الإمارات والأمن
د. فارس الخطاب
لا يختلف إثنان أبدا على أن موضوع الأمن من أولويات دول الخليج العربي وخاصة دولة الإمارات العربية المتحدة، وذلك بالطبع يرجع إلى أسباب كثيرة لعل من بينها، حالة الرخاء والأستقرار الأقتصادي الذي يحتاج دائما إلى دعامة أمنية ثابتة ومستقرة للدولة، وكذلك وجود دولة الإمارات العربية المتحدة وسط منطقة مليئة ببؤر الصراعات والعقائد والأطماع المختلفة مما يتطلب صيانتها باستمرار من شرر ما يتطاير من هذه البؤر، يضاف إلى ذلك الكم الهائل من الجنسيات المتواجدة على أرض الإمارات كعمالة وافدة بمختلف تصنيفاتها ولغاتها وأديانها، والأهم من ذلك كله سياسة دولة الإمارات المبنية على التسامح والصبر والحكمة سواء من قبل حكامها أو شعبها أو من خلال فقرات دستورها، هي بإختصار، بلد الخير والجمال والأمان والتنوع، واهلها من أكثر الناس طيبة واخلاقا وحسن معاملة وهو ما يتطلب بجملته أجهزة أمن واعية.
ولعل المتابع لشؤون دولة الإمارات العربية المتحدة يلحظ بكثير من الوضوح، ندرة التطرق لموضوع الأمن، وبخاصة ما يتعلق بالأمن السياسي، حيث أعتادت أجهزة الدولة الأمنية أن تعمل بصمت لا يجاريها فيه حتى الدول الكبرى بمقاييس التاريخ والخبرة والكوادر العاملة، ومن خلال العمل الأمني الصامت، وطيلة بضعة عقود من الزمن أستطاعت الأجهزة الأمنية الأماراتية أن توقف أي نشاط سياسي تنظيمي لوافدين يعملون على أراضيها قبل استفحاله، ولعل اللافت هنا، أن التعامل مع هذه التنظيمات والمنظمين فيها تتابع منذ بداية تشكّل أول خيوطها، وما أن يكتمل العقد التنظيمي لها حتى يفاجأ أصحابه برجال الأمن وبكل هدوء فيعلموا حينها أن كل خطوة خطوها كانت معلومة ومراقبة بوضوح تام وتحت السيطرة المطلقة أمنيا، واللافت أيضا أن دولة الإمارات أنتجت سياسة رائعة في هذا المجال، حيث أنها لا تفتح المجال لإي دولة للتحجج بإعتقال مواطنين لها يعملون في دولة الإمارات العربية المتحدة ومن ثم تشكّل لنفسها أزمات سياسية لا طائل منها، كل الذي يتم أجراءه لاحقا، مطالبة المدانون، بعد مواجهتهم بمخالفاتهم للدستور الإماراتي، مغادرة البلاد خلال مدة محددة. خلال الفترة المؤخرة وبعد أن ظهر على سطح الأحداث ما سمي بـ الربيع العربي ، حاول البعض، أن ينتهز فكرة العمومية، التي كونتها المشاهد التلفزيونية وكرستها الرسائل الإعلامية، فقام بعض ممن أراد استخدام الربيع العربي كوسيلة لتحقيق مصالحه متبعين بذلك أجندات الدول الأجنبية الداعمة لهم، بالتحرك من أجل إثارة الشارع الإماراتي، فكانت أولا مجموعة المنصوري التي أدانها الشعب والقضاء الإماراتي عام 2011، ثم مالبث أن أصدر رئيس دولة الإمارات الشيخ خليفة بن زايد عفوا رئاسيا عنهم ليؤكد صفات أصيلة في أسلوب الحكم في هذه الدولة، وربما تفاجأ الكثيرون عندما بثت وكالة الأنباء الإماراتية مؤخرا خبرا تقول فيه، أن النيابة العامة الإماراتية تجري تحقيقات مع جماعة أسست وأدارت تنظيما يهدف إلى ارتكاب جرائم تمس، أمن الدولة، ومناهضة الدستور، والمبادئ الأساسية التي يقوم عليها الحكم في الدولة، ويؤكد الخبر، ارتباطها وتبعيتها لتنظيمات وأجندات خارجية.
