التنوع ركيزة رئيسة للتنمية المستدامة – محمد عبد العزيز
مهما صَغُرَ أو كَبُرَ حجم أي مشروع عمل فلا مناص له من إدارة، وكلما كانت تلك الإدارة تتميز بالتخصص والعلمية كلما كانت أكثر نجاعة نحو إنجاح المشروع فيبلغ غاياته ويحقق أهدافه ، والإدارة الناجحة ليست بالأمر الهين بل هي أحد العلوم التي لا غنى عنها في الحياة لكل مكون بشري. وتُعد ثقافة التنوع من الأدوات اللازمة لآليات النجاح، فتنوع الفكر والأداء أدعى للتغلب على كامل التحديات التي تواجه المشروع أثناء التنفيذ جنبًا إلى جنب مع التخطيط الجيد والتنظيم والرقابة والمتابعة.
لقد اعتمدت جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة في عام 2015 أهداف التنمية المستدامة (SDGs) بهدف حماية العالم من أمراض الفقر المدقع والجوع والإيدز والتمييز ضد النساء وحماية الكوكب وضمان تمتع جميع الناس بالسلام والازدهار بحلول عام 2030. وأقرت سبعة عشر هدفًا جاءت متكاملة مترابطة لتثبت أن التنمية أيضًا يجب أن تُبنى على تنوع وتكامل وتوازن بين أنماط الاستدامة الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، للوصول إلى هذه الأهداف الطموحة التي تمثل أنجع استثمار للبشرية في اقتصادات منصفة وشاملة ومستدامة. لذلك وجب علينا اليوم وليس بعد السير بتلك الأهداف نحو آفاق أوسع وبخطى أسرع من ذي قبل إن أردنا بلوغها عام 2030.
إن التنوع السديد والإبداع والمعرفة والتكنولوجيا والموارد المالية باتت أجزاء رئيسة من آليات تحقيق أهداف التنمية المستدامة في كل السياقات ، وهنا لا يجب التعويل فقط على مجموعة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة بل يجب أن يسير العمل بخطوط متوازية داخل القطاعات المعنية في حكومات كافة الدول الأعضاء ، وبمنهجية تعتمد على ثقافة التنوع كجزء رئيس من نجاح اليات التنفيذ لاسيما في ظل أزمات ثلاثة تضرب العالم كله الآن جراء الحرب الروسية الأوكرانية تتمثل في الغذاء والطاقة والتمويل ، الأمر الذي ينال بشكل كبير من الاقتصادات المهترئة فتتعطل عجلات التنمية المستدامة.
نظام بشري
الله – سبحانه وتعالى – لم يخلق النظام البشري على وتيرة واحدة ، إنما خلق التنوع بين الناس في كافة المجالات الإدراكية والعملية وغيرها ، فلو لم يكن التنوع البشري لما استطعنا بناء الحياة في حاجاتها المتنوعة. ومن الأهمية بمكان أن نسلط الضوء على تنوع العلوم وأهميته في البناء الإنساني للحياة، فالناس كلما تعرفوا على أحد العلوم الحياتية ظهرت لهم حاجة شديدة لتأسيس علم آخر، ولذلك تطورت الحجات فأصبحت تفرض على الإنسان أن يواصل البحث والتنقيب على مدارك التنوع لإدراكه أنه لن يستطيع العيش إلا في ظل تنوع كامل في المفردات الحياتية التي تحتاج إلى تخصصات، عدة وخبرات متنوعة ، إنه التنوع الذي لا غنى عنه للبناء المجتمعي .
كما أن هناك نوع آخر من التوع شديد الأهمية يتمثل في النواحي البيولوجية ، فهو أحد القضايا الرئيسة نحو بقاء الكائنات الحية، لأنه الأساس الذي يدعم جميع أشكال الحياة ، وبالتالي يعد من الركائز الأساسية لاستمرارعمليات التنمية المستدامة. ويرتبط التنوع البيولوجي بتأمين احتياجات البشر من الأمن الغذائي، والهواء النقي والمياه، والدواء ، وقد أعلنت الأمم المتحدة أن يوم 22 مايو من كل عام يومًا عالميًا للتنوع البيولوجي نظرًا لإدراكها أهميته . وعرفت كثير من الدراسات العلمية ” التنوع البيولوجي” (biodiversity) على أنه إجمالي الكائنات الحية المختلفة ، بما في ذلك الجينات التي تحتويها، والنظم البيئية التي تُشكلها. ورغم أن أزمة كوفيد-19 دقت جرس الإنذار لإصلاح العلاقة المهترءة بين البشر والطبيعة بتأكيدها للعالم كله أن التنوع البيولوجي مسار سديد لصحة الإنسان وآداة رئيسة للتنمية المستدامة ، بيد أن الإنسان الذي تضرر من – كوفيد 19 – لم يستوعب الدرس وبدلاً من المحافظة على ضروريات الحياة الكامنة في الطبيعة بالغ في ممارسة أنشطة من شانها أن تعمل على تدهور سريع للتنوع البيولوجي ، والآن إذا أردنا استدامة لكوكب الأرض بما يحوي فليس أمامنا سوى إجراءات توقف هذا التدهور فورًا من دون تردد .
وللحديث عن أهمية التنوع البيولوجي يصبح لزامًا علينا التأكيد على أنه يوفر الموارد الأساسية للبشرية ووظائف وخدمات الأنظمة البيئية ، كما يسهم في التخفيف من حدة الفقر لاسيما وأن أكثر من 70 بالمئة من الفراء يعتمدون – جزئياً على الأقل – على الموارد الطبيعية لكسب معيشتهم، سواء من خلال الزراعة أو صيد الأسماك أو الأنشطة الأخرى القائمة على الطبيعة وبهذا فهو يخدم أهداف التنمية المستدامة بشكل قوي. ويسهم التنوع البيولوجي في تنوع المحاصيل الزراعية والنباتات، كما يسهم في الحصول على موارد هامة للزراعة كالسماد الطبيعي. كما يجب الإشارة إلى أنه يدعم الاقتصاد لما له من تأثير إيجابي على النشاطات الزراعية والصناعية. ويأتي اعتماد أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي العالمي – ما يعادل 44 تريليون دولار أمريكي – تقريباً بشكل كبير أو متوسط على الطبيعة ليؤكد أهمية التنوع البيولوجي. ويعزز الصناعة حيث تدخل النباتات والحيوانات ، والأوراق، والعطور، والزيوت، والأخشاب، في الصناعات الغذائية والملابس وغيرها. وتعد كثير من الأعشاب والنباتات مصدرًا لبعض الأدوية التي تعتمد على الكائنات الحية الدقيقة في معظم مركباتها مثل المضادات الحيوية. كما أنه يعزز المساقات السياحية نظرا لوجود تنوع نباتي يُوفر الحدائق الطبيعية، وتنوع حيواني يسهم في وجود حدائق الحيوان والمحميات الطبيعية. ويخفف من تأثير الكوارث الطبيعية مثل الفيضانات والعواصف والانهيارات الثلجية والأرضية والجفاف. وأخيرًا يحمي الإنسان من انتشار المرض فكلما كان التنوع البيولوجي المحلي مرتفعاً، كلما قلت معدلات الإصابة بالأمراض الحيوانية.
المصادر
الموقع الرئيس للأمم المتحدة
{ مدير عام مركز لندن للبحوث