التخلي عن تذاكر مترو باريس الورقية

باريس‭ (‬أ‭ ‬ف‭ ‬ب‭) – ‬وصلت‭ ‬تذكرة‭ ‬مترو‭ ‬باريس‭ ‬التاريخية‭ ‬الشهيرة‭ ‬إلى‭ ‬محطتها‭ ‬الأخيرة،‭ ‬إذ‭ ‬أن‭ ‬البطاقة‭ ‬المصنوعة‭ ‬من‭ ‬الورق‭ ‬المقوّى‭ ‬أحيلت‭ ‬على‭ ‬التقاعد‭ ‬بعد‭ ‬120‭ ‬عاماً‭ ‬في‭ ‬الخدمة‭ ‬أصبحت‭ ‬خلالها‭ ‬رمزاً‭ ‬للعاصمة‭ ‬الفرنسية‭ ‬ورفيقة‭ ‬لسكانها‭ ‬في‭ ‬يومياتهم،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يثير‭ ‬حزن‭ ‬كثر‭ ‬منهم‭.‬

وأبعد‭ ‬من‭ ‬وظيفتها‭ ‬الأساسية‭ ‬كتذكرة‭ ‬للتنقل،‭ ‬استُخدمت‭ ‬بطاقات‭ ‬المترو‭ ‬لغايات‭ ‬شتى،‭ ‬منها‭ ‬استعمالها‭ ‬علّامات‭ ‬كتب‭ ‬أو‭ ‬لتدوين‭ ‬الملاحظات،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬للف‭ ‬السجائر‭.‬

ويوضح‭ ‬هاوي‭ ‬جمع‭ ‬هذه‭ ‬التذاكر‭ ‬غريغوار‭ ‬تونا،‭ ‬مؤلف‭ ‬كتاب‭ ‬بعنوان‭ “‬قصة‭ ‬تذكرة‭ ‬المترو‭ ‬الباريسي‭”‬،‭ ‬لوكالة‭ ‬فرانس‭ ‬برس‭ ‬أن‭ ‬بطاقة‭ ‬المترو‭ “‬جزء‭ ‬من‭ ‬يومياتنا،‭ ‬هي‭ ‬تحاكي‭ ‬كل‭ ‬شخص‭ ‬منا‭”‬،‭ ‬لافتاً‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ “‬جانباً‭ ‬من‭ ‬حياتنا‭ ‬يختفي‭” ‬مع‭ ‬زوالها‭.‬

ويضيف‭ “‬تذكرة‭ ‬المترو‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬مكونات‭ ‬المشهد‭ ‬الباريسي‭”.‬

وكانت‭ “‬مواصلات‭ ‬إيل‭ ‬دو‭ ‬فرانس‭”‬،‭ ‬وهي‭ ‬هيئة‭ ‬عامة‭ ‬تدير‭ ‬قطاع‭ ‬النقل‭ ‬في‭ ‬باريس‭ ‬وضواحيها،‭ ‬تسعى‭ ‬في‭ ‬بادئ‭ ‬الأمر‭ ‬إلى‭ ‬إلغاء‭ ‬الحزم‭ ‬المكونة‭ ‬من‭ ‬عشر‭ ‬تذاكر‭ ‬مترو‭ ‬بحلول‭ ‬منتصف‭ ‬2020،‭ ‬ثم‭ ‬إلغاء‭ ‬التذكرة‭ ‬الموحدة‭ ‬للنقل‭ ‬سنة‭ ‬2021،‭ ‬والاستعاضة‭ ‬عنها‭ ‬ببدائل‭ ‬رقمية‭.‬

لكنها‭ ‬اضطرت‭ ‬إلى‭ ‬تأجيل‭ ‬هذه‭ ‬المهل‭ ‬حتى‭ ‬2022‭ ‬بسبب‭ ‬جائحة‭ ‬كوفيد‭-‬19،‭ ‬قبل‭ ‬إرجائها‭ ‬مجددا‭ ‬بسبب‭ ‬نقص‭ ‬الشرائح‭ ‬الإلكترونية‭ ‬جراء‭ ‬الغزو‭ ‬الروسي‭ ‬لأوكرانيا‭. ‬ويقول‭ ‬المدير‭ ‬العام‭ ‬لهيئة‭ “‬مواصلات‭ ‬إيل‭ ‬دو‭ ‬فرانس‭” ‬لوران‭ ‬بروب‭ “‬كنا‭ ‬مستعجلين،‭ ‬لكن‭ ‬أزمة‭ ‬الشرائح‭ ‬أخرتنا‭ ‬قليلا‭”.‬

