البراميل البراميل
الى شاعر المعرة أبي العلاء المعري… وللجواهري الكبير الذي قال:-
قف بالمعرةِ وامسح خدها التربا
واستوحي من طبب الدنيا بما وهبا
ومن أضاءَ لهــــــا ليلاً بفطنتـــهِ
ومن على رملها من دمعهِ سكبــا
سبتي الهيتي
لأَنك يا شاعري.
ما أبحتَ لنا قتل أنملة،
ولا مسك برغوث صغير،
فأَني سأنبيك عن خبر:
البراميل التي فتكت بالألوف،
ممن يدبُّ على أَرضها ويسير.
والبراميلُ .. البراميل،
وما خفيت عن عيون الكبار،
ولا عن عيون الصغار،
وهي تلقي بنار جهنم،
لتدكَ المنازل والطرقات،
وتروع بالموت،
اطفالها النائمين العراة،
والبراميل يا سيدي.
منذ عام وعام.
تغير وليس تنام،
لترهب الناسَ الابرياء،
والزرعَ والضرعَ ، بأرض الشآم،
وتمنع عنا ، وعنها السلام،
رغم أنف دعاة الصلاة،
وفرض الصيام..
وأنف دعاة السلام،
والبراميل ياشاعري..
تستبيح النيام،
وتقضي على الجائعين والخائفين،
حينَ تسقط مملوءة بالحِمام،
وهي في كل حين،
يا رهين المعرة والمحبسين،
ما أمتلأت خفية،
من نفوط العراق وباروده،
واستوت على سوقها،
بيد الخائبين،
والحاطبينَ بليل الفجيعة،
إلا لترمى ، وبوضح النهار،
على المدن المستباحة والبائسات،
فتصب عليها العذاب،
وترمي بكل الجحيم على كل دار،
ولا أحد من طواويس،
هذا الزمان يثار…
والبراميل يا طيب القلب،
كم روعت من مدائن!؟
وكم .. اوقدت من شرار!؟
وكم قتلت من نفوسٍ!؟
وكم أحرقت من ثمار.
وكم هدمت من مساكن،
للمعدمين الجياع.
وكم اشعلت من خمائل بين البقاع،
لتحرق اعشاش كل الطيور،
وهي ما تركت فاكهة التين والخوخ،
والعنب الأخضر في لحظه،
سوى حفنة من رماد،
ولا الورد والياسمين،
والرازقي المعطر إلا قتار.
وهي يا سيدي،
إذا انفجرت نارها في المدائن،
لن تفرق بين بيت وبيت،
ولا بين باب وباب،
ولا بيـن طفـــل وأم،
ولا بين شيخ وشاب:
فكم سلبت من حياة،
وكم تركت من عذاب،
وكم أهلكت وبأرض المعرة،
من شجر ودواب،
وقضت مضاجع كل حيّ بحمص،
ومن لم تفارقه بعد الحياة،
لتقتل حتى البلابل والقطط والامهات،
وسرب القطى وقد روع الموت،
اعشاشها باحتراق الغصون.
والبراميل البراميل..
ما انفجرت على خضر البقاع العشية،
إلا لتحرق كل الرياحين،
وتأتي على كل زيتونة،
زرعتها المعرة للمعدمين،
وكل كتاب،
تنفس بالحقِ يبغي الحياة،
فالبراميل ياحبيس الظلام الحزين،
ولما تزال، تروع في الشام احيائها كل حين،
وتصب عليها سموماً ونار،
فأمست على البعد ترهبني،
وصرت اخاف منها عليك،
فربتما تصب على الجسد،
المستريح بلحدكَ نيرانها،
وتدكُ عليهِ جحيم الطغاة،
وهي ما أحرقت شجر الياسمين،
المطل على قبر خالد،
بن الوليد، فحسب،
بل سرقت سيفهُ،
مثلما منك احلى الكلام.
لكي تهتكَ الحرثَ والنسلَ بالانتقام،
يانصير المحبةِ وحبيب السلام،
فالبراميل،
تغيرُ كذلك بين حين وحين،
على ترب ام البنين،
زينبُ، التي لم تزل،
من قبل الف عام وعام،
بين سرب الحمام وبين الغمام،
وزرق المآذن في كربلاء الحسين،
يلوح لنا وجهها مثل بدر التمام،
تداوي الجراح،
وتحنو على الفقراء اليتامى،
والثاكلات الارامل، ومن أخرجوا عنوةً،
من مساكنهم حذرَ الموتِ،
ومن روع الخوف اطفالهم،
وهو يسرق ابتساماتهم،
ومن بين ايديهم الخبز والتمر،
واللعُب الصغيرة.
ويمنعهم من
الرسمِ والضحكِ،
والذهاب الى المدرسة.
فالمدارس قد اغلقوا،
مثل ابواب المدينة ابوابها،
وقد بدأوا بمدرسة ابن حيان،
والبحتري والرصافي،
في حي نزال بالفلوجةِ،
لتتبعها المئات المئات،
بأعالي الفرات.