البطاقة التمويهية

البطاقة التمويهية

 منهل الهاشمي

   بعد سقوط النظام البائد استبشر العراقيون خيرا بحال افضل وعهد جديد….عهد الحرية والديمقراطية والخلاص من مآسي والآم الحصار الجائر المظلم  وتحسين المستوى المعاشي والخدمي من ماء وكهرباء وبنى تحتية, ومستشفيات, وطرق وجسور, واعمار وبناء…………الخ.ومن ضمن (الاحلام) التي كانت تراودننا وخصوصا الفقراء والمعدمين المتعففين…..ملح الارض المعجونين بطين العراق الاسمر (الاملح)……..عيال الله الذين اكتووا بنار الجوع والحرمان وذل الحاجة لسنوات عجاف طويلة هو حلم تحسين حال مايسمى بـ(البطاقة التموينية) بعد ان آيسنا تماما من حلم انتفاء الحاجة لها والعودة الى العهد الاقتصادي السابق الذي امتاز بالانتعاش المادي والمعيشي  والمكتفي لدى العراقيين عموما حينما كان الدينار العراقي يصرف رسميا بالمصارف بـ(3دولارات و33سنتا)…..عهد ماقبل (البطاقة التموينية)!!.

     ولكن بدت لنا هذه (الاحلام) فيما بعد بانها ماهي بالاحلام……بل (اضغاث احلام)!!….لا بل (كوابيس) يراها فيما يرى النائم!!!.فبعدما كانت مفردات هذه البطاقة في زمن (المجرم والطاغية) مايقارب (14) مفردة من المواد الغذائية اخذت تتقلص و(تترشق) شيئا فشيئا بمرور الشهور والسنين بعد سقوط النظام لتستقر الى مايقارب ثلاث او اربع مفردات فقط لاغير!!!…..(وياالفقير الك الله!!).

     وتذرعت الحكومة لتبرير ذلك بشتى الاعذار الواهية منها ارتفاع اسعار الحبوب في الاسواق العالمية تارة وتحسن المستوى المعيشي للفرد العراقي مما يغنيه عن الحاجة لها تارة اخرى!!.علما بان عدة احصائيات رسمية لمنظمات دولية حيادية وموضوعية اكدت بان مايقارب (30%) من الشعب العراقي يرزحون تحت خط مستوى الفقر. رغم انه يعد من اغنى البلدان بالعالم وهو البلد الثاني في العالم على مستوى المخزون الاحتياطي الستراتيجي من البترول!!.

    عجبي!! تساءل العراقيون جميعا من سياسيي ومسؤولي العهد الحالي:الم تكونوا…..ولازلتم….وستبقون تلعنون ذلك الدكتاتور, الظالم,المجرم ، (ابن الكذا)!!….الخ.جهارا نهارا…..بكرة واصيلا,بانه قد ظلم وقتل ودمر وشرد…..الخ.(فما عدا مما بدا؟!!) كما يقول الامام علي (ع) بتعبير ايجازي دلالي في غاية البلاغة والفصاحة والبيان ـ وهو السيد في ذلك بلا منازع ـ.فكيف تراجعت  عن عهده ذاك ـ رغم الحصار الجائرـ كما ونوعا في عهدكم…..عهد الديمقراطية والرفاهية و(الفدرالية)!!! من (14) الى ثلاث او اربع مفردات ـ كما اسلفنا ـ بذريعة ان (الحصة التموينية) تكلف الدولة اموالا طائلة لا قبل لها بها!! رغم ان الحصار الجائر قد رفع بسقوط النظام ووضعت ميزانيات (انفجارية)…..(138 مليار دولار) واكثر لم ير العراق مثيلا لها طيلة تاريخه ـ باعترافكم انتم ـ فاية مفارقة مرة……مضحكة مبكية هذه!!!….اية كوميديا سوداء نعيشها!!!…..ترى كيف ستحلون المعادلة العويصة هذه وتفكوا شفرة هذا اللغز او (الطلسم) الذي حير العراقيين جميعا وجعلهم يضربون اخماسا باسداسا محتارين….متخبطين وقد اسقط في ايديهم وهم يرون التناقض الصارخ والفاضح مابين الشعارات البراقة المعلنة للاحزاب والكتل (خصوصا في المواسم الانتخابية) والواقع المر, مرارة العلقم والحنظل, الذي يعيشوه…..ازدواجية الاقوال والافعال….تلك الازدواجية في شخصية الفرد العراقي التي كان قد شخصها وادانها عالم الاجتماع والمفكر العراقي الكبير (علي الوردي) في معظم مؤلفاته القيمة…فتساءل العراقيون مذهولين بعفوية: (ترى ماالذي يجري؟!!….ماالخلل؟!!…اين الحقيقة؟!!!).

