الإمام الصادق‮ (‬ع‮)‬ مدرسة كريمة وسيرة عظيمة‮ ‬- حسين الصدر‮ ‬


الإمام الصادق‮ (‬ع‮)‬ مدرسة كريمة وسيرة عظيمة‮ ‬- حسين الصدر‮ ‬

-1-
الامام جعفر بن محمد الصادق‮ (‬ع‮) ‬وجه ناصع للامامة الحقة والزعامة الرشيدة‮ .‬
وهو منهل المواهب واستاذ المذاهب،‮ ‬ويكفيك أنْ‮ ‬تعلم أنَّ‮ ‬الثقات من الرواة عَنْهُ‮ ‬الذين ذكرهم الحافظ ابن عقدة الزيدي‮ ‬بلغوا اربعة آلاف،‮ ‬وهذا العدد الضخم من الرواة كافٍ‮ ‬في‮ ‬الدلالة على انه‮ (‬ع‮) ‬كان البحر المتلاطِم بالعلم والحكمة‮.‬
ولم‮ ‬يكن العلم محصوراً‮ ‬بالفقه والحديث والتفسير والكلام وانما امتد الى باقي‮ ‬العلوم،‮ ‬فجابر بن حيّان‮ – ‬العالم الكيميائي‮ ‬المشهور‮- ‬هو واحدٌ‮ ‬من طلابه الذين اخذوا علومهم منه‮ .‬
قال عنه النعمان بن ثابت إمام الأحناف‮ :‬
‮” ‬لولا السنتان لهلك النعمان‮ “‬
وقال عنه مالك بن أنس‮ ‬– امام المالكية‮ ‬–
” ما رأتْ‮ ‬عينٌ‮ ‬ولا سمعتْ‮ ‬أُذُن ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر بن محمد فضلاً‮ ‬وعلماً‮ ‬وورعا‮ ‬،‮ ‬
وكان كثير الحديث‮ ‬،‮ ‬طيّبَ‮ ‬المجالسة‮ ‬،‮ ‬كثيرَ‮ ‬الفوائد‮ “‬
وقال عنه أيضا‮ :‬
‮” ‬كان جعفر بن محمد لا‮ ‬يخلو من احدى ثلاث خصال‮ :‬
إمّا صائِما‮ ‬،
وامّا قائما‮ ‬،
وامّا ذاكرا‮ ‬،
وكان من عظماء العُبّاد‮ ‬،‮ ‬وأكابر الزُهّاد الذين‮ ‬يخشون ربهم‮ “‬
-2-
ولم تشغله مهام الزعامة الدينية والروحية والعلمية عن تفقد الفقراء ورعايتهم والاحسان اليهم‮ ‬،‮ ‬فقد جاء في‮ ‬الأخبار‮ :‬
‮” ‬انه كان اذا صلّى العشاء‮ ‬،‮ ‬وذهب من الليل شَطْرُهُ‮ ‬،‮ ‬اخذ جرابا فيه خبز ولحم ودراهم فَحَمَلَهُ‮ ‬على عنقهِ‮ ‬ثم ذهب الى اهل الحاجة من اهل المدينة فَقَسّمَهَ‮ ‬فيهم‮ ‬،‮ ‬ولا‮ ‬يعرفونه فلما مات وفقدوا ذلك عرفوه‮ “‬
إنّ‮ ‬سيرة هذا الامام العظيم حافلة بأروع المعطيات في‮ ‬الجانب الانساني‮ ‬والاجتماعي،‮ ‬وما جولاته الليلية التي‮ ‬كان‮ ‬يطوف بها على بيوت البائسين والمستضعفين الاّ‮ ‬الرسالة الواضحة التي‮ ‬تركها لنا جميعا في‮ ‬مضمار العناية والاهتمام بالشرائح الضعيفة التي‮ ‬تئن وترزح تحت وطأة الفقر والمعاناة،‮ ‬والعراق اليوم‮ ‬يضم الملايين ممن هم تحت خط الفقر وقد نسيهم أو تناساهم الكثيرون منا‮ ..!!‬
