التايتاني الشاب وتشكل شخصية أشهر رؤساء الحكومات البريطانية في كتاب جديد

التايتاني الشاب وتشكل شخصية أشهر رؤساء الحكومات البريطانية في كتاب جديد
تشرتشل.. بدين بسيكار لكنه شاعري
سلوى جراح
الصورة التقليدية لونستون تشرتشل 1874 ــ 1965 هي صورة رئيس وزراء بريطانيا المحنك خلال سني الحرب العالمية الثانية، تظهر رجلاً بديناً بعينين حادتين وابتسامة مبهمة، يكاد السيكار لا يغادر فمه، حتى أصبحت هذه الصورة رمزاً لبريطانيا في زمن الحرب ولإصرارها على الصمود في وجه الغارات الألمانية اليومية على المدن البريطانية والعاصمة لندن. لذلك يرى الكاتب مايكل شيلدون في كتابه الجديد عن تشرتشل أن هذه الصورة لا تعبر عن شخصية تشرشل الحقيقية. فيروح يروي عنه حكايات قد تبدو غريبة لمن لا يعرف الرجل حق المعرفة. فهذا الرجل القوي الذي قاد بريطانيا في أربعينيات القرن الماضي خلال حرب طاحنة وأصر على أن ينتصر، كان رجلاً على قدر كبير من الحساسية والشاعرية. إذ يروي الكتاب أنه ظل على مدى خمسين عاماً يتألم بسبب رسالة أرسلها له أحد السجناء المحكومين بالأعدام قبل أن يقدم على الانتحار بعد أن توسط تشرتشيتل من أجله لوزير الداخلية البريطانية لتخفيف عقوبة الإعدام إلى السجن المؤبد. السجين كان يفضل الموت على قضاء عمره في السجن ولذلك انتحر وكتب آخر رسائله لتشرتشل. وبالمناسبة كانت عقوبة الإعدام في المملكة المتحدة معمولاً بها في ذلك الوقت منذ عام 1707 ولم يتم الغاؤها حتى عام 1965 حيث اصبحت عقوبة من يقترف جريمة القتل السجن المؤبد وليس الإعدام.
أحد الجبابرة
الكتاب يعتمد على رواية أحداث مشابهة في سيرة وينستون تشرتشل الشاب ولعل هذا يفسر عنوان الكتاب الغريب، التايتان الشاب فالتايتان ترمز للضخامة والقوة لذلك سميت السفينة الضخمة الشهيرة التايتانيك وأطلق أسم تايتان على أضخم أقمار كوكب زحل. الكلمة مستوحاة من الميثولوجيا الإغريقية عن شعب من الجبابرة الضخام الخالدين أبناء جيا الارض و أرانوس السماء الذين حكموا في العصر الذهبي وكانوا أول آلهة الإغريق والرومان، وانتهى حكمهم بظهور آلهة جبل أولمبوس بعد ما يعرف بصراع التايتانيين . وعليه فالكاتب يرى أن تشيرشيل أحد هؤلاء الجبابرة العظام، ويتحدث عن مرحلة شبابه التي تكونت خلالها شخصيته.. مرحلة لم يكن خلالها بهذه القوة والجبروت.
قد يبدو للوهلة الاولى أنه من الغريب أن يختار كاتب سيرة أمريكي معروف مثل مايكل شيلدون أن يكون موضوع كتابه الجديد شباب وينستون تشرتشل، السياسي المحنك بعد أن عالج في كتبه الأربعة سيرة حياة عدد من الكتاب والروائين والصحفيين. فقد تناول شيلدين كاتبين إنكليزيين مهمين هما جورج أورويل وغراهام غرين إضافة إلى حياة كاتب أمريكا الأشهر مارك توين، في كتاب يحمل عنوان الرجل الذي يرتدي الأبيض وحصد عدة جوائز عام 2010، أما كتابه الرابع فكان عن أعمال وحياة الصحفي المعروف سيريل كونولي ومجلة هورايزون آفاق. هذه المرة اختار شيلدون لكتابه الجديد أن يركز على السنين التي كان خلالها تشرتشل يتدرب على العمل السياسي في بداية القرن العشرين.
مدافع عن الضعفاء
سنين امتدت حتى الحرب العالمية الأولى. رغم أنه لا يقول بصريح العبارة أن تلك السنوات صاغت شخصية تشرتشل التي واجه بها الحرب العالمية الثانية، إلا أنه يقدم صورة واضحة لتقييم رجال السياسة في بريطانيا للرجل الذي سيصبح فيما بعد من أهم سياسيها. هي السنين التي عمل خلالها تشرتشل في وزارة الداخلية البريطانية وهو لم يزل في في أواسط الثلاثينيات من عمره، بعد أن تخلى عن حزب المحافظين وانظم إلى حزب الأحرار وراح يدافع باستماتة عن حقوق المستضعفين. في تلك الفترة لم يكن تشيرشل يتمتع بثقة من هم في البرلمان أو خارجه. فقد كان ينظر إليه خلال السنين العشر التي سبقت الحرب العالمية الأولى على أنه متهور يجري وراء أهوائه، ورومانسي في السياسة والحب. لذلك يركز شيلدون في كتابه على علاقات تشيرتشل النسائية في فترة شبابه، علاقات أهملها العديد من الكتاب الذين تناولوا سيرة حياته الطويلة وضاعت في خضم الاحداث الكثيرة المهمة التي عاشها.
فمثلاً يتناول شيلدين بالبحث علاقة تشرتشل مع فيوليت أسكويث إبنة رئيس الوزراء الجادة وكيف عاد وفضل عليها كليمنتاين هوزير حين أراد أن يختار زوجته التي رافقته سنين حياته. التركيز على مرحلة قصيرة في حياة وينستون تشرتشل جعله قادراً على البحث في علاقات وصداقات وأحداث مر عليها العديد من الكتّاب مرور الكرام، بسبب توسعهم في تغطية سنين كثيرة من حياته. فمثلاً هناك بحث في دور تشرتشل في أحداث الشغب التي بدأها مشاغبون من لاتفيا، وهل استعان بالجيش ضد عمال المناجم المضربين في ويلز؟ أحداث ما زال اليسار المتطرف يحاسب تشرتشل عليها ويتهمه بالضلوع فيها، واستطاع شيلدين أن يظهر أن كل النقد الذي وجه لتشرتشل عبر السنين لم يكن منصفاً في غياب التفاصيل عما حدث بالفعل.
ينتهي الكتاب مع الاتهام الذي حمل تشيرتشل مسؤولية الفشل العسكري في احتلال مضيق الدردنيل في شمال غرب تركيا الذي يربط بحر إيجه ببحر مرمرة خلال الحرب العالمية الاولى، وأدى إلى خروجه من الحياة السياسية. لكن تشرتشل عاد بعد غيبة لم تتجاوز العام والنصف. وقد تكون تلك النهاية المثيرة مقصودة من الكاتب ربما لجعل القراء ينتظرون الجزء الثاني من حياة الرجل الذي كان تايتان قوياً، وأحد الرموز البريطانية المهمة لمن أحبوه ومن رفضوه أوعادوه على حد سواء.
AZP09

مشاركة