البواب – نصوص – كاظم السعيدي

البواب – نصوص – كاظم السعيدي

لفظهُ البحر على ساحله كالزبد ..فضاع بمعترك الحياة ..هاجرتْ قواه.هدّهُ التعب ,تسرّب الى نفسه اليأس حتى فقد الامل ..صار يفترش الارض ويلتحف السماء.فبات بلا مأوى تحتضنه الازقة والارصفة . يحثُ الخطى بلا هدف يقصده .لعلّه يجدُ من يساعده ,ظلَّ تائهاً ,حائراً شريدا متجولاً كأنه يبحثُ عن شئ ضائع  .وبقي على تلك الحال فترة من الزمن .يجوب الشوارع والازقة ,فمرَّ في احد  الشوارع التجارية ,تجولتْ  عيناه في تلك  الشارع فوقعتْ على بناية  على ركن  شارعين ذات موقع تجاري مهم لكنها مهملة..اضافة الى انها تتكون من اربعة طوابق ,دكاكينها بسيطة , واغلبها مغلقة,لانه جاء في الصباح الباكر ,لهذا وجد دكانا  واحداًكان مفتوحا.يديره شاب,يشمخ بقامته امام الدكان …اتجه نحوه سلَّم عليه,ردَّ عليه التحية.بخفة وسلاسة.ودنى منه قائلاً:هل انت صاحب الدكان   ..؟

_كلا…انا عامل والدكان يعود لصاحب تلك  البناية..

_واين هو الان…؟

_ردَّ الشاب :..كان هنا موجود قبل ساعة و,لكن ذهب لقضاء عمل ما..

