التقارب التركي – السوري ضرورة أم تكتيك ؟ – عبد الجبار الجبوري
يسعى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ، ومنذ أشهر الى تطبيع كامل للعلاقات مع الرئيس السوري بشار الاسد،من خلال قنوات اعلامية ،على شكل إرسال شفرات وتصريحات، أو على شكل وساطة،يقوم بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين،فماهي حقيقة هذا المسعى، هل هو تكتيك إنتخابي للرئيس أردوغان، بعد أن حاصرته (المعارضة الداخلية) بورقة النازحين السوريين في تركيا،أم أن الرئيس أردوغان ،يريد أن يطوي صفحة الملف السوري، ويسلمه للنظام السوري، بعد أن فشل في شن هجوم عسكري بطلب وضغط أمريكي،يضمن ترحيل السوريين من تركيا داخل الاراضي السورية ،بعمق ثلاثين كيلومتر،قبل الإنتخابات البرلمانية العاصفة المقبلة،أعتقد أن تركيا لن تتخلى عن محاربة القوات الكردية الخاصة(قسد) بهذ السهولة.
خطر حقيقي
وتترك أمرها للنظام السوري،إلاّ حين أدركت خطورة حزب العمال الكردستاني التركي،(البككا)،الذي أخذ يشكل خطراً داهماً وحقيقياً، في سنجار وجبال قنديل ومتين ،والحدود مع العراق وشمال سوريا،بعد أن تمكن حزب العمال أن يجد له أكثر من حليف في العراق وسوريا،يتكيء عليه، ويزوده بالسلاح والعتاد والمعلومات الاستخبارية ،ويوفر له مايريد، وخاصة أنفاق جبل سنجار وماحولها، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، أن تركيا ووأردوغان ، قد أنتهج مؤخراً طريقاً براغماتياً في إعادة النظر في علاقاته الخارجية،وهي التصالح مع الجميع،بمن فيهم إسرائيل، من أجل المصالح التركية الاستراتيجية، وما يوجهه الرئيس اردوغان من معارضة عنيفة من داخل حزبه ومن معارضيه السياسيين، فأعاد العلاقات الدبلوماسية مع مصر وقطر والشعودية واسرائيل ودول الاتحاد الاوروبي واليونان وروسيا وفرنسا وغيرها، بعد قطيعة وصلت الى إعلان الحرب مع بعض الدول مثل اليونان وروسيا والمانيا،وهذا أعتبره حكمة ودهاء من اردوغان ،في مواجهة خصومه وترويضهم ومن ثم مصالحتهم، من اجل تركيا،لم تبق إلاّ سوريا كي يطبع العلاقة معها، ولكن الملف السوري معقد جداً ومليء بالمفخخات ،امام الرئيس اردوغان، يحتاج تقديم تنازلات حقيقية ،للنظام السوري، الذي لم يكن مهتماً لتطبيع العلاقة مع تركيا، لقناعته ان تركيا غارقة في مستنقع سوريا، الشديد التعقيد، فهناك فصائل مسلحة متحاربة هناك على النفوذ والسيطرة، منها تنظيم داااعش والجيش الحر والقوات الكردية قسد والبككا (التي تهدد حدود تركيا )، وتنظيم الشام، وحزب الله والحرس الثوري الايراني وفصائله ،والجيش الروسي،كل هذه الاطراف تتصارع من اجل النفوذ، ولهذا تواجد الجيش التركي والموالون له في شمال سوريا، يجعل تركيا في موقف حرج جدا،هل تتخّلّى عن المعارضة السورية المسلحة ، وتسلمها للنظام السوري، تواجه مصيرها بنفسها، أم تتركها تواجه التنظيمات المتطرفة كتنظيم الشام ودااااعش وقسد وغيرها،وفي هذه الحالة ،توفر فرصة ذهبية للبككا وقوات قسد لتتمّدد الى داخل العمق التركي ،وتعلن عن دولتها الحكم الذاتي، إذن لاطريق أمام تركيا،إلاّ بالتنسيق والتفاوض مع النظام السوري حول هذه الملفات الشائكة والعويصة ، كي تخرج من الاراضي السورية بماء الوجه ، وتضمن عدم تهديد حدودها مع سوريا،من قبل البككا وقسد وغيرها،لهذا تأتي مبادرة الرئيس أردوغان للقاء الرئيس السوري بشار الاسد ،في وقت شديد الحساسية والحراجة للطرفين، لاسيما وأن المنطقة مرشحة لتغييرات جيوسياسية ،وسوريا تواجه خطر التقسيم وتهديد الفصائل المتطرفة ، وتعيش أوضاعاً إقتصادية بالغة الخطورة والصعوبة، فالطرفان التركي والسوري ،هما