إن موضوع أمن الدول حساس جدا، وخاصة عندما تكون الأجواء ملبدة بغيوم التغيير أو روح الثورة، وقد يفضي صعود الإسلاميين إلى السلطة في تونس ومصر وليبيا، إلى تشجيع الحركات والتنظيمات الإسلامية في دول أخرى، إلى محاولة جس النبض لمعرفة طريقة وحجم رد الفعل الحكومي معها، وبالتالي قياس حجم وطبيعة الحركة التالية، وفي دولة الإمارات، التي يحضر دستورها ممارسة أي نشاط سياسي تنظيمي على أراضيها، تتحرك تنظيمات دينية سنية وشيعية من أجل زعزعة نظام الحكم أولا، ثم إعادة تفتيت الدولة والسيطرة على مقدراتها،التي تعني مصدرا مهما وكبيرا لتمويل هذه الحركات، وتحقيق أهدافها.
هناك إذن تنظيمات غالبيتها نائمة ، وهي موالية لإيران بشكل قاطع، وتنظيمات ليست نائمة ولكنها غير فاعلة مثل الأخوان المسلمين، على وجه التحديد، فهو تنظيم كبير معروف في الإمارات منذ تأسيس الدولة وقد أستفاد من أجواء السلام والأنفتاح والحرية التي تتمتع بها الأعراف هناك، فكان من أكثر تنظيمات الأخوان المسلمين في الوطن العربي أستقرارا وأمنا، لكن هذا التنظيم، ولإنه تنظيم في الأصل، ولكل تنظيم أهداف وأيدلوجية، يريد الوصول إليها، بدأ بالفعل التحرك تجاه إشعال الشارع الإماراتي، أولا من خلال الحرب الإعلامية،التي شنتها قيادات هذا التنظيم في مصر وغيرها على دولة الإمارات، ثم من خلال التحرك المكشوف، والعمل على إثارة أفكار تمس الوحدة الوطنية والإجتماعة الإماراتية، وصولا إلى غاية رئيسة تتمثل في، أن تواجه السلطات الإماراتية هذا التحرك، بقمع يستطيعون تشبيهه بما حدث للمتظاهرين في تونس ومصر وغيرها، ويعتمدونه منطلقا للمواجهة والتغيير.
التنظيمات الإسلامية
إن التنظيمات الإسلامية بشكل عام، تمثل واحدة من أصعب التنظيمات التي يتعامل معها أي جهاز أمن، فهي بالمطلق مدعومة من دول أجنبية، ويقودها تنظيم أكبر من القطري، وقد يكون عالمي، كما هو الحال بالنسبة لتنظيمات الأخوان المسلمين سنة ، وتنظيمات حزب الدعوة شيعة ، وتنظيمات حزب الله شيعة .. الخ. ومن خلال التجربة العراقية، ثم التجربة المصرية، فإن حزب الدعوة الذي يرأسه رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، سخرت له جميع أمكانات الدولة العراقية من أجل دعمه وتطويره، ليمتد جنوبا تجاه دول الخليج العربي، بعدما كان يتغذى ولإكثر من 35 عاما، من حاضنة المخابرات الإيرانية، وتنظيم الأخوان المسلمين الذي تسنّم الحكم في مصر، وهو تنظيم عالمي في الأصل بات يطمع في السيطرة على الحكم في أجزاء كثيرة من المنطقة، وعلى ذلك، فإننا يجب أن نتوقع ظهور غير محسوب، لفعاليات أعضاء هذا التنظيم في عموم دول الخليج العربي، ومنها بالطبع دولة الإمارات العربية المتحدة. ما العمل إذن، ونحن نواجه أخوة لنا، وربما ابناءنا وزملاء في العمل أو جيران في السكن، وهم يتبنون افكارا قد تغير من طباعهم وسلوكهم تجاه النظام برمته، عبر سلسلة من الإجراءات التي يحددها التنظيم بشكل تدريجي، تاخذهم تباعا إلى حد التآمر على أمن ووحدة الدولة وأستقرارها؟ ولعل الشيخ سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة قد وضع وصفا دقيقا لحالة التنظيمات الأسلامية حين وصفهم بـ خوارج البيعات الخارجية ، نعم، حيث أعتبرت قيادات هذه التنظيمات، صعود الأخوان في مصر اشبه ما يكون بعودة الخلافة، وبالتالي وجوب البيعة لها، على أعتبار أنها ستكون الحكومة الأنقى بين بقية الحكومات، وهي التي ستساعدهم على الخلاص منها. ولكن ما قبل هذا الوصف وما بعده، السؤال الأهم والخطير حقا هو كيف نواجه هذا المتغير الخطير ونحن وسط متغيرات دولية وأقتصادية وأقليمية بالغة الخطورة والدقة؟
أولا وقبل كل شيء يجب أن يضع المسؤولين في الإمارات في حسبانهم، أن الفئة الرئيسة المستهدفة من قبل التنظيمات الأسلامية، دائما، وبخاصة الآن، هم الشباب، وما أستثمار وسائل التواصل الأجتماعي على الشبكة العنكبوتية كالفيسبوك وتويتر وغيرها ، إلا دليل على حجم الأهتمام بهذه الفئة، كونها الوحيدة القادرة على أحداث التغيير، وتحمل نتائج المواجهة مع السلطات، وقد لا يجدي نفعا ابدا أن نكتفي بتحذير الشباب أو نصحهم، ذلك أن من سيتحدث إليهم ليكسبهم لهذا التنظيم أو يستغلهم فيه لن يقول لهم أننا سنسعى لإسقاط الحكومة أو سنفجّر مطعما أو سنخّرب طريقا، سيكون الحديث دينيا ثم دينيا ثد دينيا، حتى يصل مرحلة يقول لهم فيها الساكت عن الحق شيطان أخرس، أو أننا لسنا من أصحاب أضعف الايمان.
