التغيرات السياسية في تل أبيب تنعكس علي عملية السلام مع الفلسطينين

التغيرات السياسية في تل أبيب تنعكس علي عملية السلام مع الفلسطينين
تكتل الليكود قاد حملة لبناء المستوطنات في الضفة الغربية منذ عام 1967

لندن ــ رام الله ــ الزمان
خلفية تاريخية

منذ عام 1967 عملت حكومات اسرائيل جاهدةً علي بناء وتوسيع المستوطنات، سواء من حيث توسيع رقعتها او زيادة عدد سكانها. نتيجة هذه السياسة، يعيش اليوم حوالي 380،000 مستوطن اسرائيلي يحملون الجنسية الاسرائيلية، في مستوطنات الضفة الغربية وشرقي القدس «التقرير لا يشمل المستوطنات في قطاع غزة».
في العقد الاول للاحتلال، عملت حكومات حزب العمل «المعراخ» بموجب “خطة ألون”، التي توصي ببناء مستوطنات في مناطق ذات “اهمية امنية” والتي فيها كثافة سكانية فلسطينية منخفضة، مثل غور الاردن، اجزاء من جبال الخليل، القدس وضواحيها. مع اعتلاء حزب التكتل «الليكود» للحكم في عام 1977، بدأت الحكومة ببناء مستوطنات في جميع انحاء الضفة الغربية، خاصة في المناطق التي يتركز فيها الفلسطينيون، علي قمم الجبال وفي المناطق الواقعة غربي خط رام الله ــ نابلس. هذه السياسة تنبع من دوافع امنية وايديولوجية معاً. حسب بتسيلم ــ مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة.
العملية السياسية بين اسرائيل والفلسطينيين لم تؤثر علي عملية الاستيطان، حيث استمرت عملية توسيعها حتي في عهد حكومة رابين وبيريس «1996 ــ 1992»، والحكومات التي اتت بعدها. حيث قامت هذه الحكومات ببناء الآف الوحدات السكنية معللة ذلك بضرورات للتكاثر السكاني للمستوطنين. نتيجة لهذا، ازداد عدد المستوطنين الضعف تقريباً في الفترة ما بين 2000 ــ 1993.
القانون الدولي
بناء المستوطنات في الضفة الغربية يعد خرق للقانون الدولي الانساني، الذي ينص علي القوانين والنظم المتبعة في اوقات الحرب والاحتلال. بل ويعد هذا ايضاً خرق لحقوق الانسان المتعارف عليها بموجب القانون الدولي.
القانون الدولي الانساني يمنع الدولة المحتلة من نقل مواطنيها الي المناطق التي قامت باحتلالها «بند 49 لاتفاقية جينيف الرابعة». بالاضافة الي ذلك تنص انظمة “هاج” علي منع الدولة المحتلة من اجراء تغيرات دائمة في الاراضي المحتلة، باستثناء تغيرات ضرورية لحاجات عسكرية او لصالح السكان المحليين. بناء المستوطنات يمس بحقوق الفلسطينيين، المنصوص عليها في القانون الدولي فيما يخص حقوق الانسان. من بين الحقوق المنتهكة، الحق بتقرير المصير، حق المساواة، حق الملكية، الحق لمستوي لائق للحياة وحق حرية التنقل.
حقيقة كون المستوطنات غير شرعية وغير قانونية بموجب القانون الانساني الدولي، لا تؤثر علي مكانة المستوطنين الذين يسكنوها، حيث يعتبرون سكان مدنيين يحق توفير الحماية اللازمة لهم. وحقيقة كون المستوطنين جزء من قوات الامن الاسرائيلية، من المفروض ان لا تؤثر علي بقية المستوطنين المدنيين.
آلية الاستيلاء علي الاراضي
بواسطة آلية قضائية بروقراطية معقدة، استولت اسرائيل علي حوالي %50 من مساحة الضفة الغربية، وكان هذا بالاساس لبناء المستوطنات وتحضير احتياط في حالة ضرورة توسيعها.
الاعلان عن الاراضي كاراضي دولة وتسجيلها علي هذا الاساس، هي الطريقة المركزية للاستيلاء علي الاراضي. هذاالاجراء بدأ اتباعه في عام 1979 واستند علي تطبيق قانون الاراضي العثماني من عام 1858، الذي كان ساري المفعول عشية الاحتلال. طرق اخري اتبعتها اسرائيل للاستيلاء علي الاراضي، والتي تستند علي اساس قضائي، هي طريقة اعلانها مناطق عسكرية، اعلان عنها “ممتلكات متروكة” ومصادرة اراضي لاحتياجات جماهيرية. بالاضافة الي ذلك، ساعدت اسرائيل مواطنين افراد علي شراء اراضي في السوق الحرة.
الاستيلاء علي الاراضي تم بمخالفة القوانين الاساسية لأي اجراء عادل. حيث في الكثير من الاحيان لم يعرف الفلسطينيون بان اراضيهم قد تم تسجيلها علي اسم الدولة، ولما عرفوا بذلك كان موعد تقديم الاعتراض متأخراً، بل وواجب الاثبات وقع دائماً علي الفلسطينيين الذين يدعون بان الاراضي ملكاً لهم، ولو نجح صاحب الارض باثبات ملكيته للارض، في بعض الاحيان تسجل الارض باسم الدولة بادعاء ان هذه الارض قد تم تسليمها للمستوطنة “بحسن نية”. كل هذه الطرق تصب في هدف واحد: بناء مستوطنات مدنية في الاراضي المحتلة. لذلك، فان الطريقة التي يتم بها نقل الملكية علي الاراضي من الفلسطينيين الي الاسرائيليين ثانوية. اضافة الي ذلك، بما ان الهدف غير مشروع حسب القانون الدولي، اي بناء المستوطنات، فان تحقيق هذا الهدف غير مشروع ايضاً.
استخدام الاراضي كان مقصوراً علي المستوطنات، بل ومنعت اسرائيل الفلسطينيين من استعمالها لأي غرض كان. هذا الاستخدام مرفوض وغير قانوني، بغض النظر عن قانونية اجراء الاستيلاء وانه بموجب القانون الدولي والقانون الاردني. كون اسرائيل القوة المحتلة للاراضي، فانه يترتب عليها الاحذ بعين الاعتبار احتياجات الفلسطينيين عند استعمالها لاراضي عامة.
في غالبية الاحيان تعاونت محكمة العدل العليا مع آلية الاستيلاء علي الاراضي، وساعدت بخاق رداء قانوني لهذه الاجراءات. في بادئ الامر قبلت محكمة العدل العليا ادعاء الدولة بأن الحتياجات العسكرية الملحة وسمحت للدولة بمصادرة اراضي يمتلكها سكان فلسطينيون لاقامة هذه المستوطنات. ورفضت محكمة العدل العليا التدخل لمنع اجراء الاعلان عن الاراضي كاراضي دولة.

