التشكيلي سيد هويدي لـ (الزمان): العمل الفني تفاعلي ينتهي بإنتهاء عرضه
غادة قدري
القاهرة
– يبحث عن قيم جمالية جديدة
– الالوان هي لغة الفن التشكيلي البصري والجميل
– المصريون يمتلكون جذوة الإبداع في جيناتهم
– تأثرت بمنهجية نجيب محفوظ في إدارة الوقت
– جدران الطبقة الوسطى في مصر تصدعت بفعل سياسات الانفتاح
صاحب رسالة يود إيصالها للجمهور، يحمل على عاتقه هم إعادة قيم الجمال والنهوض بتقدير الفن والإبداع، مؤمنا بقيمة الفنان كحلقة وصل تحترم ذائقة الجمهور وارضائهم ومخاطبتهم من خلال ريشة ، يحزنه كثيرا انصراف الناس عن تأمل الإبداع، إلى ذلك فهو يروج لمفهوم الحداثة في الفن كمفهوم حضاري في زمن الدفاع عن الهوية، ولكن من خلال اجراءات تقنية يتم من خلالها إعادة صياغة واقع موجود بالفعل وتناوله بشكل يليق بعصر وزمن متحضر لا يمكنه الإنفصال عن العلم والتكنولوجيا؛ انه الفنان التشكيلي سيد هويدي الذي التقته (الزمان) فكان معه هذا الحوار:
{ بداية من هو الفنان التشكيلي سيد هويدي نريد تعريفا شاملا للقراء؟
– فنان تشكيلى، أكتب عن الفن، منذ منتصف الثمانينيات، في الصحف والمجلات المصرية والعربية والأجنبية، وفق منهج وحس اجتماعى، يجمع بين التأكيد على المكونات الاساسية لثقافة الامة، وحوارها مع العالم، والكشف عن البعد الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، في العملية الإبداعية، بهدف الاعتراف بدور الإبداع في المجتمع، أعطى للمكونات الاساسية في المجتمع الحق في التواجد ضمن الدوائر الفنية، على نحو تنويري، يقترب من الميراث العريق للأمة المصرية والعربية.
أجد في الفن وسيلة للتواصل مع الناس، وأراهن على أن المصرين يمتلكون جذوة الإبداع في جيناتهم، وهويتهم تنطوي على تنوع خلاق، ومثير ومؤثر، يحكمه تعدد الطبقات الحضارية، والنسيج البشرى صاحب التجربة الانسانية العميقة.
أؤمن بأن الصيغ والمسارات الجذابة للكتابة عن الفن، قد تسد الفجوة بين فن رفيع وجمهور متعطش للثقافة الفنية.
عملت كمدير تحرير مجلة الخيال، ومديرا لتحرير مجلة آفاق الانترنت، أول مجلة عربية في مجال الانترنت، والتي صدرت بالكويت، رئيس القسم الفني لإصدار دليل الكويت، مؤسس صفحة جاليري بجريدة روز اليوسف اليومية.
وأسهمت في العمل العام من خلال، عملت كمدير فنى لقطاع الفنون التشكيلية. والمشرف العام المركز الثقافي بمتحف احمد شوقي (كرمة بن هانئ). المشرف العام على مركز سعد زغلول الثقافي، ومديرا عاما للمكتبات، بهيئة قصور الثقافة.
حصلت على جائزة صالون الشباب الثالث ( عمل مركب). وجائزة الإبداع من قطاع الفنون التشكيلية عن بحث بعنوان ثورة الشكل، وجائزة الشارقة للنقد التشكيلي عن بحث (صراع الهوية في زمن الحداثة).