لذلك اقول اننا نمر بمرحلة صعبة ومفترق طرق يبدو أن القوى العالمية المتحكمة بمصائر دول الأرض أرادتها هذه المرة لغاية في نفسها لا يخطئها كل بصير، حيث تجري الأمور لتمكين القوى الأسلامية على أختلاف مشاربها مقاليد الأمور في بعض دول الشرق الأوسط تحديدا، وبهذه الطريقة تتمكن هذه القوى من صنع دائرة صراعات عقائدية تتعلق بحكومات المذهب السني ، وحكومات المذهب الشيعي ، والحكومات العلمانية التي سيناصبها الطرفين العداء، وبغض النظر عن فترة بقاء هذه الأستراتيجية الغربية في المنطقة إلا أنها واقعة الآن خارج حدود دول الخليج العربي كتحصيل حاصل، لذلك فإن من الضروري بمكان أن تقوم الدولة ممثلة بكل أجهزتها ومؤسساتها برعاية الشباب، وأن تصدق وعودها تجاههم وتنفذها بسرعة، وعلى المسؤلين الإماراتيين الأكثار من اللقاءات المباشرة مع الشباب وعدم المبالغة في نقل أخبار هذه اللقاءات، بل المطلوب المبالغة في أجراء اللقاءات الفعلية معهم، زيارة المناطق النائية، ضروري جدا زيارة الجامعات والأستماع الى الشباب بقلب مفتوح وبإمان مطلق، تجاوز ما كرهه الشعب العربي في كل مكان من ممارسات وشكليات لحكامهم وأهمها عدم الأكثار من وضع صورهم بشكل مبالغ فيه في الشوارع والأماكن العامة، العمل على توظيف الجميع، لا عاطل في الإمارات ، يجب أن يكون هذا شعارا فاعلا، ثم الأكثار من دعوة رجال الدين الذين تتوخى فيهم الأجهزة المختصة في وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الوسطية وعدم التحزب، ونشرهم في جميع الإمارات كمحاضرين ووعاظ في المساجد والمدارس والجمعيات النسائية..ألخ، ليعلموا الناس دينهم. أخيرا أتمنى من كل قلبي أن تعالج هذه الحكومة الرشيدة في دولة الإمارات العربية المتحدة موضوع البدون ، وقد شهدت بإم عيني كيف تستغل هذه القضية بشكل بشع ومقزز لتشويه سمعة الإمارات وأجهزة الأمن فيها بقصص مليئة بالأكاذيب، ولعل الخارجية الإماراتية على علم بتقارير منظمة هيومن رايتس ووتش التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها بهذا الشأن، كما أن نسبة منهم يكونون طعما ممتازا لإي تنظيم يتجاوب مع حاجتهم ويؤيدهم فيها، أنها قضية دولة، ومن الواجب أن تقوم الدولة بما عليها، فإما أن تقول لهم أنتم غير مرحب بكم على أرضي، عندئذ يذهبون لطلب اللجوء في دول أخرى، أو أن تحتضنهم فيكونوا ابناءها بعد جيل أو جيلين، بدل أن يبقوا أعداءا في خاصرتها سرا، يظهرون لها كل الحب والأخلاص زيفا ورياءا، ويتربصون بها الدوائر للأنقضاض عليها عند أول فرصة.
/7/2012 23 Issue 4258 – Date Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4258 التاريخ 23»7»2012
AZP07