سياسة ضم الاراضي والحكم المحلي
قامت سلطات الحكم الاسرائيلي بتطبيق معظم القوانين الاسرائيلية علي المستوطنات والمستوطنين، وبهذا ضمتهما، عملياً، لدولة اسرائيل. هذا علي الرغم من ان الضفة الغربية، رسمياً ليست جزءاً من اسرائيل والقانون الساري بها هو القانون الاردني والعسكري. ونتيجة هذا الضم، نشات في الاراضي المحتلة سياسة الفصل المبني علي التمييز، كما اكتسبت هذه السياسة وضعاً قانونياً. وفي هذا الاطار يوجد جهازان قضائيان منفصلان في نفس المنطقة، تحدد بموجبهما حقوق الفرد حسب انتمائه القومي. الحكم المحلي في المستوطنات يعمل علي غرار الحكم المحلي داخل اسرائيل ويعمل بصورة مشابهة، ويتجاهل القانون الاردني الذي من المفروض ان يكون هو الساري في الضفة الغربية. هنالك 23 سلطة محلية يهودية في مناطق الضفة الغربية: ثلاث بلديات، 14 مجلس محلي وستة مجالس اقليمية، يقع تحت سلطتها 106 مستوطنة معترف بها كبلدن منفصلة. بالاضافة الي ذلك بنيت 12 مستوطنة في المناطق التي ضمت الي القدس عام 1967، وعلي هذه المستوطنات يسري القانون الاسرائيلي بشكل رسمي. مناطق النفوذ التابعة للسلطات المحلية اليهودية، تشمل بشكل عام مناطق واسعة عدا عن المناطق المبنية، هذه المناطق حسب الاوامر العسكرية معرّفة “منطقة عسكرية مغلقة”. حيث الدخول اليها محظور علي الفلسطينيين دون تصريح من القائد العسكري الاسرائيلي. في الوقت الذي يمنع دخول الفلسطنيين الي هذه المناطق، مواطنون اسرائيليون، يهود من انحاء العالم وحتي السياح يسمح لهم بالدخول دون الحاجة لتصريح خاص.