{ كيف كانت بداياتك مع الفن التشكيلي؟
– كان ابن عمى (مهندس معمارى الآن) يرسم يوميا بعد انتهائه من مذاكرة دورسه، كما كانت اختى الكبيرة ترسم على نحو رائع، يبدو ان تلك الاشارات المبكرة، هى الشرارة التى ايقظت كامن حب الرسم، والفن عامة، وعندما منعى والدى من التقدم الى معهد السينما لدراسة التصوير السينمائى، أصبح من نصيبى بعد خيبة الامل القوية ان رست الامور على كلية التجارة الخارجية، ولما حصلت مع فريق الفنون التشكلية بالكلية على مركز متقدم فى المسابقة السنوية، ثم اتجهت لدراسة الفن بكلية الفنون الجميلة بالقسم الحر لمدة خمس سنوات، ثم حصلت على جائزة اول جامعات مصر عام 1983 عن لوحة المدينة، وفى السنة التالية عن لوحة الفارس.
مع بداية الثمانينيات قررت مع مجموعة من الزملاء ان يكون للفن دور فى المجتمع، اعتمادا على مقولات ماركس، باعتبار الفن له وظيفة اجتماعية، فرسمنا معاناة الناس، ورؤى وافكار سياسية، كوسيلة لتثقيف الناس بالفن، وبالفعل أنشأنا فريقا للفنون التشكيلية فى كلية التجارة الخارجية، يضم كل التخصصات الفنية، ودخلنا مسابقة الجامعة ومن بعدها الجامعات وحصلنا على درع الجامعات، وكنا نعرض فى النقابات والساحات والمقاهى، والمراكز. ومن الطبيعى كانت الاعمال تحمل رؤى تحريضية ثورية، تكشف عن نقد المجتمع والمناطق السلبية.
{ ماهي المواضيع التي تستوحي منها لوحاتك؟
– فى الغالب قضايا مجتمعية، كالمدنية الحديثة فى مقابل النظم التقليدية، او الفروسية كمعنى ليس مقتصرا على زمن، وان كانت التفاعلات اليومية حاكمة، تقود الى انتخاب حالة تختار الموضوع وفى الغالب هناك ضرورة الى يكون الموضوع معاصر يعبر عن اللحظة والواقع باعتبار ان العملية الفنية تعتمد على ثلاثة عناصر اساسية هى التراث، بما يحمله والبيئة المحيطة، والمعاصرة التى تعبر عن الآن.
{ على ماذا يبحث الفنان اثناء عمله؟
– رسالة تصل الى جمهور، على اتساعه، يبحث عن قيم جمالية جديدة، يبحث عن تقينية جديدة مبتكرة، وان كان فنان القرن العشرين في زمن الحداثة وما بعد الحداثة وحتى الآن يسعى الى تشييد لوحته او عمله الفنى عامة، لدرجة انه تخلى عن ملكية العمل الفنى لصالح الجمهور والعامة كما فى الفن المفاهيمى والذى يعاظم من قمية الفكرة والمفهوم الذى يحمله العمل اكثر من اى شئ آخر، خاصة وان العمل تفاعلى ينتهى بانتهاء عرضه كما فى فن الارض، وفن الحدث، وفن النقاش.
{ هل هنالك من قاعدة لبناء اللون ؟
– طبعا قاعدة اللون قاعدة علمية تعتمد على الالوان الاساسية والمتممات لها، لكن الالوان هى السحر، هى القدرة على استنهاض كوامنها الغامضة والعميقة، الالوان هى لغة الفن التشكيلى البصرى والجميل.
{ كيف تفسر أهمية اللون والهارموني في اختلاف العصور وتنوع المدارس الفنية؟
– اللون احد عناصر اللوحة الاساسية بجانب الخط والمساحة، وقد كانت الانطباعية كأول مدرسة فنية حديثة، تعتمد فى انطلاقها على اللون، كعنصر اساسى فى تطوير العمل الفنى. كما ان فاسيلى كاندنسكى الفنان الروسى الاصل الباريسى الشهرة قد اعطى للون اهمية كبيرة فى كتابه (الروحانية فى الفن)، لدرجة انه ربط بين الالوان وصوت الآلآت الموسيقة، على نحو عجيب ومدهش.
