الإعلام القانوني بين وصايا المؤتمرات الأممية والتطبيقات الوطنية
عبد الوهاب عبد الرزاق التحافي
منذ عام 1955 ، عقد كل خمس سنوات في احدى عواصم الدول الاعضاء في هيئة الامم المتحدة ، مؤتمراً عالمياً جمع ممثلين حكوميين من مختلف الدول الى جانب خبراء قانونيين وعلماء اجتماع ومستشارين مختصين بعلوم الشرطة وعموم العمليات الامنية واساتذة جامعات يمثلون منظمات دولية غير حكومية … لمناقشة عدد محدود من اهم المشكلات العالمية المتصلة بمنع الجريمة وتحقيق العدالة الجنائية ، سميت (مؤتمرات الامم المتحدة لمنع الجريمة ومعاملة المذنبين)
ثم اصبحت تسمى بـ(مؤتمرات الامم المتحدة ولمنع الجريمة والعدالة الجنائية) . وعقد في السلفادور بالبرازيل مؤتمر الامم المتحدة الثاني عشر لمنع الجريمة والعدالة الجنائية خلال الفترة من 12 – 19 نيسان 2010 . ومن المؤمل ان يعقد في دولة قطر المؤتمر الثالث عشر في عام 2015 .وفي تقديري ان هذه المؤتمرات الاممية تجسد ارقى صيغة علمية لرسم السياسة الجنائية العالمية على اسس الحوار الديمقراطي وقواعد البحث العلمي وتبادل التجارب والخبرات بين مختلف الدول ذات الانظمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية المتعددة ، وان قرارات وتوصيات تلك المؤتمرات الاممية هي افضل دليل عمل لجميع الدول وهي تضع سياستها الجنائية الوطنية .
والمدقق في تقرير مؤتمر الامم المتحدة السادس لمنع الجريمة الذي عقد في كراكاس ، فنزويلا في الربع الاخير من عام 1980 يجد انه اعتنى في قراره رقم (15) بموضوع (الاعلام القانوني ونشر المعرفة القانونية) حيث اكد للعالم اجمع :-
– ان المعرفة بالقانون تساعد على اكتساب موقف يتسم بالوعي في الحياة ، يستند الى مبدئ القانون والعدالة والفضيلة ، وعلى رفع المستوى العام لحالة الشرعية والنظام العام ، وعلى تعزيز دور كل مواطن في حل المشاكل الهامة المتعلقة بالحياة في المجتمع .
– وتشكل اداة اساسية لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين معاملة عادلة ، واداة ضرورية لتمكين عامة الجمهور من الدفاع عن حقــــوقهم وحرياتهم .
وطالب المؤتمر مختلف الدول بان تتخذ خطوات لاجراء دراسة اوسع نطاقاً للمبادئ القانونية الاساسية عن طريق المدارس والجامعات والمؤسسات التعليمية والثقافية ، والمنظمات العامة …
وناشد المشاركون في المؤتمر الامين العام للامم المتحدة ان يدرس مشكلة توعية السكان ، وخاصة الشباب ، بمبادئ القانون بغية ضمان النشر الواسع للخبرة التي تكتسبها مختلف البلدان في ذلك المجال ، وان يوجه اهتمام الدول الاعضاء الى ضرورة تقديم مساعدتها بغية ضمان استرشاد وسائل الاعلام الجماهيرية ، في تناولها لمسائل القانون والعدالة ، ومع التسليم بمبادئ حرية الاعلام والصحافة ، بالمثل الانسانية واحترام كرامة الانسان وقواعد القانون والنظام ، وامتناعها عن الفعال التي يمكن ان تتسبب في قسوة المشاعر وتؤثر تاثيراً سلبياً على القيم الاخلاقية وتعوق منع الجـــريمة .
وكان هذا القرار بداية مرحلة جديدة في عناية مؤتمرات الامم المتحدة بموضوع (الاعلام القانوني) حتى وصل الامر في مؤتمر الامم المتحدة الحادي عشر الذي عقد في بانكوك في نيسان 2005 وعند مناقشة موضوع (تعزيز التعاون الدولي على انفاذ القانون) ذكر انه لا يمكن لاي دولة بمفردها ان توفر رداً فعالاً على المشاكل المتعلقة بالجريمة عبر الوطنية … وان الصكوك الدولية لمكافحة الجريمة المنظمة والفساد والارهاب اعدت لكي يتسنى توفير رد منسق على تلك الاخطار ، وان تلك الصكوك ليست ذاتية التنفيذ ، ومن ثم لا يمكن معالجة الجريمة عبر الوطنية معالجة شاملة دون تعاون فعال في مجالي انفاذ القوانين والتعاون القضائي من جانب جميع الدول … وتيسير وتعزيز فهم واحترام النظم والاجراءات القانونية المختلفة.
وكان المؤتمر الاول لوزراء الداخلية العرب الذي عقد في القاهرة سنة 1977 اسبق في الاهتمام بالاعلام القانوني من مؤتمر الامم المتحدة السادس لمنع الجريمة الذي عقد عام 1980 حيث جاء في البيان الختـــامي الذي صدر عن مؤتمر وزراء الداخلية منطلقات فكرية امنية سديدة اهمها :-
– ان خطط الامن وحماية المجتمع من الجريمة يجب ان تواكب خطط التنمية ، وتندرج في اطارها وتتطور بتطورها .