تشجيع الهجرة للمستوطنات
قامت حكومات اسرائيل، وما زالت هذه الايام باتباع سياسة منهجية مشجعة لهجرة المواطنين الاسرائيليين الي الضفة الغربية. من اجل ذلك، قامت هذه الحكومات بمنح مكافآت ومحفزات اقتصادية مباشرة للمواطنين او للسلطات المحلية اليهودية، ذلك من اجل رفع مستوي حياة هؤلاء المواطنين بغرض تشجيع الهجرة للمستوطنات.
معظم المستوطنات، في الضفة الغربية، معرّفة كمناطق افضلية قومية «مناطق تطوير» “أ” او “ب”. وهذا التعريف يضم المستوطنين، مواطنين اسرائيليين يعملون في المستوطنات او استثمروا بها، هؤلاء يتمتعون بمكافئات مالية كبيرة. ستة وزارات تقوم بمنح هذه المكافائات، وزارة الاسكان «قروض كبيرة لمشتري الشقق، جزءاً من القروض يتحول الي منحة»، مديرية ادارة اراضي الدولة «تخفيضاً كبيراً بأيجار الاراضي». وزارة التربية «محفزات للمعلمين، اعفاء من دفع قسط التعليم في رياض الاطفال وسفريات مجانية للمدارس»، وزارة الصناعة والتجارة «منح للمستثمرين، بني تحتية لمناطق صناعية الخ …». وزارة العمل والرفاه «محفزات للباحثين الاجتماعيين» ووزارة المالية «تخفيضات في ضريبة الدخل للافراد والشركات». تمنح وزارة الداخلية السلطات المحلية في الاراضي المحتلة منح كبيرة مقارنة مع تلك المعطاة للسلطات المحلية داخل اسرائيل. في عام 2000 كان معدل المنحة المعطاة للفرد الذي يسكن في مجلس محلي «يهودي» في الضفة الغربية، اكثر بحوالي %65 من المنحة المعطاة للفرد الذي يعيش ضمن اطار مجلس محلي داخل اسرئيل. وفي عام 2000، كان معدل المنحة المعطاة للفرد في مجلس اقليمي في الضفة الغربية اكثر بحوالي %165 من فرد في مجلس اقليمي داخل اسرائيل.
بعد التوقيع علي الاتفاقية المرحلية في 1995، تسلّمت السلطة الفلسطينية صلاحيات التخطيط والبناء في مناطق “أ” و “ب”، والتي تشكل حوالي %40 من مساحة الضفة الغربية. علي الرغم من أن الأغلبية العظمي للفلسطينيين تسكن في هاتين المنطقتين، الاّ أن الأراضي الشاغرة للبناء في عشرات القري والبلدات الفلسطينية في أرجاء الضفة الغربية، موجودة في اطراف هذه البلدان والمعرّفة حسب الاتفاقيات كمنطقة “ج”، التي تقع تحت سيطرة عليها اجهزة التخطيط الاسرائيلية.