{ بمن تأثر التشكيلي سيد هويدي من الفنانين؟
– محليا بالفنان حامد ندا (1924- 1910)، عبد الهادي الجزار (1925-1966)، وعالميا الفنان النرويجى إدوفارد مونش صاحب لوحة الصرخة، والفنان فاسيلى كاندنسكى، لكن تأترث كثيرا بكاتب نوبل نجيب محفوظ وخاصة فى اسلوب حياته، التى تعتمد على المنهجية فى ادارة الوقت، والتوازن بين الاجتماعي والإبداعي والسياسي، وتعريفه لدوره فى الحياة.
{ هل لك أن تستعرض لنا وبشكل مختصر ما قام به الرومانتيكين والواقعيين والانطباعيين اتجاه قضية اللون ؟
– فى المدة ما بين 1850 و1900، شهد العالم الغربى حركة فنية ثورية، موضوعية فى وصفها للإنسان، معادية، شكلا ومضموناً، للمثالية والتقاليد المهيمنة فى الفن والأعراف الاجتماعية. فى منطلقاتها العامة، للجمالية المثالية (رومانسية كانت أم كلاسيكية). تلك الحركة هى الانطباعية، التى اعتمدت على قوانين الضوء العلمية، وانعكس ذلك على اللون.
وقد لا نجد تفسيراً للصراعات الفكرية والخلافات الحادة بين مختلف التيارات الفنية، كلاسيكية، رومانسية وواقعية، الا من خلال تلك التحولات الهامة الاقتصادية، والاجتماعية، وأثرها على الجماعات التى حاولت التكيف مع نمطِ حياةٍ جديد. وكان لابد من أن تتبدل المفاهيم العامة والنظريات الجمالية، على أثر التطور العلمى والتقدم الصناعى، وبروز النزعات القومية، وكذلك الانفتاح على ثقافات الشعوب الأخرى خارج أوروبا. وبسبب مختلف هذه العوامل، كان من الطبيعي أن تتبدل أيضا ملامح العمارة من استعمال الحديد على نطاق واسع، خاصة فى بناء الجسور والمعامل والأسواق والمحطات. فالهندسة المعمارية لم تعد مجرد فن، بل تحولت فى جزء كبير منها الى علم.
{ هل يمكن أن تلقي لنا بعض الضوء عن مدارس الفن التشكيلي الرائجة اليوم وما هي المدرسة التي تنتمي إليها بشكل شخصي؟
– التجريد هو اكثر المدارس الفنية رواجا الآن، باعتباره اهم ظواهر القرن العشرين وحتى الآن، وان كان الفراغ الفلسفى والفكري الذى يسود العالم الآن يجعل من المشهد يسمح بوجود كل المدارس الفنية جنبا إلي جنب، اما المدرسة التى برزت مؤخرا فهى الفن المفاهيمي الذى يعتمد على الفكرة وتقديم مفهوم محدد فى غالب يسعى إلي أن يتفاعل معه الجمهور.
{ كيف تحضر المرأة في أعمال سيد هويدي؟
– قد لاتظهر المرأة فى اعمالي على نحو مباشر، لكن أوكد لك انها المهلمة والدافعة لكل لاعمالي على نحو غير مباشر، فهناك اعمال ظهرت للنور فى وجود مرأة داعمة للفكرة، وناقدة لها، ومساهمة فى ظهورها للنور. خاصة وان التجربة الانسانية مع المرأة من أكثر التجارب اثارة وعمقا فى حياة اى فنان.
{ كيف عبرت عن المشهد الثوري في مصر من خلال أعمالك؟
– رمزت للناس فى الثورة على هيئة حصان وفرس ومهر وخيول، وكان فى ذهنى طوال الوقت عنوان الفليم الامريكي الشهير (انهم يقتلون الجياد)، وفقد كان الحصان هو المعادل الموضوعي فى الاعمال للبشر، وان كنت شاركت فى الميدان (التحرير) باعمال تنتمي الى الفن المفاهيمي الذى يجسد الحدث فى لحظتها.