 ووصل الحال بمجلس الوزراء الى اصدار قرار حكومي يقضي بالغاء البطاقة التموينية واستبدالها بمبالغ نقدية بذريعة الفساد المالي المستشري في الصفقات المشبوهة لشراء هذه المواد الغذائية. وهكذا (داووها بالتي هي الداء)!!.وكما هو متوقع فان الكثير من التجار الكبار للمواد الغذائية (الحيتان) رفعوا اسعار تلك المواد فور تلقيهم القرار اضعافا مضاعفة مستغلين القرار وحاجة الناس ابشع استغلال.

لكن غضبة الشعب الجماهيرية والتظاهرات العفوية العارمة التي عمت جميع المحافظات تنديدا بالقرار المجحف بالاضافة الى موقف المرجعيات الشريفة في النجف الاشرف والسيد (مقتدى الصدر) الصريح والواضح برفض القرار لما فيه من ظلم وحيف بحق نسبة كبيرة من هذا الشعب المظلوم  والمبتلى  هو الذي اجبر الحكومة للعدول عن قرارها ونقول متيقنين جازمين بان لولا تدخل المرجعيات الشريفة بذلك لما عدلت عنه بدليل ان جميع تلك التظاهرات العارمة لم تعر لها الحكومة ادنى اهتمام او اهمية لكن اعلان موقف المرجعية القاطع هو الذي اصابها بالحرج فتراجعت عما فيه مكرهة لا مخيرة من منطلق مقولة (مجبر اخاك لا بطل)!!!.                         ولكن مع كل هذا لم يستقم حال (البطاقة التموينية) فقد استمر في تخبطه وتذبذبه حيث تمر شهور طويلة من دون (حصة) لتعوض الحكومة بعد ذلك المواطن بمبلغ (25الف) دينار فقط لاغير!!.

 وفي النهاية وللتخلص من هذه (البلوة)!! اصدر مجلس الوزراء قرارا يقضي بتحويل ملف (البطاقة التموينية) من صلاحية وزارة التجارة الى مجالس المحافظات عازيا ذلك الى انه يصب في صالح المواطن وانه سيقضي ـ كما يزعمون ـ على الفساد المالي في الصفقات المشبوهة لشراء مفرداتها مما سينعكس بالتالي ايجابيا على مفردات البطاقة كما ونوعا وكأن جميع اعضاء مجالس المحافظات ـ مع احترامنا للنزيهين منهم بالتاكيد ـ ملائكة منزهون ومنزلون ارسلتهم العناية الالهية لانتشال هذا الشعب المظلوم من بحر معاناته!!.

     وها قد مر مايقارب العام على ذلك القرار وحتى الان (لا طلنا بلح اليمن ولا عنب الشام)!!.حيث اقتصر دور (البطاقة التموينية) حاليا فقــــط كـ(مستمسك) ضمن المستمسكات (الصداميات الاربعة!!) الشهيرة المطلوبة من جميع الدوائر الحكومية والاهلية عند انجاز اية معاملة!!.لتتحول بذلك (اكذوبة) ما يسمى بالبطاقة (التموينية) الى البطاقة (التمويهية)!!!!.

{ كاتب وكاديمي

مشاركة