وبدأت‭ ‬هيئة‭ ‬المواصلات‭ ‬في‭ ‬العاصمة‭ ‬الفرنسية‭ ‬قبل‭ ‬سنوات‭ ‬تقليص‭ ‬عدد‭ ‬المحطات‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬فيها‭ ‬شراء‭ ‬رزم‭ ‬تذاكر‭ ‬مترو،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬أجهزة‭ ‬قراءة‭ ‬التذاكر‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬مجهزة‭ ‬لاستقبال‭ ‬التذاكر‭ ‬الورقية‭.‬

وبنتيجة‭ ‬ذلك،‭ ‬تراجعت‭ ‬نسبة‭ ‬تذاكر‭ ‬النقل‭ ‬الورقية،‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬الثلثين‭ ‬قبل‭ ‬عام‭ ‬إلى‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬النصف،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬حوالى‭ ‬550‭ ‬مليون‭ ‬تذكرة‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تباع‭ ‬سنويا،‭ ‬ما‭ ‬يمثل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬خمسين‭ ‬طنا‭ ‬من‭ ‬الورق‭.‬

ويقول‭ ‬لوران‭ ‬بروب‭ “‬العادات‭ ‬بدأت‭ ‬تتغير‭”‬،‭ ‬مؤكداً‭ ‬أن‭ ‬رزم‭ ‬التذاكر‭ ‬الورقية‭ ‬ستزول‭ ‬تماماً‭ ‬خلال‭ ‬2023‭. ‬وتشير‭ ‬هيئة‭ “‬مواصلات‭ ‬إيل‭ ‬دو‭ ‬فرانس‭” ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬معدله‭ ‬تذكرة‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬عشر‭ ‬تحويها‭ ‬رزم‭ ‬التذاكر‭ ‬لا‭ ‬تُستخدم‭ ‬بسبب‭ ‬تضييعها‭ ‬أو‭ ‬تلفها‭ ‬أو‭ ‬نسيانها‭.‬

غير‭ ‬أن‭ ‬التذاكر‭ ‬الورقية‭ ‬الإفرادية‭ ‬ستبقى‭ ‬في‭ ‬التداول‭ ‬حتى‭ ‬عام‭ ‬2024‭ ‬على‭ ‬الأقل‭.‬

ومع‭ ‬هذه‭ ‬المكننة‭ ‬للتذاكر‭ ‬واستبدال‭ ‬الورق‭ ‬بالهواتف‭ ‬الذكية،‭ ‬بداية‭ ‬مع‭ ‬الأجهزة‭ ‬العاملة‭ ‬بنظام‭ ‬تشغيل‭ “‬أندرويد‭” ‬سنة‭ ‬2023‭ ‬ثم‭ ‬على‭ ‬أجهزة‭ “‬آبل‭”‬،‭ ‬تنخرط‭ ‬باريس‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المسار‭ ‬بعد‭ ‬عقدين‭ ‬على‭ ‬استغناء‭ ‬مترو‭ ‬نيويورك‭ ‬عن‭ ‬التذاكر‭ ‬المعدنية،‭ ‬وأكثر‭ ‬من‭ ‬عقد‭ ‬على‭ ‬اعتماد‭ ‬هذه‭ ‬الخطوة‭ ‬في‭ ‬شبكة‭ ‬قطارات‭ ‬الأنفاق‭ ‬في‭ ‬لندن‭.‬

لكنّ‭ ‬البعض‭ ‬يبدون‭ ‬ارتياحاً‭ ‬لتأخر‭ ‬العاصمة‭ ‬الفرنسية‭ ‬في‭ ‬المضيّ‭ ‬قدماً‭ ‬بهذا‭ ‬المسار‭.‬

وتقول‭ ‬الفنانة‭ ‬الإيطالية‭ ‬الأميركية‭ ‬ساره‭ ‬ستورمان‭ ‬المقيمة‭ ‬في‭ ‬باريس‭ ‬والتي‭ ‬تستخدم‭ ‬تذاكر‭ ‬مترو‭ ‬في‭ ‬أعمالها‭ “‬أحب‭ ‬ملمس‭ ‬التذكرة‭ ‬الجديدة‭ ‬ونظافتها،‭ ‬وإلى‭ ‬أي‭ ‬مدى‭ ‬يمكن‭ ‬تلفها‭ ‬وإعادة‭ ‬استخدامها‭”.‬

