التشكيلية المغربية ريم اللعبي رسمت ذكرياتها
عناصر ملونة غريبة في جسد اللوحة
فيصل عبد الحسن
أحتضن أحد أجنحة كاليري الفنون وسط مدينة الرباط مؤخراً معرضاً لأعمال الأكريليك للفنانة ريم اللعبي، وتتصف أعمال هذه الفنانة المغربية بإنها تعيد الفن التقليدي المغربي إلى الواجهة، لكنها تعيده وفق أحدث الطرق الفنية، العالمية.
الفنانة ريم اللعبي نالت درجة الدكتوراة في الفنون التشكيلية وعلوم الفن من باريس 1ــ السوربون عام 1999وتشتغل حاليا في تدريس الفن التشكيلي كأستاذة بجامعة محمد الخامس بالرباط، والمعرض الجديد للفنانة يحمل الرقم الثاني والعشرين من معارضها الفردية والجماعية.
لقد توزعت جغرافيا معارضها على مدن المغرب وتونس ومالي، والدول الأجنبية كألمانيا، فرنسا، بلجيكا، اليونان، الولايات المتحدة الامريكية، وكوريا الجنوبية، وكذلك فهي تقدم محاضرات وتنظم ورشات للفنون التشكيلية في جامعة محمدالخامس بمدينة الرباط وخارجها طوال العام.
أعمالها الفنية أشكال ساحرة، فهي تقود الرائي إلى دهشة مفعمة بالسرور، فهو يقرأ أسماء الله تعالى في أغلب أعمالها، إذ يرى لفظ الجلالة وصفاته مبثوثة في مساحة أعمالها ككلمات هامسة يقولها الصوفيون، وهم يؤدون دورانهم المفجع، طالبين من مولاهم الله تعالى المغفرة والرحمة، بأرديتهم الواسعة الملونة، وحركاتهم السرنمية بين اليقظة والحلم.
وهي المشاعر ذاتها التي تنتابك وأنت تدور في معرضها لرؤية أعمالها الفنية، فتجد في كل لوحة عشرات من لفظ الجلالة، أسماء تامة، وأخرى مقطوعة تكتمل هاءاتها في أمكنة أخرى من اللوحة، وكل تلك الأجزاء البارزة في اللوحة النحت لريم اللعبي، مصنوعة من ورق الجرائد، وقد لف بطريقة خاصة وطُلي بأصباغ الأكريليك ومواد لاصقة، أكسبته بريقاً وصلادة.
اليونان وفرنسا
أن التسبيح للخالق تعالى من خلال العمل الفني، هو تقليد قديم ورثه الفنان المغربي الحديث في أعماقه، من الفنان الفطري المغربي، الذي كان أسم الله تعالى وتسبيح الخالق تجده في فضاء أعماله الفنية، فاسماء الله وصفاته في الحكمة والعلم والخير لا تخلو منها زربية نسجها ولونها نقاش من نقاشي المغرب، ولم تخلُ سروج الخيول من زخرفة الآيات القرآنية فوق أديمها.
وكذلك ما نقش على أغلفة الكتب التراثية والقرآن الكريم، والمحافظ الجلدية النسائية، ومقدمة الخيام في البداية، والصناديق الخشبية التراثية المزينة، بأجمل النقوش والزخارف، والتي يتكرر على سطوحها ورود أسماء الله الحسنى، وصفاته، والآيات القرآنية الكريمة.
وهي كذلك غير بعيدة عن آخر التطورات في فن الرسم، وتقنياته الحديثة، والفنانة التي ولدت عام 1973 في مدينة الرباط، وقضت طفولتها ومراهقتها في اليونان، بحكم عمل والدها في السلك الدبلوماسي المغربي.
وأمضت بعد ذلك سنوات دراستها العليا في فرنسا، قبل أن تعود إلى المغرب وقد حملت معها ذكريات تلك الغربة، وحاولت ان تقدم تلك الذكريات في أعمال فنية، مما عاشته في تلك السنوات، وذلك من خلال وضعها أشياء جلبتها معها من تلك البلدان كالقطع المعدنية، وبقايا الحقائب الجلدية، والأزرار، وقطع القماش المختلفة لتضمها إلى أجساد لوحاتها.
