البلاغة لا تقوم على أساس منطقي

عبد الرزاق محيي الدين مفكراً وشاعراً:

 

البلاغة لا تقوم على أساس منطقي

 

 

د. نجاح هادي كبه

 

البيئة الخاصة :

 

ولد الدكتور عبد الرزاق محيي الدين في النجف الاشرف من اسرة دينية نزحت من لبنان الجنوبي الى النجف، اشتهر منهم علماء ومجتهدون قُلّدوا في الامور الدينية ، درس في الحوزة الدينية العلوم اللغوية والدينية كالفقه والاصول والمنطق والنحو والعروض والبلاغة والادب وتدرج في الدراسة الدينية حتى حضر درس الخارج ، ولما اشتد ساعده صار يغشى المحافل الدينية والادبية محاورا وشاعرا ثم اتجه للدراسة الرسمية فَبُعِث الى مصر فحصل على درجة الدبلوم من دار العلوم العليا عام 1933 وبعد تخرجه فيها عام 1973 عُيّن مدرساً بدار المعلمين الابتدائية في بغداد ثم عاد الى مصر للدراسة فحصل على درجة ماجستير آداب من جامعة القاهرة عام 1947 برسالته (ابو حيان التوحيدي) فعُيّن استاذاً مساعداً في كلية التربية وفي عام 1956 حصل على شهادة الدكتوراه من جامعة القاهرة عن اطروحته (ادب المرتضى) وتدرج في المناصب الادارية والعلمية حتى وصل رئيسا للمجمع العلمي العراقي عام 1966 لكن في عام 1964 عين وزيرا للوحدة في وزارة السيد طاهر يحيى وفي عام 1966 انتخب أمينا عاما للقيادة السياسية الموحدة بين العراق والجمهورية العربية المتحدة الى غير ذلك ، من مؤلفاته :

 

1. ابو حيان التوحيدي ، رسالة ماجستير   2. ادب المرتضى ، رسالة دكتوراه 3. الوجيز في تفسير القرآن العزيز ، نشر وتحقيق   4. ديوان شعر  .

 

وغيرها من المؤلفات والمقالات المنشورة في الصحف والمجلات، توفي عام 1983م.

 

دوره في عملية التحديث :

 

ولابد من الاشارة الى دوره في عملية التحديث داخل المجتمع النجفي فمعلوم ان النجف تضم اكبر حوزة علمية دينية في العالم الاسلامي وظهر في هذه الحوزة رجال مصلحون رأوا ان التخلف يحيط بمجتمعهم ومما ساعدهم على الاصلاح ان العراق دخل العصر الحديث في القرن التاسع عشر الميلادي وكانت المدارس والمطبوعات تأخذ دورها في النجف (نتيجة لاحساس علماء الدين والفئة المثقفة في المدينة باهمية تدريس العلوم الحديثة واللغات الاجنبية ، فقد قامت جماعة من الاهالي في مطلع القرن العشرين بتأسيس هيئة علمية في العام (1909م) اشترك فيها علماء مدارس تعنى بتدريس العلوم الحديثة واللغات الاجنبية كالفرنسية والانكليزية وتجسيد ذلك بتأسيس مدرستين على وفق النمط الحديث هما المدرسة (العلوية) والمدرسة (المرتضوية) وقد ادت هاتان المدرستان دورا هاما في رفد حركة التجديد ونشر الافكار الحديثة عندما كانت تعقد فيها الاجتماعات الثقافية والسياسية ويتم مناقشة مختلف القضايا وقراءة الصحف والمجلات العربية في اندية هاتين المدرستين . وكان للمصلح الكبير (الاخوند) محمد كاظم الخرساني الفضل الكبير في تأسيس المدرسة (العلوية) بعد ان الف لجنة للاشراف على هذا المشروع العلمي وقد استطاعت هذه المدرسة العمل حتى العام 1914 (موعد انطلاق الحرب العالمية الاولى) لذلك اغلقت صفوفها . وتأتي اهمية مدرستي (العلوية) و (المرتضوية) الى جانب مهمتها التعليمية والتربوية من انهما كانتا بمثابة ناد ثقافي وسياسي .. ولاسيما ان المدرسة (المرتضوية) افتتحت قاعتين واحدة للمناقشات واخرى للمطالعة احتوت أصنافا متنوعة من المجلات والصحف المحلية والعربية والاجنبية وكانت معينا ثرا اغنى رؤى ومعارف طلبتها سواء في متابعة آخر المستجدات العلمية والثقافية ام احداث التطورات السياسية اقليميا ودوليا، مما شكل محصلة اساسية في بناء الادراك والوعي للفئة المثقفة النجفية حديثة النشأة والتكوين من امثال الاديب والمفكر جعفر الخليلي والقاضي الشرعي المتنور ضياء الدين بحر العلوم وبطلي ثورة العشرين الشيخين هادي ومهدي ولدي الشيخ عبد الكريم الجزائري ومن طلابها ايضا الشاعر اللبيب محمود الحبوبي وغيرهم ممن اسهموا اسهاما متميزا في مختلف جوانب الدولة العراقية حديثة التأسيس في اعقاب الحرب العالمية الاولى (1) .

