التمييز العنصري عبر ثيمة درامية

 في الشريط السيمي الإصطدامي

التمييز العنصري عبر ثيمة درامية

ترجمة وتقديم –  عباس الحسيني

اريزونا

في تلويحة سيمية هادرة المعاني، يطل علينا المخرج والكاتب بول هاكـييـس بمعالجات فنية غاية في العاطفه، فهو يمضي قدما في معالجة النزعة العنصرية واثارها وشيئا من جذروها في المجتمع الامريكي، جوهراً وتأصيلاً وممارسة، وعبر مواقف تبرز العنصرية للذات قبالة الآخر، السلطة او المجتمع، وكذلك للسلطة قبالة الفرد، الفرد المهاجر واللاجئ الى بـــلاد العم ســـام او امريكا الحلم. يشبه الفلم المنتج عام 2004 في تركيبته الفنية فيلم (احبك نيويورك)، في المضي عبر التنقل الدرامي، من حدث الى آخر، ضمن ذات الثيمة، غير ان التمحور هنا يمضي قدمــا بضم جماليات أخرى، كجماليات الحوار الاجـنـبي – الفارسي – والاسباني – وذكر اسماء عربية -، من فسيفساء المجتمع الامريكي المتلون، مع اظهار تأثيرات الرجل الامريكي تجاه القادم من وراء البحار لمشاركته السكنى والعمل والقوانين. وهناك ايضا جماليات الاخراج في الاحالة الى الغموض الصوتي، والسبك الدرامي الخلاق، وتعمد ابتكار الصمت للايحاء بالحوار الداخلي للرموز المتحركة على مسرح الاحداث، وربما تبدو شخصية الممثل الامريكي: مات ديــلــون، والذي رشحه النقاد لجائزة افضل ممثل ثانوي في الفلم لعام 2004 عن هذا الفيلم، هي الاقرب الى تجسيد هذا العصاب العنصري، وبملاحمه القاسية وتصرفاته الهوجاء، التي تمثل فكرتنا عن الرجل الابيض، كما عهدناه في ادبياتنا المتأخرة، وعلى انه رجل اناني – عابث – قاس – متجاهل وهو في الآخر عنصري بالرغم عنه، والذي يعبر عنه نقاد الفيلم على انه الميول الجامح الى الآخر، الذي هو غير معرف اصلا، فمات ديلون، يمثل دور ضابط في الشرطة الامريكية، لكنه يميل الى اهانة واستفزاز اناس بسطاء، اكثر ابداعا منه على مسرح الحياة اليومية، وعند الولوج الى قمة الاحداث نجــد ان مات ديلان، يعاني من ارهاصات اجتماعية في عوق والده وعدم قدرته على سداد عملية الجراحية وهو ما يجعله عنيفا يثير استجداءه الموافقة الطبية من امرأة ملونة، كل الحقد على الملونين، وهو تبرير آخر، عبر وجود عصابات من السود تستهدق البيض حصراً، وهناك مالك المحل الايراني الذي يحاول قتل مكسيكي لانه تعرض للسرقة بسببه، لكن الجميع على مسرح الاحداث ابرياء، فرجل الشرطة ينقد المرأة التي تحرش بها، والايراني لا يكاد يصل بيته حتى يبكي من محاولته قتل عامل مكسيكي لا ذنب له، في حين يكتفي رجل الشرطة الاسود بذكرى اخيه القتيل في شوارع مظلمة.

فاذا كانت مسودة الرئيس الامريكي السابق جيفرسون في الحقوق الدينية والعرقية سابقة تأريخية، كما في قوله: ” ان امريكا تفتح احضانها للقادمين إليها من المسلمين واليهود والوثنين والمسيحيين على حد سواء”. فان التفاعل العنصري اذا صح التعبير، وكما يصوره الفيلم – الإصطدام – ما هو إلا صراع طبقي – عرقي – لا دخل للعنصرية الاممية فيه، فهنا يؤدي الجميع دور العنصري، في النظرة والفكرة والتصور والارتكاب، لكن الاختيار الاجمل في النهايات التي قــد تأتي دمويه احيانا، وقد تأتي مفتوحة ايضا، على الافق، لجذب اطراف الحوار والنزاع، في مجتمع، يبدو كبيرا للقادمين الجدد، لكنه صغيراً جداً، حين تبدأ حركات رسم الاحلام والامنيات، والفلم يأتلق بالفنانة الكبيرة ساندرا بولوك، والممثل القدير دان شيدل.

حصل الفلم حال عرضه على جوائز افضل صورة وافضل قصة وافضل انجاز فني. وهو فلم درامي ويضفي جماليات في الاثاره والعنف والحوار المعمق والمنـتـقى بدقة، من قبل الكاتب والمخرج هاكيس. كما ان الفلم يزدهي بالموسيقية المبدعة كاثلين يورك التي رشحت للاسكار بذات الفلم، لجائــزة افضل موسيقى تصويرية. ويختم الفلم معالجاته بنهايات مفتوحة، قصداً للاجهاز على الحلول المرتجلة، واستباق الآراء بالوعي الآخر، التفكير الجمعي، في ان الارض للجميع والعكمل للجميع والحرية من حق الجميع.