التكريم الشجاع والمبادرات الخجولة
محمد رشيد
iraqish1999@yahoo.com
تكريم المبدعين في حياتهم خطوة شجاعة وإرادة صادقة ومثمرة أما تكريمهم بعد الوفاة فهي مبادرة خجولة وإحساس بالندم،عدد كبير من المؤسسات التي أعلنت تكريم المبدعين اللذين تسامت أرواحهم إلى السماء لأسباب ما لكن للأمانة التاريخية أقول أن التكريم بعد الوفاة لا قيمة له عند المبدع الراحل كما اشجب المؤسسات التي عبرت عن حزنها بطريقة بائسة جدا من خلال تعليق قطعة قماش سوداء على بناياتها ولم تكلف نفسها يوما حتى باستضافة المبدع في حياته. حينما يكرم المبدع في حياته تعد خطوة شجاعة ولها أهمية كبيرة عند المبدع وتكريم حقيقي له ولاسيما عندما يشارك المبدع المحتفى برسم سيناريو تكريمه من حيث اختياره زمان ومكان التكريم كذلك اختيار أسماء المدعوين وانتقاء أسماء النقاد الذين يتحدثون عن تجربته أثناء حفل تكريمه كما حققته أسرة دار القصة العراقية وأسرة جائزة العنقاء الدولية بحق المبدعين الذين كرمتهم منذ عام 2000 والى الآن. تعد دار القصة العراقية المؤسسة الثقافية السباقة في تكريم المبدعين الأحياء على مدى 14 سنة على الرغم من الصعوبات والمعوقات التي وضعت عمدا في طريقها، لقد كرمت ضمن مسيرتها بحدود 120 مبدع عراقي في مختلف الاختصاصات و110 امرأة عراقية متميزة و30 مبدع ومبدعة عربية و11 مبدع ومبدعة من غير العرب بضمنهم 12 شخصية مبدعة تم تكريمهم قبل وفاتهم هم (الكاتب المسرحي محي الدين زنكنه في ديالى 2001 – الناقد عبد الجبار داود البصري في بغداد 2002- الفنان عبد الخالق المختار في بغداد 2002- الروائي الإيراني محمود دولت آبادي الملقب (نجيب محفوظ إيران) في طهران 2003 – الشاعر شيركو بيكه س في السليمانية 2005- الروائي فؤاد التكرلي في دمشق 2005- الفنان السوري طلحت حمدي في دمشق 2005- القاص جليل القيسي في كركوك 2006- الموسيقار غانم حداد في عمان 2007- الناقد الموسيقي عادل الهاشمي في العمارة 2007- الفنان المصري سعد اردش في القاهرة 2008 – الكاتب المصري محمود أمين العالم في القاهرة 2008- المؤرخ حسين أمين في القاهرة 2008). وكان لي الشرف في الترشيح والتنسيق وحضور احتفاليات ومراسم تكريمهم وقد تلمست عن قرب فرحة هؤلاء المبدعين حينما تم تكريمهم كما أرادوا وخططوا له وكنت شاهدا على فرحتهم بجوائزهم أمام أصدقائهم وعوائلهم ومحبيهم، الكاتب محي الدين زنكه نه أراد تكريمه في اتحاد أدباء ديالى بحضور أصدقاءه الناقد الدكتور عناد غزوان والناقد سليمان البكري والكاتب عبد الحليم المدني، الروائي الإيراني محمود دولت آبادي اخبرني أن يكون تكريمه في بيته أمام زوجته فقط لأنه وكما اخبرني انه يرى العالم كله بعيون زوجته، الروائي فؤاد التكرلي أحب ان يكون تكريمه في بيته في دمشق أمام زوجته (رشيدة) أيضا، الشاعر شيركو بيكه س طلب مني ليكون تكريمه مع صديقه القاص رؤوف بيكرد في السليمانية ضمن فعاليات مهرجان كلاويز أمام عدد كبير من الأدباء العراقيين والعرب والأجانب، الموسيقار غانم حداد اقترح أن يكون تكريمه مع قارئ المقام حسين الاعظمي في الأردن في قاعة خلده، الناقد الموسيقي عادل الهاشمي أحب أن يكون تكريمه في العمارة مع صديقه المخلص ناظم السعود في مقر دار القصة العراقية، الفنان عبد الخالق المختار اقترح أن يكون تكريمه في مقهى الشاهبندر في شارع المتنبي في بغداد مع الفنان عزيز خيون والمخرج فارس طعمه التميمي والكاتب علي صبري وباقي أسرة المسلسل (مناوي باشا)، الفنان سعد اردش أحب أن يكون تكريمه في القاهرة واستلمت جائزته الفنانة القديرة سميحة أيوب ولم يحضر وقتها لتعرضه إلى وعكة صحية ألزمته الفراش،الكاتب محمود أمين العالم أيضا بسبب مرضه استلمت جائزته ابنته (شهرة)، المؤرخ حسين أمين استلمت جائزته واحدة من أسرته وكانت الاحتفالية في القاهرة (افتتاح مهرجان العنقاء الذهبية الدولي الرحال) في دورته الثانية عام 2008،الناقد عبد الجبار داود البصري استلم جائزته دون احتفالية وكان تبريره أنه (يخشى علينا) من أعداء النجاح لان في وقتها كانت حملة إعلامية كبيرة ضد دار القصة، الفنان السوري طلحت حمدي بعد ثلاث لقاءات معه في دمشق استلم جائزته دون احتفالية واخبرني بأسف أن الوضع (غير مناسب امنيا) في سوريا ولاسيما بعدما حققنا نشاطا ثقافيا في قاعة غسان كنفاني مما تم استدعاء بعض الحضور للتحقيق، القاص جليل القيسي اختار بيته للتكريم وأحب حضور صديقه الحميم المخلص القاص رعد مطشر وشخصية نسوية من كركوك فقط أتذكر وقتها نطق جملة إلى الآن تسبح في فضاء ذاكرتي حينما قلدته بقلادة العنقاء رددت ما كتب في شهادة الجائزة: (هنيئا للمبدع جليل القيسي الذي تيمم بتراب الوطن وتوضأ بنور الحرف وصلى بمحراب الكلمة) هنا اغرورقت عينا القديس جليل القيسي بدموعه الطاهرة ومسك القلادة وقال: (الآن الآن فقط شعرت وتلمست ثمار قصصي) هذه الجملة التي سمعتها وكلام آخر قيل بحق جائزة العنقاء الذهبية الدولية كان دافعا قويا لي ولأسرة العنقاء لكي نبقى أمناء دائما على أن تبقى جائزة العنقاء رصينة… مستقلة… غير مسيسة… نقية… طاهرة كما أرواح المبدعين اللذين كرموا بها.