 

وهذا التطور الثقافي والعلمي والديني اثر في توجهات الدكتور عبد الرزاق محبي الدين فكان الى جانب الفئة المثقفة يسندها بأفكاره وشعره لذلك ساند الشيخ محسن الامين العاملي في دعوته الاصلاحية حين اعلن رأيه بمخالفة التطبير ايام عاشوراء وحين اعلن عن ضرورة تطوير الدراسة في الحوزة الدينية والابتعاد عن تآليف الكتب العديدة في موضوعات كانت الاجدر معالجة غيرها حين حاول صرف انظار العلماء عن التأليف في موضوع الاصول كالطهارة الى ضرورة التآليف في موضوعات دينية اجدى نفعا للانسان المثقف ووقف عبد الرزاق محيي الدين موقفا حداثويا آخر في المعركة التي حدثت في النجف التي تسمى بمعركة (الشيوخ والشباب) التي تصاعد مدها اوائل العشرينات وكانت هذه المعركة صراعا بين فريقين من الشعراء هما المجددون والمقلدون ولابد من الاشارة الى ان المجددين من الشباب (امثال الجعفري ومحيي الدين ومحمد شرارة ومحمد جواد السوداني)(2) قد تأثروا بالتيارات الادبية الحديثة بالأخيلة والعواطف والمضامين وابتعدوا بالقصيدة النجفية عن شعر المناسبات فاتجهوا الى موضوعات حديثة تتعلق بواقع العصر بعد ان كان الشعر يسير حتى نهاية القرن التاسع عشر على منوال التقليد او مايسمى بالفترة المظلمة فكانوا من مدرسة الاحياء الجديدة ، قال عبد الرزاق محيي الدين :

 

ارى دين عيسى مثل دين محمد

 

هما شرعا دين المؤاخاة بيننا

 

                        ولكن هذا الاختلاف لمن دانوا

 

 فكل بني الانسان في الارض اخوان و(قد عرّض في بعض ابياتها بالشيوخ وندد بموقفهم السلبي من التطور والتجديد ونعى عليهم جمودهم وعدم مواكبة الحياة فقال:

 

رويدا رجال السد فالسبيل جارف

 

فلو كان في امكانكم ان تهيئوا

 

دعوا الناس احرارا تبوح بما ارتأت

 

وكيلوا بميزان النقود وزانها

 

والا فما هذا الضجيج بنافع

 

وانتم بعصر لاتقيم بظله

 

ومن عجب ان الرجال هياكل

 

تحركها من جانب الغرب آلة

 

                        يسيح له سد ويهدم بنيان

 

سفينة نوح (غاية السيل طوفان)

 

فللكل رأي في الحياة واذعان

 

ليظهر فيما النقص ، فالنقد ميزان

 

اذا لم يعاهدكم دليل وبرهان

 

فروض الدعاوى(كل عصر له شان)

 

مجوفة فيهن للقوم اوكان

 

فتصغي لها من جانب الشرق آذان) (3)

 