وتضيف‭ “‬سأواصل‭ ‬جمع‭ ‬تذاكر‭ ‬المترو‭ ‬إلى‭ ‬حين‭ ‬اختفائها،‭ ‬عندها‭ ‬ستكون‭ ‬قيمتها‭ ‬أكبر‭”.‬

وتحتل‭ ‬تذكرة‭ ‬المترو‭ ‬مكاناً‭ ‬خاصاً‭ ‬في‭ ‬الثقافة‭ ‬الشعبية‭ ‬الفرنسية‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭.‬

ففي‭ ‬فيلم‭ “‬Le‭ ‬Salaire‭ ‬de‭ ‬la‭ ‬peur‭”‬‮ ‬سنة‭ ‬1953،‭ ‬يقدم‭ ‬إيف‭ ‬مونتان‭ ‬إلى‭ ‬شارل‭ ‬فانيل‭ ‬عربون‭ ‬صداقة‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬تذكرة‭ ‬مترو‭ ‬باريسية‭ ‬يعتبرها‭ ‬فأل‭ ‬خير‭ ‬عليه،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬المغني‭ ‬الفرنسي‭ ‬الشهير‭ ‬سيرج‭ ‬غينزبور‭ ‬وجه‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬أغنية‭ ‬‭”‬Le poinçonneur des Lilas‭” ‬سنة‭ ‬1959‭ ‬تحية‭ ‬إلى‭ ‬العاملين‭ ‬في‭ ‬ختم‭ ‬تذاكر‭ ‬المترو،‭ ‬وهي‭ ‬مهنة‭ ‬طواها‭ ‬الزمن‭ ‬بعد‭ ‬عقد‭ ‬مع‭ ‬بدء‭ ‬استخدام‭ ‬أبواب‭ ‬الدخول‭ ‬الأوتوماتيكية‭ ‬إلى‭ ‬محطات‭ ‬المترو‭.‬

ويقول‭ ‬غريغور‭ ‬تونا‭ ‬إن‭ ‬هذه‭ ‬التذاكر‭ “‬عمرها‭ ‬قصير‭ ‬للغاية‭ ‬ولا‭ ‬يتعدى‭ ‬ساعة‭ ‬أو‭ ‬ساعة‭ ‬ونصف‭ ‬الساعة،‭ ‬لكن‭ ‬ثمة‭ ‬تعلق‭ ‬غير‭ ‬عقلاني‭ ‬بها‭”.‬

لكن‭ ‬في‭ ‬المقابل،‭ ‬يبدي‭ ‬زائرون‭ ‬كثر‭ ‬حماستهم‭ ‬للاستغناء‭ ‬عن‭ ‬التذاكر‭ ‬الورقية‭ ‬والإفادة‭ ‬من‭ ‬سهولة‭ ‬الاستخدام‭ ‬التي‭ ‬توفرها‭ ‬الأجهزة‭ ‬الذكية‭ ‬في‭ ‬شبكة‭ ‬مترو‭ ‬باريس‭.‬

ويقول‭ ‬السائح‭ ‬الإسباني‭ ‬خافيير‭ ‬روماني‭ “‬لا‭ ‬أحب‭ ‬التذاكر‭ ‬الورقية،‭ ‬أحب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬موجوداً‭ ‬على‭ ‬هاتفي‭”.‬

أما‭ ‬السائحة‭ ‬اليونانية‭ ‬ستيفانيا‭ ‬غريغوريادو‭ ‬فتفضل‭ ‬أن‭ ‬تحجز‭ ‬بطاقات‭ ‬التنقل‭ ‬عبر‭ ‬الإنترنت،‭ ‬لكنها‭ ‬تعتزم‭ ‬الاحتفاظ‭ ‬بتذكرة‭ ‬اشترتها‭ ‬للذهاب‭ ‬إلى‭ ‬مجمع‭ ‬ديزني‭ ‬لاند‭ ‬باريس‭ ‬الترفيهي‭.‬

وتقول‭ ‬لوكالة‭ ‬فرانس‭ ‬برس‭ “‬من‭ ‬الجيد‭ ‬الاحتفاظ‭ ‬بذلك‭ ‬كذكرى‭”‬،‭ “‬قد‭ ‬لا‭ ‬نعود‭ ‬إلى‭ ‬باريس،‭ ‬بهذه‭ ‬الطريقة‭ ‬سيكون‭ ‬لدينا‭ ‬شيء‭ ‬لنريه‭ ‬إلى‭ ‬أطفالنا‭”.‬

مشاركة