{ يقال أن الفن التشكيلي هو فن نخبوي ما تعليقك على هذا ؟
– الناس في مصر تحب الفن، بل تعشقه، لان الفن في جينات المصريين وخاصة الفن التشكيلي الذى كان اسمه الفن الجميل واصبح الآن الفن البصري، لكن العلاقة متوترة، أو تبحث عن شرعية وجود، في ظل تعثر يعوق التقدم، وتبدو في اغلب الاحيان علاقة من طرف واحد، فجدران المصريين عارية، من أي مظهر جمالي، فقد ظلت جدران الطبقة الوسطى، منذ منتصف السبعينيات تتخفف بل تتراجع عن مظهرها الجمالي والروحي، كشفت جدران الطبقة الوسطى التي تصدعت بفعل سياسات الانفتاح عن وجها رماديا خاليا من أي معنى، او قيمة تراثية او تاريخية او حتى استثمارية، رغم وجود المال في أيدي المتسلقين، وتخلي المصريين عن شراء الاعمال الفنية.
على الرغم من اننا نمتلك تاريخاً غنىاً ومثيراً من وقت ان استطاع محمود مختار وصل ما انقطع مع حضارة المصري القديم، عندما اعاد النحت الى سيرته الاولى ومع تمثاله نهضة مصر، فقد انتزع مختار شرعية دور الفن في المجتمع، تدافع الناس على الاكتتاب لإقامة التمثال من الجرانيت الاحمر الوردي في ميدان محطة مصر قبل نقله الى مكانه الآن امام جامعة القاهرة، والذى يشوهه البعض فى الفترة الاخيرة عن جهل.
قد يتصور البعض ان قضايا الفن والجمال ترف، بل يعتقد البعض ان المسافة بعيدة بين قيم الجمال والذوق في المجتمع، ورغيف الخبز، رغم قسوة توفير لقمة العيش، والظروف الحالية ووطأة الضغوط، التي تدفع البعض الى الاستسلام، لمفهوم يفصل قضايا الجمال عن واقع متردى، ويصبح كل شيء قابل للتأجيل، بدوافع غريزة البقاء، لدرجة إننا اعتدنا القبح واستوردنا الفن من الصين أيضا.
في الوقت الذى فيه قضايا الجمال، تتجاوز ما يخص اللوحة والتمثال من مشاكل، فقضايا الجمال وفلسفته وغاياته، وأهدافه، هي قضية وجود الموجودات نفسها في شتى مناحي الحياة، من منتجات وعمارة وسيارات، وملابس، وأواني المطبخ، بمعنى انه لا يمكن وجود صناعة من غير وجود فن وتصميم.
{ لماذا يوجد ركود في سوق الفن التشكيلي؟
– اولا الحالة الاقتصادية سبب رئيس فى ركود سوق الفن، بالاضافة الى عدم ادراك ان الفن وسيلة للاستثمار كالعقارات مثلا، وايضا اتجاه بعض الفنانين باساليب غربية لاتمثل الذائقة العامة، وتمسك اكثر الفنانين باسعار تتجاوز امكانات العامة.
بعض الأعمال للفنان “مرفق اللوحات”
لوحة الفارس:1984
عبارة عن عمل مركب من خامات مختلفة تجسد صورة الفارس على حصان، قد يكون عنترة بن شداد ورغبته في الحرية وقد يكون فارس بن حمدان وقد يكون ماري جرجس واهم ما يميز العمل فكرة التوافق بين الموضوع باعتباره عمل شعبي والخامات المختلفة الخشنة مثل الخيش والحبال والجلد والقماش والجريد ومع ذلك يبدو التناغم كاملا بين ألوان تلك الخامات.
لوحة الفجر:2002
من الأعمال التي يعتبرها هويدي صرخة في فترة التمهيد لثورة 25 يناير من ناحية المضمون؛ واللاوعي لعب بها دورا كبيرا، عناصرها رمزية ، الشباك يرمز للإعلام والديك يرمز لليقظة ومن ناحية التقنية بإحساس الفجر بألوانه الرمادية المحايدة.
مصر النهاردة 2002
الحصان فيها رمز الطاقة والفروسية وتصور أطياف من البشر وزحام المدينة وتداخل عناصرها والدخيل الذي يرقب بعين متلصصة.