تحليل لخريطة الضفة الغربية
تحليل الخريطة من حيث الانتشار الجغرافي للمستوطنات وتأثيرها علي السكان الفلسطينيين، يعتمد علي تقسيم الضفة الي أربع مناطق؛ ثلاث قطاعات طولية «الممتدة من الشمال الي الجنوب» ومنطقة القدس، التي لها ميزات خاصّة. تم هذا التقسيم فقط للقيام بتحليل الخارطة حيث لا توجد بها أي أهمية قانونية بيروقراطية. في كل واحدة من هذه المناطق يجب التمييز بين ثلاثة أنواع من المناطق: المنطقة المبني عليها المستوطنة، المناطق التي تحيط بالمستوطنة والخاضعة للحدود البلديّة للمستوطنة، المناطق المعرفة كمناطق نفوذ المجالس الاقليمية وغير التابعة لمستوطنة معينة.
يشمل القطاع الشرقي، غور الاردن وشاطئ البحر الميت. يسكن هذه المنطقة حوالي 5400 مستوطن، معظمهم في كيبوتسات وقري صغيرة. باستثناء جيب اريحا، تقع بقية منطقة القطاع تحت نفوذ المجالس الاقليمية: عربوت هيردين و مجيلوت، والتي تضم أكثر من 1.2 مليون دونم. المساس بالفلسطينيين، نتيجة وجود المستوطنات علي هذه الاراضي، تكمن بالأساس في تقليص امكانيات التطور الاقتصادي بشكل عام، والتطور الزراعي بشكل خاص. وذلكا نتيجةً لسلب الفلسطينيين وحرمانهم من مصدرين مهمين من أجل التطوير وهما: الارض والماء.
يتواجد قطاع “ظهر الجبل” في قمم سلسلة الجبال التي تقطع الضفة الغربية. تم بناء معظم المستوطنات هذه بمبادرة منظمة جوش امونيم . يسكن في هذه المستوطنات حوالي 34000 مستوطن. ينتشر جزء من المستوطنات علي شكل سلسلة، ممتدة علي طول شارع رقم 60، حيث يعد هذا الشارع كمحور المواصلات الرئيسي الذي يصل شمال الضفة بجنوبها. لتأمين أمن المستوطنين في هذه المنطقة يقوم الجيش الاسرائيلي بفرض قيود صعبة مما يحد حرية التنقل للفلسطينيين علي هذا المحور، الأمر الّذي يعرقل سير حياتهم الطبيعية لهم. بالأضافة لذلك، تمنع هذه المستوطنات، بعدّة طرق، التطور المدني للمدن الفلسطينية الكبيرة الموجودة علي طول قطاع الجبل «الخليل، رام الله، نابلس وجنين».
تمتد قطاع التلال الغربية من الشمال للجنوب علي مساحة عرضها من 20 ــ 10 كم. قرب مستوطنات هذه المنطقة، الي الخط الاخضر ولمراكز المدن في اسرائيل، حوّلها لمناطق مفضلة من قبل الاسرائيليين. يسكن هذه المستوطنات حوالي 85000 مستوطن. تمس المستوطنات بامكانية التطوير المدني والاقتصادي للبلدان والقري الفلسطينية، بسبب مصادرة الاراضي من حول هذه الاخيرة. بالاضافة لذلك ، وبعد تسلم السلطة الفلسطينية الصلاحيات ضمن اتفاقيات اوسلو، نتج عن هذه العملية اكثر من 50 جيب مصنفة مناطق “ب” وبعض الجيوب مصنفة مناطق “ا”. تحاط هذه الجيوب من جميع الاتجاهات بمناطق “ج” التي بقيت تحت سيطرة اسرائيلية كاملة. فوجود المستوطنات يقطع اوصال الامتداد الاقليمي بين القري، البلدات والمدن الفلسطينية الممتدة علي طول هذا القطاع.

/2/2012 Issue 4119 – Date 11- Azzaman International Newspape

جريدة «الزمان» الدولية – العدد 4119 – التاريخ 11/2/2012

AZP07