البكّاءون الثلاثة – عادل سعد

البكّاءون الثلاثة – عادل سعد

يظل الاجهاش بالبكاء واحداً من ايسر الاستجابات العاطفية  ، ورغم ان الاغلبية العظمى من نوبات البكاء تحصل بمحركات الحزن فإن دمعاً غزيراً قد يهطل بأسباب مفرحة ،أو جميلة اطلت دون توقع حصولها حيث يغمر صاحبها احساس فسيولوجي  جامح تتألق فيه المدامع دهشةً وزهواً وحبوراً  ، والبكٌاء لقب عائلة عربية أصيلة امتد حضورها على امتداد خارطة العراق  لذلك من النادر جداً ان لا تجد  حفيداً لها ،هنا  ، أو هناك من  محافظات العراق. تشاء حياتي ان اكون على معرفة وصداقة مع ثلاثة من رموزها ، أولهما الراحل الدكتور محمد البكاء عندما كنت سكرتيراً لتحرير لمجلة صوت الطلبة وكان البكاء رئيساً للقسم الثقافي فيها  ،اشهد انه  أغنى المجلة بالمزيد من المعارف الأدبية وعمل على رعاية  الطلبة ذوي التطلعات الأدبية الذين امتدت بهم الفرص  ليتخرجوا من اكمامها   شعراء وكتاب روايات ، وأصحاب أقلام نقدية ذات مهارة فائقة في تحليلاتهاالدكتور محمد البكاء نال درجة الدكتوراه عن  عطاء العلاّمة المبدع مصطفى جواد الذي قال عن نفسه في احد الايام (انا تركمانيٌ أُعلِم العرب لسانهم ) .

من طرائف مصطفى جواد المبكرة  أنه كان بارعاً في صعود نخيل بساتين مدينة الخالص  حاضنة بعض فتوته .  كان يصعد النخيل  بطريقة مقلوبة ، رأسه إلى الأسفل وقدماه إلى الأعلى في موازنة صعبة اشبه بلعبة سيرك  ،وقد أجرى منافسات عديدة في هذه الرياضة مع اخرين خلال  العشرينيات من عمره. ، وللتاريخ ،ان  ما كتبه محمد البكاء عن مصطفى جواد يظل من اغنى المصادر  المعرفية عن هذه الشخصية البارعة في ملاحقة اسرار اللغة العربية  وتفكيك  الشراكة بين العشب اللغوي والدغل المسموم .

تغيرات سياسية

ومن عائلة السادة البكائين المؤرخ والأكاديمي طاهر البكاء .

لقد كنا على صلة تكاد تكون دائمة لكنها انقطعت بسبب المتغيرات السياسية المتلاحقة والسريعة التي عصفت بالمشهد السياسي العراقي  العام  .

يتمتع طاهر البكاء بذاكرة تحليلية  في القراءات الاستطلاعية ، وبحس إنساني انعكس في العديد من المواقف الإيجابية خلال الوظائف الأكاديمية والادارية التي تقلدها أستاذاً محاضراً ، ورئيساً للجامعة المستنصرية ثم وزيراً للتعليم العالي والبحث العلمي حيث أنجز عدة مشاريع تأهيلية أعادت الاعتبار لمنزلة الأستاذ الجامعي والصروح الأكاديمية العراقية بهوامش من الاستقلالية والدعم المادي والاعتباري ، منها تعديل قانون الخدمة الجامعية  بعد سنوات الانغلاق بسبب طوق الحصار الذي تم فرضه على العرا ق بموجب الفصل السسابع من ميثاق الامم المتحدة وجعل الجامعات العراقية خارج نطاق الخدمة الحديثة .لقد انتزعت  المتغيرات التي احدثها طاهر البكاء  الحضور الجامعي  من الهبوط و الفزع الأمني وشيوع ذاكرة التوتر على قارعة عقدي الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي حين كانت الحرب ومنصات العسكرة بارجة الحياة العراقية آنذاك.بخلاصة ، طاهــــر البكاء بلاغة بشرية من التوازن  والتمرس في الاصغاء للاخرين . وقد استوقفتني انبهاراً إلى حد بعيد الشخصية الثالثة من هذه العائلة الكريمة ، أعني يحيى البكاء الذي فوّض نفسه أن يكون ناطقاً رسمياً عن جدارة من اجل تعظيم مقدرات الإنسان أياً كانت منزلتة إذ تندرج منصة يحيى  الآن على الانترنت  ضمن افضل المنصات الساعية الى تحقيق وصاية العدل وكأني به يستنسخ رؤية الفيلسوف كونفوشيوس حين خاطب أحد أباطرة الصين برسالة ناشده فيها رعاية حامل تلك الرسالة  قائلاً  ،”أوصيك به انه ابن الانسان” .

مشاركة