_حسنا…سانتظره حتى يعود .جلب له الشاب  كرسياً ليجلس.. ..استطلع بعينيه الدكان .فرمق  رفوفه التي فارقتها النظافة.وعبث فيه سوء التنظيم .فالادوات الكهربائية مكدسة في كل زوايا الدكان..رمق الشاب الرجل  بنظرةٍ عابرة قائلاً:…انا عامل هنا ابيع الادوات الكهربائية…وبينما هما يتبادلان اطراف الحديث.عاد صاحب البناية .سلَّم على الرجل .فاخبره العامل. منذ ساعة وهو ينتظرك..قال:.مرحِّباً..اهلاً وسهلاً..تفضّل ماذا تريد ؟ قال:.اريدُ استئجار شقة او حتى غرفة في بنايتك ..ردَّ عليه,هل انت من اهل هذه  المنطقة ..؟ _كلا:.انا غريب,ولا اعرف اي شخص هنا..جئتُ ابحثُ عن عملٍ..صاح منتشياً صاحب البناية …اذن انت تريد سكن وعمل…حسنا انه موجود سوف اعطيك غرفة في تلك  البناية .وان رغبتَ ان تكون حارساً عليها. …وكذلك تحرس ممتلكات النزلاء الساكنين فيها,لقاء اجر سنتفقُ عليه .تستعين به على تسديد حاجاتك اليومية…صاح الرجل  فرحاً,انّ الله ألقى محبتي في قلبك وهذه رحمة من الله..أن اجد سكن وعمل في ان واحد….قال:…دعني أريك الغرفة التي سوف تسكن فيها ثمَّ دلفا الى دهليز البناية …وفتح باب الغرفة التي كانت مخصصة للحارس السابق. و كانت مؤثثة بأثاث بسيطة,قائلاً:…هذه غرفتك رتبّها على مزاجك,وكل ما تحتاج اليه سأوفره لك..كي تشعر بالراحة في غرفتك.وأنت الان اصبحتَ حارس البناية الذي اعتمد عليه. .قائلاً:…وألان اسمح لي بالذهاب لتأدية بعض اعمالي .وانصرف تاركاً البوّاب,يرتب غرفته,ليأخذ قسطاً من الراحة,بعد ان اتعبه البحث كثيرا,غالبه النعاس,نام في القيلولة ملء جفونه مطمئناً هادئاً …ورا ح يغطُ بنوم عميق .حتى رأى حلما ..وكأنه يمشي بشارع مظلم,وعلى جانبيه بعض شمعات ضوئها خافتْ.. تصطف على جانبي الشارع كلاب باسطة يديها تنظر اليه,وهناك كلب ضخم الجسد,ينظر اليه بعيون متسائلة ..تحتضنه الفرحة لقدومه.تقدم منه الكلب الكبير .وبدا مرحّباً به حيث كان يهزُّ لهُ ذنبهُ..فاقترب منه ومسَّد على رأسه ورقبته.وبعد لحظات استيقظ منزعجاً مفكراً بمعنى الحلم وما هو تفسيره.وفي اليوم التالي أخذ البوّاب يتجول في البناية ويتعرف على النزلاء..وكان خلف البناية مطعم,ففرح بوجوده قائلاً:..في نفسه ..هذا يغنيني عن طبخ الطعام,فاشتري طعامي جاهزاً.ودخل المطعم وعرّفهم بنفسه,بانه حارس البناية الجديد,رحّبوا به وعندما تناول وجبة الغداء.. رفضوا ان يأخذوا ثمن وجبة الطعام..قائلاً:..لهُ صاحب المطعم,انت سوف تحرسنا وتحرس ممتلكاتنا من السراق وهاهي حاجاتنا تملأ الرصيف..ونحنُ فرحون بوجودك معنا..شكرهُ البوّاب قائلاً:..سأحافظ على كل شيءيخص البناية والنزلاء ان شاء الله.وهكذا انطلق البوّاب يمارس عمله.بجد ونشاط ويتعامل مع النزلاء بانسانية وخلق رفيع. حتى صار له اصدقاء كثيرون ومنهم صاحب البناية,حينما رأى دماثة خلقه وغزارة علمه وادبه..فصار يزورهُ كل يوم ,حتى اطلعه على اسراره الشخصية واصبح صديقاً حميماً لهُ..فاخذ يستشيرهُ في كثير من اْمور حياته العائلية.التي كان يعاني منها ,لانه مرتبط باثنين من النساء,وبفضل رجاحة عقل البواب,تحسنتْ حياة صاحب البناية.وأتخذ منهُ قدوة في الحياة، وصار مثلهُ الاعلى لانه انسان لديه قيم ومبادئ يطبقها في حياته اليومية..وتأثر صاحب البناية بالبوّاب كثيراً..بحيثْ كان يقلده في المطالعة,وفي الكتب التي يقرؤها يومياً..حيثُ كان مدمناً على المطالعة.ينامُ والكتابُ يرقدُ تحتَ وسادته..حتى صار له اسم في الوسط الثقافية..لكن البوّاب بدتْ حالته الصحية تسوء تدريجياً.وقد ترك عليه حلمه المزعج أثار نفسية أقضّتْ مضجعهُ.حيثُ كان يشعر أن الكلب الذي رأه في منامه هو المرض الذي سرى بأوصاله.وظلَّ ينخرُ بجسدهِ,لكن البوّاب اعتاد الجلوس كلَّ يوم امام باب البناية..واحياناً لا يخرجُ من غرفته لسوءِ حالته الصحية..وفي يوم من ايام الشتاء الممطرة ,جاء صاحب البناية متلهفاً لزيارة البوّاب,لانه غاب عنهُ  لمدة ثلاثة ايامٍ,فسأل العامل الذي في دكانه.هل رأيت البوّاب…؟

قال:..كلا..لم أره اليوم لكنه اعتاد الجلوس امام باب البناية كل يوم..فاستغرب المالك وراح يتفقدهُ في غرفته,فوجد الباب موصداً من الداخل..طرق الباب عدة مرّات..لم يردْ عليه..كرر الطرقات على الباب..ولم يكن هناك جواب..مما أضطره الى فتح الباب بالقوة..وعندما دخل الغرفة وجده ساقطاً من السرير على الارض..عازفاً لحنه الاخير,فشعر بحزنٍ كبير..لأنه فقد أعزَّ انسانٍ تعرَّف عليه..مما جعله يكتب قصَّة  وعنوَنهَا باْسم البوّاب تخليداً للحارس الذي خدمهُ بأمانة وإخلاص…