وكان للدكتور عبد الرزاق محيي الدين دور في تأسيس الرابطة العلمية الادبية في النجف عام 1932م مع الفقيدين محمود الجنوبي وصالح الجعفري وكان لها اثر في تكوين قيادة جديدة لبعث الادب النجفي وانهاضه من سباته (4) ، وكان من المساندين في تجديد الدراسة الحوزوية إذ كان من العاملين على انشاء جمعية منتدى النشر في النجف (5) التي تحولت الى كلية منتدى النشر التي انبثقت منها كلية الفقه في النجف وكان لها دور ريادي في الدراسة الحديثة الى جانب الدراسة القديمة التي اسهم في انشائها مجموعة من العلماء منهم محمد رضا المظفر وكان من دعاة نبذ التسلط الطبقي ووقف الى جانب الطبقات الفقيرة ونادى بالاشتراكية والمساواة بين البشر ، واذا كان من المجتمع النجفي من المحافظين مَنْ يرى في رجل دين يعتم بالعمة ينادي بالاشتراكية مروقا عن الدين فان المجتمع المصري المسلم انقسم بين اختيار مصطلح (العدالة الاجتماعية) الذي نادى به سيد قطب وبين مصطلح (الاشتراكية الاسلامية) التي نادى به حسن البنا، قال عبد الرزاق محيي الدين مؤيدا مبدأ الاشتراكية في قصيدته (ربّة الدلّ) :

 

ربة الدلّ خفّفي مسراك

 

ان قلب المحب بين خطاك

 

والفي مشية الهويني ، والا

 

عثرت في قلوبنا قدماك

 

الى ان يقول :

 

وما لي في شاهق مطمع

 

فياساسة الطفل ، لا امة

 

على غير ما رضيت تخضع

 

وياقادة الجيل لا ماشيا

 

الى الموت يَصدع او يُصدع

 

ويادارة الخير لم يكذبوا

 

ويادارة الشر لم يدعوا

 

لدون كراسيكم الدافئات

 

اوائل تعلى فما ترفع

 

ودون نفوسكم الضامرات

 

نفوس على بطنه تجشع

 

بقي وفيا للشعر العامودي مع تجديد في موضوعاته فكان محيي الدين وشعراء المدرسة النجفية كالجواهري والصافي والشرقي والجعفري والشبيبي بعيدين عن التيارات الحديثة الحادة التي وظفتها جماعة مدرسة أبولو خصوصا ذات الجناحين الغربيين الرمزي والرومانتيكي . وبقي عبد الرزاق محيي الدين ذا موقف متشدد من الشعر الحديث قال: (ليس اقصد بالشعر الحديث كل الشعر المعاصر ، فمن الشعر المعاصر ما لم يخرج من اطار الشعر القديم في شكله او مضمونه ، ولكنني اقصد الشعر الذي انقطعت الصلة بينه وبين الشعر القديم ، واهم ماآخذه على هذا النمط من الشعر انه (يجرد) الملموس والمحسوس انه يحيلهما الى وهم لاتحسه العين او الاذن فبدلا من ان يقول الشاعر (بحر) مثلا ، نراه يقول (خاطر ازرق) ان الشعر هو لغة المجاز والاستعارة ان يقربا المعنى الى الاذهان لا ان يبعداه) (5) .

 

وفي ضوء ماتقدم يتضح ان الدكتور عبد الرزاق محيي الدين لايرى ان تتغير البلاغة او تتطور بحسب مايراه المنظرون نقاد الشعر الجدد فهو لايؤمن بالاساليب الفنية الحديثة كالسريالية ويرى ان البلاغة لاتقوم الا على أساس منطفي يجمع بين المشبه والمشبه به او بين المستعار والمستعار له .ولابد من الإشارة الى ان د. عبد الرزاق محيي الدين له ردود على د. علي الوردي حول آراء الوردي المثيرة عن اللغة العربية ضمنها الوردي في كتابه(أسطورة الأدب الرفيع).

 

الحواشي :

 

1.         جمال الدين الافغاني والعراق ، ص: 456-457 .

 

2.         في الادب النجفي ، ص: 121 .

 

3.         نفسه ، ص:125-126 .

 

4.         يوكيبيديا ، الموسوعة الحرة .

 

5.         جريدة المدى ، ملحق عراقيون ، ع: 3060 في عام 2014 .

 

المصادر :

 

1.         جريدة المدى ، ملحق عراقيون ، ع: 3060 ، س:11، في 17/4/2014.

 

2.         جمال الدين الافغاني والعراق ، دراسة تحليلية في التأثر والتأثير المتبادل ، د. صباح كريم رياح الفتلاوي ، مراجعة د. كمال مظهر احمد ، العارف للمطبوعات ، ط:1 ، 2014 ، لبنان nبيروت .

 

3.         في الادب النجفي ، قضايا ورجال ، محمد رضا القاموسي ، المكتبة العصرية ، شارع المتنبي، 2004م ، ط:1 ، دار المثنى للطباعة والنشر ، بغداد .

 

4.         يوكيـــــبيديا ، الموسوعة الحرة .