التسقيط‭ ‬والتخسفات

فاتح‭ ‬عبد‭ ‬السلام‭ ‬

التسقيط‭ ‬السياسي‭ ‬لغة‭ ‬من‭ ‬اللغات‭ ‬المتعارف‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬العقدين‭ ‬الأخيرين‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬ويمكن‭ ‬ان‭ ‬يكون‭ ‬أداة‭ ‬من‭ ‬أدوات‭ ‬اللعبة‭ ‬الديمقراطية‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬الناضجة‭ ‬عندما‭ ‬يكون‭ ‬مراعيا‭ ‬لشروط‭ ‬إنسانية‭ ‬واضحة‭. ‬وتعددت‭ ‬لهجات‭ ‬اللغة‭ ‬التسقيطية‭ ‬ومفرداتها‭ ‬وأساليب‭ ‬التعبير‭ ‬والظهور‭ ‬فيها‭ ‬تبعا‭ ‬للشخص‭ ‬الواحد‭ ‬أو‭ ‬المجموعة‭ ‬أو‭ ‬الوقت‭. ‬ولكن‭ ‬اللافت‭ ‬هو‭ ‬انّ‭ ‬معظم‭ ‬السياسيين‭ ‬لاسيما‭ ‬من‭ ‬أصحاب‭ ‬مناصب‭ ‬الصفوف‭ ‬المتقدمة‭ ‬هم‭ ‬المتبرعون‭ ‬طوعا‭ ‬بمنح‭ ‬أخطائهم‭ ‬وخطاياهم‭ ‬للأخرين‭ ‬من‭ ‬اجل‭ ‬اتخاذها‭ ‬نقاطاً‭ ‬لضربهم‭ ‬والنيل‭ ‬منهم‭. ‬وترجع‭ ‬أسباب‭ ‬ذلك‭ ‬الى‭ ‬نقص‭ ‬في‭ ‬التجربة‭ ‬الشخصية‭ ‬للسياسيين،‭ ‬ولا‭ ‬أقول‭ ‬التجربة‭ ‬السياسية‭ ‬للنظام‭ ‬كله،‭ ‬ذلك‭ ‬انّ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عشرين‭ ‬سنة

‭ ‬هي‭ ‬مدة‭ ‬كافية‭ ‬لكي‭ ‬تكون‭ ‬المسارات‭ ‬واضحة‭ ‬في‭ ‬فصل‭ ‬السلطات‭ ‬وتطبيق‭ ‬الدستور‭ ‬وتجاوز‭ ‬المطبات‭ ‬والتفاهم‭ ‬حول‭ ‬المسائل‭ ‬ذات‭ ‬الطبيعة‭ ‬الخلافية‭ ‬التي‭ ‬تحتاج‭ ‬الى‭ ‬جعلها‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬تطور‭ ‬البلد‭ ‬وليس‭ ‬عائقا‭ ‬امامه‭.‬

‭ ‬وأساليب‭ ‬التسقيط‭ ‬والتشفي‭ ‬بسقوط‭ ‬شخص‭ ‬او‭ ‬انحسار‭ ‬فئة‭ ‬أو‭ ‬تهاوي‭ ‬حزب‭ ‬سياسي‭ ‬ليست‭ ‬خاصة‭ ‬بمسمى‭ ‬معين،‭ ‬وانما‭ ‬هي‭ ‬قابلة‭ ‬للتبادل،‭ ‬فمَن‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬موقع‭ ‬هجومي‭ ‬قد‭ ‬يتحول‭ ‬في‭ ‬لمح‭ ‬البصر‭ ‬الى‭ ‬موقع‭ ‬دفاعي،‭ ‬وقد‭ ‬يخسر‭ ‬الموقعين‭ ‬ويتحول‭ ‬الى‭ ‬لا‭ ‬شيء‭.‬

الدولة‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬مؤسسات‭ ‬متراصة‭ ‬غير‭ ‬خاضعة‭ ‬للأهواء‭ ‬هي‭ ‬وحدها‭ ‬القادرة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تديم‭ ‬نفسها،‭ ‬والسؤال‭ ‬المستحق،‭ ‬هو‭: ‬لماذا‭ ‬امتلكنا‭ ‬عناوين‭ ‬مؤسسات‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬نتأكد‭ ‬من‭ ‬حقيقة‭ ‬ملئها‭ ‬بما‭ ‬يجعلها‭ ‬غير‭ ‬قابلة‭ ‬للانسحاق‭ ‬او‭ ‬التهاوي‭ ‬تحت‭ ‬اية‭ ‬ريح‭ ‬داخلية‭ ‬أو‭ ‬خارجية‭. ‬الإجابات‭ ‬كثيرة،‭ ‬لكن‭ ‬تلتقي‭ ‬جميعها‭ ‬عند‭ ‬حقيقة‭ ‬انّ‭ ‬الأحزاب‭ ‬اشتغلت‭ ‬لصالح‭ ‬ذاتها‭ ‬وبعض‭ ‬شخوصها‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬الالتفات‭ ‬الى‭ ‬مستقبل‭ ‬هذا‭ ‬المركب‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬اسمه‭ ‬العراق‭ ‬وقد‭ ‬كثرت‭ ‬فيه‭ ‬التخسفات‭ ‬بما‭ ‬يجعل‭ ‬الجميع‭ ‬غير‭ ‬آمن،‭ ‬وليس‭ ‬هناك‭ ‬مَن‭ ‬يستطيع‭ ‬النجاة‭ ‬لوحده‭.‬

العراق‭ ‬بهذه‭ ‬المواصفات،‭ ‬سيبقى‭ ‬بلداً‭ ‬غير‭ ‬مستقر،‭ ‬تلعب‭ ‬به‭ ‬الرياح‭ ‬الخارجية‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬له‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬التأثير‭.‬

‭ ‬البلد‭ ‬يحتاج‭ ‬الى‭ ‬ظهور‭ ‬طبقة‭ ‬سياسية،‭ ‬تفكر‭ ‬باستراتيجيات‭ ‬صيانة‭ ‬العراق‭ ‬قبل‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬ملء‭ ‬حقائب‭ ‬وزارية‭ ‬أو‭ ‬برلمانية‭ ‬أو‭ ‬ادارية‭. ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬الطريق‭ ‬طويل،‭ ‬ويجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬خالياً‭ ‬من‭ ‬الفاسدين‭ ‬والمدعين‭ ‬والجهلة‭ ‬والمتخلفين،‭ ‬الامر‭ ‬الذي‭ ‬يتطلب‭ ‬أن‭ ‬يقف‭ ‬البلد‭ ‬كله‭ ‬عند‭ ‬نقطة‭ ‬شروع‭ ‬جديدة‭ ‬للانطلاق‭ ‬،‭ ‬وهذا‭ ‬في‭ ‬نظر‭ ‬بعضهم‭ ‬من‭ ‬الاحلام‭ ‬البعيدة،‭ ‬وهناك‭ ‬مَن‭ ‬يرى‭ ‬ذلك‭ ‬قريباً‭ ‬وممكناً‭ . ‬

رئيس التحرير-الطبعة الدولية

fatihabdulsalam@hotmail.com

مشاركة