الانتخابات المصرية

الانتخابات المصرية
عبد الله محمد القاق
تجري يوم الاربعاء ثاني انتخابات رئاسية تعددية في تاريخ مصر وأول انتخابات رئاسية بعد ثورة 25 يناير حبث من المقرر إقامة الجولة الأولى من الانتخابات يومي يومي الاربعاء والخميس المقبلين طبقًا لما أعلنته اللجنة العليا للانتخابات؛
ويجئ ذلك بعد تعهد رئيس المجلس الاعلى للقوات المسلحة المشير حسين طنطاوي بأن تكون الانتخابات الرئاسية التي ستبدأ اليوم نزيهة حيث اشار الى ان مصر ستقدم نموذجا يشهد له العالم في اجراء انتخابات رئاسية بارادة شعبية حرة ونزيهة .
ودعا طنطاوي الذي يقوم مقام رئيس الجمهورية منذ اسقاط حسني مبارك في 11 شباط 2011، الشعب المصري الى القيام بمسؤوليته الوطنية خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة.
وطالب افراد القوات المسلحة بأن يكونوا قدوة لجميع افراد المجتمع في الانضباط والتفاني في اداء مهامهم خلال تأمين الانتخابات الرئاسية القادمة .
ولعل ابرز المرشحين للانتخابات اخر رئيس وزراء في عهد مبارك الفريق احمد شفيق والامين العام السابق للجامعة العربية عمرو موسى والاسلامي المعتدل عبد المنعم ابو الفتوح ورئيس حزب الحرية والعدالة المنبثق عن جماعة الاخوان المسلمين محمد مرسي والقيادي الناصري حمدين صباحي. وتأتي الانتخابات الرئاسية بعد فترة انتقالية مضطربة استمرت قرابة عام ونصف.
حيث وعد المجلس الاعلى للقوات المسلحة بتسليم السلطة لرئيس منتخب قبل نهاية حزيران المقبل. وصوت اكثر من نصف مليون مصري فى الخارج خلال الاسبوع الحالي. هذا وقد أثارت التصريحات التي أدلى بها سكرتير المجمع المقدس بالكنيسة الأرثوذكسية الأنبا بيشوي والتي دعا فيها المسيحيات إلى الاقتداء بملابس المسلمات خلال زيارة الأديرة جدلا واسعا في الأوساط القبطية. ووصف رئيس منظمة الاتحاد المصري لحقوق الإنسان نجيب جبرائيل تصريحات بيشوي بانها مستفزة .
وقال في بيان امس إن بيشوي عند مطالبته بالاقتداء بملابس الفتيات المسلمات إنما يعنى بمفهوم المخالفة تغليب لفئة على أخرى ونظرة متدنية وغير مقبولة إزاء ما ترتديه الفتيات المسيحيات مع الاحترام والتقدير الكامل لما ترتديه الفتيات الملسمات .
والواقع ان خريطة المرشحين في الانتخابات الرئاسية المصرية، والتي فُتح باب الترشيح لها يوم 10 مارس الماضي وحتى 8 أبريل الماضي اختلفت، عنها في انتخابات مجلس الشعب الأخيرة التي أُجريت بين نوفمبر ويناير الماضيين.لقد كانت خريطة الانتخابات البرلمانية أكثر وضوحاً، وخطوطها أكثر تحديداً، لأن الاستقطاب الإسلامي الليبرالي هو الذي رسم معالمها الأساسية. لذلك تضمنت تلك الخريطة ثلاث مساحات يسهل إعطاء كل منها لوناً مختلفاً، وهي المساحة الكبيرة التي شغلتها أحزاب وقوى إسلامية، ومساحة ثانية لأحزاب وتيارات ليبرالية ويسارية، ثم مساحة ثالثة أصغر منهما ضمت أطرافاً عدة لا يجمعها جامع إلا عدم وجود مكان لها في المساحتين الأخريين وإن تداخل بعضها مع هذه المساحة أو تلك.