فقد أعتمدت الفنانة أسلوباً فنيا خاصاً بها يجمع بين النحت والرسم التشكيلي التجريدي، فاللوحة لديها تمتلك بعداً ثالثأ،
تشعره من خلال السُمك البارز للوحة، ومن خلال الأشياء المعدنية، التي تبني عليها لوحتها.
ألوان الأكريليك
وتدهشك شساعة العالم الذي تتناوله الفنانة من خلال موضوعات لوحاتها، فهي تبعث من خلالها رسائل محبة وسلام للآخر، وهي تشعر نحوه بمشاعر الوفاء، لما وهبها أياه من علم ومعرفة وتجارب حياتية خاضتها في دول الغربة، أكسبتها الخبرة والمعرفة، وحب الفن الجميل الراقي.
أضافت طريقة الفنانة في تناولها موضوعاتها، حداثة ميزتها عن غيرها من فناني المغرب، وذلك من خلال أستعمالها لألوان الأكريليك ، التي تمتاز بكونها سريعة الجفاف، وتعطي اللوحة رونقاً ولمعاناً خاصاً، كما أنها لا تتأثر بعد جفافها بالرطوبة.
وكذلك فهي لا تسيل بالحرارة، وكونها ألواناً صناعة بلاستيكية، فهي تعطي قوة وصلادة للوحة، كما انها بمزجها بمادة لاصقة، سيمكنها من توفير القدرة على تحمل ثقل الأجزاء المعدنية والأضافات الأخرى للوحة من دون أن تنهار أو تنثني.
أشياء كثيرة حملتها معها الفنانة من اليونان حيث أمضت أجمل سنوات طفولتها وشبابها المبكر هناك، حملت أصدافاً ومحارات من السواحل الأغريقية، هدايا صغيرة من الجلد أهدتها صديقات وأصدقاء من فرنسا وبلجيكا وألمانيا وتونس.
ونجد أيضاً في لوحاتها بقايا ورود يابسة، أجزاء من أشجار جذامير نحتت عليها أشكال قلوب وكلمات حب، بقايا قرني خروف العيد، جلد سرج الفرس، وأجزاء من التمائم التي توضع عادة حول رقاب الأطفال في البادية المغربية، عقود الأحجار الملونة، التي تهدى للحبيبات في الأعياد، والأفراح.
أشياء غريبة
والفنانة تؤسس جماليات لوحاتها بأضافة الألوان البراقة، والنسج المتقن لجسد اللوحة الورقي من ورق الجرائد، وتضمينها تلك الأشياء الثمينة بالنسبة لها.
والفنانة ريم اللعبي من عائلة معروفة في فاس بالثقافة والفنون، فهي أبنة فنان تشكيلي، وتنحدر من جد عُرف في فاس بأنه أحد أفضل صانعي السروج المزركشة للخيول في تلك المدينة التأريخية العريقة، وهي أيضا أبنة أخ الشاعر المغربي المعروف عبد اللطيف اللعبي.
الفنانة ريم اللعبي رسمت ذكرياتها ووضعت أشياءً ملونة غريبة في جسد لوحتها، وقالت متحدثة عن أسرار تجربتها الفنية، بأن تلك الأشياء الغريبة تمثل خزينا عاطفياً وروحياً لديها، وهي ذكرياتها، وآثار منفاها، وسفرها المستمر، بين المدن، وهي كذلك مما تبقى من لقاءاتها مع أفراد تحترمهم، وهم من ثقافات مختلفة ويعيشون حياة مختلفة.
ووضحت في بيلوجرافيا سيرتها سر الأشياء الغريبة التي تستخدمها في جسد كل لوحة من لوحاتها، فكتبت أنها تتكون من الكائنات الميتة، وأجزاء من المواد النباتية والحيوانية والمعدنية الطبيعية، والمصنعة، القديمة والحديثة، التي تصل إليها في الأماكن المختلفة، التي زارتها أو عاشت فيها، وهي مزيج من الأجسام الملونة، والخيوط، التي تذكر بالسفر، والعودة، وأمكنة الطفولة والشباب .
واللوحة لديها من خلال تلك الأشياء والذكريات تنمو طبقة بعد طبقة، من تحالفات وصداقات، ومن فروع أغصان، وصلبان، قواقع وخرزات مهد الطفولة، ورقائق الورق والقماش، وخلال ذلك ينمو جسد اللوحة ببطء وجمالية، مملوءاً بالتفاصيل الصغيرة المدهشة.
AZP09