-3-
مدحه الشاعر فقال‮ :‬
أنتَ‮ ‬يا جعفرُ‮ ‬فوقَ‮ ‬
المَدْحِ‮ ‬والمدحُ‮ ‬عَناءُ‮ ‬
انما الاشرافُ‮ ‬أرضٌ‮ ‬
وَلَهُمْ‮ ‬أنتَ‮ ‬سَماءُ‮ ‬
جاز حدَّ‮ ‬المدح من قد‮ ‬
وَلَدَتْه الانبياءُ‮ ‬
ويحق لنا ان نستشهد هنا بقول القائل‮ :‬
قال فيه البليغُ‮ ‬ما قال ذو العيّ‮ ‬
فكلٌ‮ ‬بِفَضْلِهِ‮ ‬منطيقُ‮ ‬
وكذاك العدُو لم‮ ‬يَعْدُ‮ ‬أنْ‮ ‬قال‮ ‬
جميلاً‮ ‬كما‮ ‬يقول الصديقُ‮ ‬
-4-
من وصاياه الخالدة‮ :‬
‮{ ‬أوصيكم بتقوى الله‮ ‬،‮ ‬
واجتناب معاصيه‮ ‬،‮ ‬
وأداء الأمانة لمن ائتمنكم عليها،
وحسن الصحبة لمن صحبتموه،
وأنْ‮ ‬تكونوا دعاةً‮ ‬صامتين‮ “‬
فقالوا‮ :‬
وكيف ندعو ونحن صامتون ؟
قال‮ :‬
تعملون بما امرناكم به من العمل بطاعة الله‮ ‬،
‮ ‬وتعاملون الناس بالصدق والعدل‮ ‬،‮ ‬
وتؤدون الأمانة‮ ‬،
وتأمرون بالمعروف‮ ‬،
وتنهون عن المنكر‮ ‬،
ولا‮ ‬يطلع الناس منكم الاّ‮ ‬على خير‮ ‬
فاذا رأوا ما أنتم عليه علموا فضل ما عندنا فسارعوا اليه‮ “‬
والسؤال الان‮ :‬
اين نحن مما أراده الامام الصادق‮ (‬ع‮) ‬منا ؟
لقد ادعى الكثيرون من محترفي‮ ‬السياسة الانتساب الى مدرسة الامام الصادق‮ (‬ع‮) ‬إلاّ‮ ‬انهم لم‮ ‬يلتزموا بالحفاظ على القيم والمفاهيم التي‮ ‬دعا اليها الامام الصادق‮ (‬ع‮) ‬فخانوا الامانة،‮ ‬وعملوا من أجل اكتناز الأموال،‮ ‬وتحقيق المكاسب الشخصية‮ ‬،‮ ‬وانحازوا الى كتلهم السياسية ومصالحها وتناسوا مصالح البلاد والعباد،‮ ‬وابتكروا مالم‮ ‬ينزل به الله من سلطان وما معادلات المحاصصة وتقديم مزوري‮ ‬الشهادات على ذوي‮ ‬الكفاءات والخبرة والوطنية الاّ‮ ‬المثال البارز على ذلك‮ .‬
أقول‮ :‬
إنّ‮ ‬عظمة الامام الصادق تجلّت في‮ ‬صِدْقِهِ‮ ‬في‮ ‬التعامل مع الله ومع الناس وكاذب مَنْ‮ ‬ينسب نفسه الى الامام الصادق‮ (‬ع‮) ‬وهو بعيد كل البعد عن الصدق مع الله‮ ‬،‮ ‬والصدق مع الناس‮ .‬
فالعبرة ليست بالادعاء وانّما هي‮ ‬بصدق الولاء والانتماء وحسن السيرة والأداء‮ .‬

مشاركة