عرض كتاب قصة أرملة للكاتبة جويس كارول أوتس
الإقتباس سمو وإمتياز
جون بريستون
ترجمة: فضيلة يزل
من الواضح تماماً، ان “قصة أرملة” بحث مسترسل عن الحزن وفقد الاحبة، مثير للمشاعر ولا يمكن نسيانه.
أنه من المستغرب، ان هناك عددا قليلا من الكتب يتحدث عن الحزن. فكتاب جوان ديديون “عام من التفكير الساحر”، مقالة عن موت زوجها، جاء بعد مضي ست سنوات على موته وقد حاز على ثناء كبير على جانبي الاطلسي. وقد جاء كتاب جويس كارول اوتس “قصة ارملة” بشكل مقالة ايضاً عن فقد الزوج. لقد كانت أوتس وديديون صديقتن، إذ بيّنت ديديون حضور واسع هنا عندما قالت: “صديقتي الارملة” التي لها مذكرات “تجمع بين التحليلي والشعري”.
عاطفة عابرة
على أي حال، ان الكتابين مختلفان عن بعضهما جداً. بالنسبة للبداية، ليس هناك الكثير مما يتصف بالشعرية في كتاب اوتس. فهي، بدلا من ذلك، قامت بتشريح كل لحظة من لحظات حزنها بأسلوب طيع وواضح. فليس هناك عاطفة عابرة ولا وخزة ألم عابرة. فقد كانت تراقب نفسها بمستوى واحد ـ وحتى الآن لم يتحقق شيء ـ ولم يحدث شيء حول هذا الموضوع. بل على العكس، خلالها يتملكك احساس واضح بانك داخل تفكيرها، في مشاهدة العالم من خلال عينيها المجروحتين الحائرتين واليائستين في كثير من الاحيان.
لقد كان زوج اوتس “راي” ناقداً ادبياً، وهو يكبرها بثمان سنين. وكانا متزوجين منذ 1961 وكان يبدو واضحاً انه زواج سعيد جداً. لكنه وبعد بلوغه 77 بأسبوع ذهب للمشفى لانه كان يعاني من الالتهاب الرئوي، فمات هناك. بعد لحظات من موته قالت أوتس: “لم اتمكن من تجاوز الصدمة المفاجئة التي وصفتها في صفحات هذه القصة بشكل واضح ومؤثر. عندما كانت جالسة بجانب رفاة “راي”، تشعر اوتس انه عاد الى مكان لا يمكنها ان تتبعه اليه. انه خلف عينيه المغمضتين حسب”. بعدها أخذت تحدث نفسها: ” اجمعي اغراض زوجك قبل ان تغادري وخذيها معك”. بعد يومين، طلبت بشكل رسمي ان ترى زوجها قبل ان تقوم بمراسيم حرق الجثة، لكنها لم تكن قادرة على مواجهة هذا الموقف. وطلبت من صديق لها للقيام بذلك بدلا عنها، بعد ذلك استنكرت بشدة حالة الجبن التي شعرت بها. وقد كتبت: “لم افهم ابداً لما في هذه اللحظة القاسية تصرفت بطريقة صبيانية جداً، وكأن زوجي الذي احبه اصبح جسداً مثيراً للاشمئزاز بالنسبة لي”.
لقد كنت اشعر بتمزق الذات فيما تلا ذلك، كما كنت اشعر بغضب شديد”. سرعان ما غمرت اوتس باقات الزهور وسلال الورود المربوطة باشرطة سوداء ـ “سلة تعاطف جوميه” وهي ماركة تجارية معروفة للهدايا الجنائزية. كانت تتساءل “لما يرسل لها الناس مثل هذه الأشياء؟ هل يظنون ان الحزن يخفف بالهدايا؟”.
ألفاظ كثيرة
لدى أوتس اصدقاء متعاطفون معها، وسرعان ما اكتشفت انهم بوسعهم فعل الكثير من أجلها: لكن يبقى الحزن شيئاً بالاساس تتحمله انت وحدك لأنه حزنك. الحزن ايضاً بقدر ما هو شيء قبيح بقدر ما هو مضن. شعرت أوتس بالاستياء للرد على استفسارات الناس، وتعاطفهم، فالدمى التي كانوا يرسلونها وهي ترتدي تي شيرت طبع عليه “أجل، توفي زوجي، بلى انا حزينة جداً” أجل انت لطيف لتقديمك التعازي. الآن يمكننا تغير الموضوع؟”. بعد فترة، اصبح حتى اسمها يثير الاشمئزاز لديها ـ فالناس كانوا يقولونها الفاظاً كثيرة جداً. يا لها من مزحة!.
أحياناً، تتساءل ان كان بامكانها ان تتحمل او ـ انها تريد ـ ان تتحمل. وقد فكرت بأشياء كثيرة كالانتحار أوجمع مسبحة من حبات الدواء تحاول بها التخفيف عن نفسها عندما يصبح الألم أكثر من اللازم. لكنها تتراجع دائماً، ولديها احساس ان المضي في الحياة او الوجود أفضل ـ على الأقل في الوقت الحاضر.
بعد موته، وجدت أوتس مخطوطة في احدى المجرات. وفي اثناء قراءتها، عرفت ان اخت راي أجريت لها عملية جراحية فصية مخية، الامر الذي لم يخبرها عنه راي، وكأنه لا يعرف حقيقة خيالها، كما لم تعرفه هي ـ او لم تعرف تاريخه. هذه الفجوات ـ من كلا الجانبين ـ جعلتها لا تشعر بالحب اتجاهه على اقل تقدير. بالأحرى، انها فقط زادت احساسها بالاحباط والغياب.
في نهاية المطاف، قالت انها لا تتحمل، لكن لا يوجد كلام يواسيها هنا ويضع حداً النقاش او المضي قدماً او أي شيء من هذا القبيل. انها ما زالت حية، وهذا يعني انه عليها ان تفكر بوضوح وان تتطلع بأمل.لقد اقتبست الكثير من “قصة أرملة” لأنها اساساً كتاب الاقتباس منه يمثل سمواً وامتيازاً راقيان. فهناك جمل وعبارات لا يمكن نسيانها في كل صفحة، فاللحظات الكرستالية القليلة تقفز أمامك لتترك بصمتها في ذهنك لايام طويلة. انها رائعة من الروائــــع الاستثنائية ـ وعمــــل مـــــن الاعمال الواضحة والمسترســـــلة التي لا يمكن نسيانها ابداً.