الاغتراب والبنية الاجتماعية

الاغتراب والبنية الاجتماعية
علي محمد اليوسف
إن فلاسفة اليونان والرومان ومفكري وفلاسفة اللاهوت والميتافيزيقيا ممن عنوا بظاهرة الاغتراب في كتاباتهم ومخلفاتهم ورؤاهم من السابقين على هيجل ظلوا يعاملون علاقة الاغتراب بوجود الانسان والطبيعة والميتافيزيقيا على وفق معيار احادي يؤكد ميكانيكية علاقة الثبات Static المعبر عنها بانفصال الاغترابي بمعنى اعتزاله الناس وترك المحيط وفي احيان كثيرة مزاولة الانكفاء السلبي على الذات….
إن نزعة الثبات السلبية التي اشرنا لها سريعاً في رصد ظاهرة إلاغتراب لدى كل من هيجل و ماركس تفترض فهمنا لها أن هذين الفيلسوفين أقرا ضمناً أن اغترابية الفرد عن البنية الاجتماعية هي اغترابية سلبية احادية من خلال ما اطلق عليها هيجل التسليم باعتبار هيجل أن الدولة تمثل مصالح المجموع ولا يتوجب معارضتها… ونواة هذه الفكرة مستمدة من مفاهيم فلاسفة العقد الاجتماعي لوك، هوبز، روسو بمعنى توافق الفرد على ان الدولة هي احرص على تنظيم حقوق المجتمع اكثر من الافراد وعلى الفرد ان يضحي من اجل الاخرين وحسب تعبير ماركس أطلق عليها التناسق مع البنية الاجتماعية.. والفرد عنده مغترب عن البنية الاجتماعية كما هي البنية الاجتماعية الاخرى مغتربة عنه ايضاً… لانها أولاً يسود البنية الاجتماعية نتاج افراد مغتربين ايضاً عن ناتج عملهم لا يسيرهم حافز الارادة الحرة المسبقة في تحقيق شرطهم الانساني وتوكيد ذاتيتهم المثلى… فالبنية الاجتماعية والكلام لماركس مغتربة عن ذاتها بمعنى انها مغتربة عن خصائصها الاستلابية لقوة عمل الانسان الذي انتجها وابتدعها وبالتالي وبالنتيجة استقلت عنه أي تموضعت بشكل معاد بالضد مع من أنتجها فالبنية الاجتماعية تموضع للفرد وجزء من ذاته.
وامام هذه المعضلة كيف نظر كل من ماركس وهيجل لقهر اغتراب الانسان ؟ كما هو معلوم ذهب ماركس الذي يعتبر نظرية العمل المغترب المستمدة عن اصلها الهيجلي هي مصدر كل اشكال الاغترابات الانسانية وعليه فأن تحويل وفي اجراء تبديل شروط علاقات الانتاج وملكية وسائل الانتاج وايجاد نمط من علاقات اقتصادية يستتبعها علاقات اجتماعية إنسانية اشتراكية عادلة… وبذلك يزول الاغتراب.
واكد ماركس ضرورة الانطلاق من انفصال الفرد عن تلك البنية الاجتماعية بمكوناتها الاستلابية كمؤسسات ونظم وعلاقات وملكية عامة ويتم ذلك بتبني نمط من اغترابية ايجابية قوامها ايديولوجية سياسية تحكمها ارادة مسبقة على ازالة عوامل الاغتراب ومسبباته والاغتراب السلبي الاستغلالي الاستلابي تحكمه الحاجة الانانية أو النزعة الانانية في التملك التي هي مبعث اغتراب الفرد عن المجتمع لدى ماركس الذي راى نهاية الاغتراب تكمن في التجاوز الايجابي للمكلية الخاصة وهو التجاوز الايجابي للاغتراب. وقد اخذ ماركس على هيجل برنامجه المثالي المزيف للتغلب على الاغتراب بالتوافق مع النظام الاجتماعي الذي دعى له هيجل الذي عنى به التسليم للدولة كمؤسسة ضامنة لمصالح الفرد.
وقد وصف ماركس برنامج هيجل التلفيقي هذا بصراحة بعبارته الوقوع في شرك ذلك التوافق هو على وجه الدقة اصل المشكلة. 1
أحياناً يعبر البعض حل معضلة اغترابية الفرد عن البنية الاجتماعية بـ الهجرة وتغيير المحيط او الوطن فتبديل المحيط لم يكن على امتداد التاريخ البشري حلاً لمشكلة الاغتراب ومثال ذلك عدم زوال الحالات الاغترابية بدءاً من الشخصيات الاسطورية التي كان اغترابها غربة وجود وليس غربة مكان مثل كلكامش و اوديسيوس وعجزهما رغم كل معاناة النفي والتشرد والتيه من خلاصهما الاغترابي المتلبسهم.
وتلاهم من بعدهم الانبياء الاغترابيين ، إبراهيم، موسى، يوسف، عيسى عليهم السلام مروراً وانتهاءاً بالمئات لا بل الالوف من عباقرة وفلاسفة وادباء ومفكرين وفنانين كلهم كانوا اغترابيي زمان ووجود في بحثهم الدائب المضني وما لاقوه من اضطهاد وظلم لتحقيق حلم الانسان في وجود خالٍ من الاستلاب والقهر والكبت والاستعباد، فجوهر اغترابهم كان مسكون بالتساؤل المقلق عن المصير الانساني وغاية وجوده الارضي ومعنى الحياة التي تحكمها علامات استفهام ازلية حملوها أولئك العظام على كواهلهم واورثوها لمن بعدهم ولا تزال قائمة وستبقى وتتعمق كلما تقدمت المدنية وتعقدت الحضارة. فالاغتراب الانساني لو لم يكن ينطوي على احساس تام باستلاب واغترابية الاخرين ايضاً لبقيت ظاهرة الاغتراب ظاهرة محكومة بـ الهراء الفلسفي كما نعتها بها ماركس في مطلع شبابه، أو سفسطة مجردة مغرقة في مثاليتها الفوضوية وبغير ذلك يبقى الاغتراب صفة فردانية تبقي تفسير الاغتراب على وفق مقياسي سلبي هروبي قلق عاجز يسهم في تعميق ازمة الانسان في ضياعه وخوائه الروحي والمادي وهدر طاقاته غير المحررة بما لا ينفع وترسيخ عدم جدوى بحث الانسان عن كينونته الجوهرية الانسانية وتطمين مستقبله ومصيره.
هامش
1 كتاب الاغتراب » ريتشارد شاخت ترجمة كامل يوسف حسين ص 167.
/6/2012 Issue 4231 – Date 21 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4231 التاريخ 21»6»2012
AZP09

مشاركة