التي كان يصدرها الخطاط الشهير هاشم محمد البغدادي، المعروف بهاشم الخطاط (1921- 1973)، لتعلم أصول الخط العربي وقواعده.

وشاءت الصدف أن ينقل ابن عمه وصديقه رفيق صالح، إلى المعهد الفني في مدينة النجف الأشرف، ويتعرف فيها على أستاذ الخط العربي في المعهد جاسم حمود النجفي. وبهذا الشأن يقول الفنان أحمد ، لقد «استفدت كثيراً من ملاحظات الأستاذ جاسم النجفي وتوجيهاته بشأن الأعمال التي كنت أرسلها إليه بيد صديقي رفيق صالح»، ويؤكد أن النجفي «زودني كذلك بمصادر معلوماتية عديدة عن الخط العربي أسهمت في تعزيز قدراتي».

وهكذا اشتد عوده، وأجاد قواعد صنعته وأصولها، خاصة في خطوط الثلث والنسخ والديواني والرقعة، لكنه تميز بخط الثلث الذي يعتبر من أصعب الخطوط العربية من حيث القواعد والموازين، كما يمتاز بالمرونة ومتانة التركيب وبراعة التأليف، ومنه خط الثلث الجلَي، الذي يتيح للخطاط حرية أكبر في تكوين الدوائر والتشكيلات، ويستخدم في الألواح الكبيرة والنقوش المنحوتة على الحجر في المباني، وفي كتابة القرآن الكريم وزخرفة المساجد والمزارات الدينية. ويعتقد أن من «لا يجيد خط الثلث لا يصلح أن يكون خطاطاً»، بحسب قوله. يذكر أن هنالك ستة أنواع رئيسة من الخط العربي، هي النسخ، الرقعة، الثلث، الفارسي، الديواني والكوفي. كما توجد أنواع أخرى مثل خط الإجازة والطغراء، وتفرعت عن هذه الخطوط أنواع فرعية أخرى، مثل الكوفي المورق والديواني الجلَي وغيرها.

صدى إعلامي

وتطورت قدرات الخطاط احمد سعيد أحمد الفنية، ما أهله المشاركة بعدة معارض في السليمانية وخارجها، أولها عام 1983، مع ثلاثة خطاطين آخرين، وحصدت أعماله صدى إعلامياً جيداً حينها. كما شارك في معارض ومناسبات فنية أخرى عديدة. وخلال انتفاضة عام 1991 توطدت علاقاته مع خطاطين معروفين في أربيل، منهم أحمد عبد الرحمن المجاز من الخطاط الموصلي الشهير يوسف ذنون (1939- 2020)، ونجاد أربيلي المجاز من الخطاط الشهير حامد الآمدي (1891 – 1982)، وشارك معهم في عدة معارض فنية.

وفي عام 1992 أسهم في تأسيس جمعية الخطاطين في السليمانية التي نظمت العديد من المهرجانات والمسابقات والمعارض، واختير رئيساً لها للمدة 2006-2009. كما ينتمي لجمعية الخطاطين العراقيين منذ عام 1981، ونقابة الفنانين العراقيين ونقابة فناني كردستان. ويتمتع الفنان أحمد سعيد احمد حالياً بعلاقات وطيدة مع أكثرية الخطاطين العراقيين والإيرانيين والأتراك.

وقد تعددت مشاركات الخطاط أحمد سعيد أحمد، ومنها مهرجان في بغداد للخط والزخرفة، حيث اختيرت لوحتان من لوحاته للمعرض الدائم. وفي عامي 1988- 1989، شارك في مسابقة ومعرض خطاطي السليمانية الذي نظمته مجموعة سبيده، بالإضافة إلى كونه عضواً في لجنة تقويم أعمال هذين النشاطين. وفي عام 1989 شارك في المسابقة العالمية الثانية للخط في تركيا.

وفي عام 1990، شارك في المعرض العام لخطاطي السليمانية الذي نظمته المؤسسة الثقافية الكردية. وفي عام 1992 شارك في مهرجان الفن التشكيلي للشباب الذي نظمه البيت الثقافي الكردي.  كما شارك بلوحة في المعرض الدولي للخط في طهران ووُضعت لوحته في الدليل التعريفي للمعرض. وفي عام 2004 شارك في معرض خطاطي السليمانية ومحافظة الأنبار الذي نظمه المركز الثقافي العراقي. وشارك عام 2006 في معرض للخط باسم عبد الحميد كاتب في سوريا. وفي عامي 2006- 2007 شارك في مسابقة (البردة) التي أقيمت في دولة الإمارات العربية المتحدة.وعُين عام 2009 عضواً في لجنة تقويم لوحات المسابقة ومعرض الخط باسم الخطاط الشهيد الحاج خليل زهاوي في أربيل، وفي العام نفسه كان عضواً في لجنة تقويم لوحات مسابقة ومعرض خط (خالد زامدار). وشارك عام 2021 في مسابقة ومعرض الخط والتشكيل الذي نظمه الصليب الأحمر الدولي. ومن آخر مشاركاته تلك التي حكم فيها مؤخراً في مسابقة للخط في مدينة مريوان الإيرانية.

ومنذ عام 1985 كان للخطاط أحمد سعيد أحمد زاوية في جريدة العراق بعنوان «نوابغ الكرد في الخط العربي»، كتب فيها باستمرار مقالات عن حياة الخطاطين الكرد ونشاطاتهم، منهم حامد الآمدي، محمد طاهر الكردي المكي، محمد رضا كلهر، نجاة أربيلي الخطاط وغيرهم. وفي المدة التي تلت الانتفاضة كان له زاوية بعنوان «أعلام الكرد في الخط العربي» في جريدة «الاتحاد».  لأحمد، مئات اللوحات التي خطت بمختلف أنواع الخطوط العربية، ما بين آيات قرآنية مباركة وأحاديث نبوية شريفة وقصائد شعرية، ولعل من أجملها تلك التي نقشت على جدران مساجد السليمانية وقببها، ومنها تلك الموجودة في الجامع الكبير، ومساجد بختياري، الشيخ عبد القادر جويسة، سراج الدين، قره داغ، بخته وه ري، جامعة التنمية البشرية، التي يزيد طولها عن ثلاثمائة متر من الآيات بأجمل صورة وبخط الثلث.

، فضلاً عن زخرفة استوديو فضائية (NRT4) الدينية. وينشغل حالياً بخط سورة الأعلى، بطول 50 متراً، لأحد مساجد مدينة السليمانية.ولعل من «أحب لوحاتي التي أعتز بها كثيراً تلك التي خططت فيها أواخر سورة البقرة بخط الثلث الجلَي»، ويضيف «أشعر أنني خططتها بقلبي لا بيدي»، بحسب قول الفنان أحمد.

*ختاماً يستشهد أحمد، بقول أمير المؤمنين على بن أبي طالب (ع)، بأن «الخط مخفي في يد أستاذه وقوامه في كثرة المشق فهناك علاقة طردية بين مستوى الخطاط وامشاقه فكلما زادت مشقة تمارينه استحسنت مستوى خطوطه»، ويؤكد بخبرة العارف القدير، على ضرورة «وجود أستاذ يكون سنداً للخطاط لأن الذي ليس له أستاذاً يعتمد عليه ليصحح تمارينه يتأخر في الوصول إلى مستوى الإجادة لاسيما أنني من الذين كنت اعتمد على نفسي فقط فتأخرت في الوصول إلى المستوى المطلوب بسنوات».

مشاركة