ودار الصراع الانتخابي الرئيسي على مستويين كما يقول عضو مجلس الشعب وحيد عبد المجيد، أولهما بين القوى التي شغلت المساحة الإسلامية وتلك التي تركزت في المساحة الليبرالية. وثانيهما في داخل المساحة الإسلامية نفسها بين حزب الحرية والعدالة الإخوان وتكتل حزب النور الذي ضم ثلاثة أحزاب وعدة جماعات سلفية. وكان هناك صراع على مستوى أقل داخل المساحة الليبرالية، وآخر محدود أيضاً بين أطراف المساحة الثالثة المختلطة وغيرها في المساحتين الأخريين. ورغم أن خريطة مرشحي الانتخابات الرئاسية اكتمات صورتها النهائية وظهر ان الاستقطاب الإسلامي الليبرالي ليس العامل الرئيسي أو المحدد الأول لخريطة مرشحي الرئاسة بسبب تعدد المرشحين، رغم أن شيئاً لم يتغير بشأنه منذ انتهاء الانتخابات البرلمانية. فالأجواء السياسية والثقافية لا تزال مشبعة بهذا الاستقطاب ومؤثرة في عملية إعداد الدستور الجديد. لكن طبيعة الانتخابات الرئاسية نفسها تجعل أثره فيها أقل نسبياً مقارنة بالانتخابات البرلمانية. فشخصية المرشح تلعب دوراً أكبر من الانتماء السياسي والفكري. كما أن تأثير الأحزاب والقوى السياسية ذات الشعبية الأوسع في الانتخابات الرئاسية يقل عنه في الانتخابات البرلمانية، خصوصاً إذا لم يكن للحزب نفسه مرشح من بين قادته أو أعضائه. أما الحزب الأكبر في مصر اليوم، وفق نتائج الانتخابات البرلمانية، وهو الحرية والعدالة ، فقد التزم بما كانت جماعة الإخوان تعهدت به عشية تنحي مبارك، وهو أنها لن تقدم مرشحاً في أول انتخابات رئاسية. الاانها فا جأت المجتمع المصري واعلنت ترشيح الدكتور محمد مرسي لتمثيل الاخوان المسلمين بعد اسبعاد القيادي خيرت الشاطر حيث يمكن لجماعة لأخوان التأثير في الحلقات والدوائر القريبة إليها. لكن تأثيرها أقل على الناخبين العاديين الذين اقترعوا لمصلحة مرشحي الحرية والعدالة وحلفائه في الانتخابات البرلمانية. فمعظم هؤلاء الناخبين يندرجون في إطار الأغلبية الصامتة التي فاجأت الجميع عندما أقبلت على الانتخابات البرلمانية فرفعت نسبة التصويت فيها إلى 62 في المائة.
وهكذا تبدو خريطة مرشحي الرئاسة المصرية في حال شد وجذب، وهنا، يمكن الإشارة إلى مساحتين أساسيتين. الأولى هي مساحة مرشحي التغيير الجذريين الراديكاليين الذين يريدون تحقيق تحولات كبيرة في معادلة السياسة والمجتمع. وهي تشمل معظم المرشحين الإسلاميين عبد المنعم أبو الفتوح وسليم والكتور محمد مرسي ، والمرشحين القوميين واليساريين مثل حمدين صباحي وأبو العز الحريري وخالد علي وهشام بسطويسي ومرشحين مستقلين مثل يحيي حسين وبثينة كامل. أما المساحة الثانية فتضم المرشحين التقليديين أو المحافظين الذين يريدون إصلاحات غير جذرية ولكنها متفاوتة وفي مقدمتهم عمروموسى وأحمد شفيق وحسام خير الله.
ويبدو ان أقباط مصر قد اشتكوا من التمييز في عهد الرئيس السابق حسني مبارك. لكن مخاوفهم قد تتفاقم إذا فاز مرشح إسلامي بانتخابات الرئاسة التي تجري هذا الاسبوع حيث يهيمن الإسلاميون الذين عانوا من القمع طويلا على البرلمان بالفعل. ويقول مرشحون إسلاميون للرئاسة إن الأقباط الذين يمثلون نحو عشر سكان مصر البالغ عددهم 85 مليون نسمة لن يهمشوا لكن أقباطا متشككين يقولون إنهم لن يصوتوا لهم.