بحاجة ماسة لإعادة العلاقات وتطبيعها من اجل مصلحة البلدين،ونعتقد أن الطرفين سيكون التوافق بينهما بخصوص مستقبل المعارضة ،والفصائل هو محور اللقاء والتفاوض بما يضمن وحدة سوريا ، وضرورة مواجهة الارهاب وتجفيف منابعه ،بالتعاون مع الادارة الامريكية وروسيا وايران ، كل من زاويته ، ومصلحته في سوريا، ولابد للطرفين من تقديم تنازلات على الارض ،لكي تصل المفاوضات الى غاياتها، في فرض الأمن والاستقرار في شمال سوريا عموماً، وإخراج الجيوش الوافدة كلها مع فصائلها، ومواجهة الإرهاب سوية ،والذي يهدد جميع الأطراف، بل تواجد روسيا وإيران وفصائلها وأتباعها، هو واحد من أسباب التدخل الخارجي في سوريا،الذي عقد المشهد المأساوي هناك،وفرّخ تنظيمات ارهابية متعددة الرؤوس،نعم التقارب التركي – السوري، له اهمية كبرى في اعادة المنطقة الى الامن والسلام ، ورفض التدخلات الاجنبية الخارجية، ذات الاجندات والمشاريع المشبوهة في المنطقة،فعودة المهجّرين والنازحين السوريين ،أمر هام جداً كشرط أساسي لتطبيع العلاقات، وتفاهم المعارضة السورية مع النظام ،يقطع الطريق امام التدخل السلبي لايران وروسيا وامريكا في الاراضي السورية،وحصر التنظيمات الإرهابية في زاوية ،دون دعم هو مايجعل من إعادة الأمور الى طبيعتها أمر سهل ومتحقق.
مصلحة البلدين
وما عدا ذلك يمكن التوافق عليه، لخدمة مصلحة البلدين، إن الوسيط الروسي في هذه المفاوضات وعرّابها الرئيس بوتين، أول من سيجني ثمار الإتفاق هذا، بضمان بقاء القواعد الروسية على البحر ،لهذا يمكن القول ان التقارب التركي –السوري هو ضرورة لعودة العلاقات وانهاء حالة الحرب واللاحرب في سوريا، وتمكيّن الشعب العربي السوري من إعادة نازحيه ومهجريه، وضمان حياتهم المعيشية التي أنهكتها الغربة والمنافي القاسية، حيث الملايين تحتضنهم الدول الاوروبية ، ويشكلون عبئاً عليها،نعم لإعادة العلاقات التركية مع سوريا، ومحاصرة الإرهاب هناك ،أمر في غاية الضرورة، لاسيما وإن جاويش أوغلوا وزير خارجية تركيا قد صرّح أمس قائلاً (سنسلّهم الأراضي التي تسيّطر عليها تركيا وأتباعها للنظام السوري)، وهي إشارة واضحة ،بعدم وجود نوايا وأطماع مسبّقة لتواجد تركي طويل الأمد في سوريا،وهذه إشارة وبادرة تطمّين للنظام السوري، للاسراع في إجراء لقاء عاجل مع الرئيس اردوغان لانهاء معاناة أهلنا في داخل وخارج سوريا، وضمان وحدة الأراضي السورية ، التي مزقتها التدخلات الخارجية والارهاب،أجزم أنّ لقاء الطرفين، هو مفتاح فرض الأمن والإستقرار وعودة النازحين، وخضوع النظام السوري لطلبات النازحين، وتوفير العيش الرغيد لهم ،وطي صفحة الماضي بكل الآمها ومأسيها وجراحاتها،واحدة من أسباب نجاح التفاوض، وقد صرّح المسؤلون السوريون بذلك ،واعتقد عملية فرض السلام في سوريا، هي جزء من عودة الأمن في المنطقة وإبعادها من الإحتراب والصراع ، وهذا لايحققه الأجنبي، بل تحققه شعوب المنطقة ،بثورتها على حكامها ،ممن هم ينفذون أجندة الأجنبي ،وطرد العملاء وخونة الاوطان ، ممن تسبّبوا بقتل وموت الملايين من أبناء جلدتهم ،وأدخلوا الارهاب الى بلدانهم ،لذلك نرى ان اي تقارب اقليمي، يضمن فرض الامن وعدم التدخل في شؤون الدول المجاورة، هومكسب للمنطقة كلها، وإزالة بؤر التوتر ،وفرض الإستقرار هو من واجب الحكام ، لأن واجب الشعوب ،الثورة على الحكام والعملاء والخونة والذيول، ننتظر الأيام القادمة ،لنرى ما ستؤول إليه الآمور،ويتحقق من لقاء أردوغان – الأسد ،برعاية روسية ، ومراقبة ومباركة، أمريكية واضحة ،تدلُّ على علامة الرضا والقبول …ففي السياسة هناك شعار لاعداوات دائمة ،بل مصالح دائمة.