وأكبر شكوى للأقباط ومصدر أغلب أعمال العنف الطائفي في مصر هي تشريع يسهل بناء المساجد ويصعب بناء كنائس أو حتى ترميمهاحيث لا يحتاج بناء مسجد جديد سوى تصريح من أجهزة الحكم المحلي. أما بناء الكنيسة فيتطلب أعمالا ورقية إضافية بل ويجب أن يوقع على إقامتها الرئيس بنفسه وهي مهمة أوكلها مبارك للمحافظين في نهاية المطاف.. وإذا صوت المسيحيون ككتلة، وهو ما قد لا يحدث، فإنهم قد يساعدون في تغيير مسار السباق الذي لا يمكن التنبؤ بنتائجه والذي يمثل إسلاميون أو رجال خدموا في عهد مبارك مرشحيه الرئيسيين.
ولم يحسم الكثير من الناخبين أمرهم لكن إذا ما سئل قبطي عمن يفضله فانه يسارع ليعلن أنه يفضل شفيق أو عمرو موسى الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية الذي كان وزيرا للخارجية في عهد مبارك ذات يوم. والاثنان مسلمان مثلهما مثل بقية المرشحين الثلاثة عشر جميعا وكانا جزءا من عهد مبارك حين كان المسيحيون يشكون من معاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية في أماكن العمل وغيرها. لكن الاقباط يشعرون تجاههما بقدر من الارتياح أكبر مما يشعرون به ازاء الاسلاميين مثل محمد مرسي مرشح جماعة الاخوان المسلمين او العضو السابق بالجماعة عبد المنعم ابو الفتوح على الرغم من محاولات الأخير التودد لليبراليين والسلفيين الذين أعلن قادتهم تأييدهم له.
وقد لوحظ انه لا يكتمل مؤتمر انتخابي دون توجيه نداء لكل المصريين مسلمين ومسيحيين لكن وضع المسيحيين ومسألة الشريعة الاسلامية من القضايا الساخنة في البلاد التي تناضل لتصوغ هويتها وتطلعاتها الجديدة.
وخلال مناظرة تلفزيونية ضمن الحملة الانتخابية سأل موسى ابو الفتوح عما اذا كان للمسلمين الحق في التحول الى اعتناق المسيحية. وقال ابو الفتوح ان المسلم الذي يفعل هذا يمهل ثلاثة أيام للاستتابة قبل إقامة الحد عليه وان بعض الفقهاء يرون أن الاستتابة يمكن أن تمتد طوال الحياة. وواجه موسى الذي يصف نفسه بأنه قومي ليبرالي أسئلة بشأن الدور الذي سيمنحه للشريعة الاسلامية.
وفي العام الماضي اتهم اسلاميون قساوسة في كنيسة بحي امبابة بالقاهرة باحتجاز امرأة مسيحية اعتنقت الاسلام. واندلعت اشتباكات عنيفة اثر ذلك وأحرقت الكنيسة.
ويرى الكثيرون من الاقباط أن أرى أن شفيق الاجدر بالرئاسة لأنهم يرون في خلفيته العسكرية القوة اللازمة لحماية حقوقهم في مواجهة الاسلاميين . وتتكرر الصراعات التي تندلع بسبب علاقات عاطفية بين أبناء الطائفتين أو بسبب بناء كنائس في قرى أو بلدات تلوح فيها نزاعات على النفوذ وخصومات عائلية بقدر ما تلوح الانتماءات الطائفية.ويقول حافظ أبو سعدة رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان إن أربعة أخماس العنف الطائفي في الأعوام الخمسة السابقة اتصل بقضايا بناء الكنائس وان من الضروري وضع تشريع عادل لنزع فتيل التوتر.
هذا وتترقب الاوساط السياسية العربية والاسلامية والدولية نتائج الانتخابات المصرية اليوم لانها سترسم سياسة الجمهورية الجديدة وتوجهاتها الوطنية والقومية التي ستغير وحه مصلر في العالم بع ان سيطر حكم الاسبداد والقهر والظلم فعهد الرئيس المخلوع حسني مبارك وفلوله عبر الاثنين والثلاثين عاما الماضية.
رئيس تحرير جريدة الكاتب العربي الاردنية
/5/2012 Issue 4207 – Date 23 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4207 التاريخ 23»5»2012
AZP07