– ان استتباب الامن والنظام وسيادة القانون ، عوامل اساسية لاستقرار الاوضاع السياسية ، وبث الثقة في نفوس اصحاب رؤوس الاموال والمشروعات ، ودفع عجلة الانتاج والاستثمار وسير الخدمات دون توقف .
– ضرورة اهتمام الدول العربية باعادة النظر في القوانين المتعلقة بالمجرم والجريمة ، وان تشرع في تطوير هذه القوانين ، لتظل متمشية مع حركة التغيير والتطور الاجتماعي ، ولتقترب بهذه القوانين من وحدة تشريعية تكون الشريعة الاسلامية مصدراً لها ، وتاخذ بعين الاعتبار العوامل التاريخية والحضارية … وقبل ذلك فان المدقق في وصايا مؤتمرات قادة الشرطة والامن العرب ، منذ بدء مؤتمرهم الاول في دولة الامارات العربية المتحدة عام 1973 ، وهم يؤكدون على وجوب الاهتمام بالاعلام الامني والتوعية القانونية ووجوب عناية مناهج الدراسة في كليات ومعاهد الشرطة بمختلف فروع القانون ، وبخاصة الدستوري والجنائي والاداري … وان يتسم تنفيذهم للقوانين في بلادهم بسياقات الاعلام القانوني وبالتطبيق الانساني للقانون .
كما ان المتابع لمؤتمرات المحامين والحقوقيين العرب ومؤتمرات وزراء العدل العرب يجد ان توصياتهم تؤكد على ان ارساء دولة القانون وتامين سيادة القانون في المجتمع العربي مرهون بنجاح وتطور الاعلام القانوني في الدول العربية .
والان …. ماهو واقع التطبيقات العراقية لنهج الاعلام القانوني العام ؟
اولاً // المدقق في قوانين الوزارات العراقية ويكتشف بكل سهولة ان في كل وزارة تشكيل اداري بمستوى (مديرية عامة) او (مديرية قسم) يختص بالشؤون القانونية ، ومن ضمن واجباته القيام بمهام (الاعلام القانوني) ضمن نطاق وزارته وباطار القوانين ذات الصلة المباشرة باعمالها .
ثانياً // منذ بدايات تاسيس الدولة العراقية اهتمت وزارة العدل باصدار جريدة او مجلة اسمها (الوقائع العراقية) تختص بنشر القوانين الجديدة ، وبيعها بسعر زهيد في المكتبات بجميع محافظات العراق وذلك اسهاماً بنشر التوعية القانونية في اوساط الشعب ، ومازالت هذه المجلة موضع احترام ومتابعة عموم المتابعين للعمل القانوني .
ثالثاً // بموجب قانون وزارة العدل السابق رقم 101 لسنة 1977 وجد (قسم الاعلام القانوني) ضمن مكونات دائرة العلاقات العدلية . وبموجب تعليمات وزارة العدل رقم (3) لسنة 1984 التي ما زالت نافذة تم ايضاح اختصاصات وارتباط مكاتب الاعلام القانوني في المحاكم واجهزة العدل الاخرى … واوجبت المادة (7) من تلك التعليمات ان تعقد ثلاثة اجتماعات دورية سنوية في مركز الوزارة لمسؤولي مكاتب الاعلام القانوني لمناقشة المشاكل والمعوقات ، بغية ايجاد الحلول المناسبة لها وتدارس سبل تطوير العمل فيها.
كما اكد قانون اصلاح النظام القانوني رقم 35 لسنة 1977 على ضرورة انشاء مركز للبحوث القانونية في وزارة العدل يتحمل مهام عديدة منها (الاسهام في نشر وتعميق الوعي القانوني والعدلي بين المواطنين كافة عن طريق) :-
– وسائل الاعلام المختلفة
– تنظيم عقد الندوات والدورات القانونية .
– عقد المؤتمرات القانونية الوطنية والاسهام بالمؤتمرات القانونية العربية والاممية .
– اصدار المطبوعات الدورية وغير الدورية بما فيها الاشراف على مجلة (العدالة) .
– توفير الوثائق والتشريعات والمصادر الضرورية لتحقيق مهامه .
– الاستفادة من تجارب الدول الشقيقة والصديقة في مجال التـــــــشريع والقــــــــضاء .
– الاسهام في اعداد الخطط الخمسية والسنوية بما يتناسب مع مقتضى الحاجة .
– الاسهام في اعداد خطة وزارة العدل بعيدة المدى .
رابعاً // في جميع الجامعات العراقية كليات مختصة بالعلوم القانونية يمنح المتخرجون منها شهادة البكالوريوس بالقانون وفي اغلبها قسم الدراسات العليا يمنح شهادات الماجستير والدكتوراه بالقانون …
وكليات القانون في الجامعات العراقية انجزت مئات الرسائل الجامعية التي اعتنت بمختلف جوانب العمل القانوني .. واضحت الدراسة وما ينجز فيها من بحوث ودراسات ورسائل جامعية احدى اهم مصادر الاعلام القانوني في العراق .
خامساً // اهتمت الاذاعة العراقية والتلفزيون العراقي منذ بداية تأسيسهما بتقديم برامج
للتوعية القانونية ، ومازال هذا الاهتمام قائماً ويسهم بنشر الوعي القانوني في اوساط الشعب .
سادساً // اعتنت اغلب الصحف العراقية الحكومية والاهـلية بنشر الوعي القانوني
العام وذلك باساليب الاعلام القانوني ومنها :-
– التحقيقات الصحفية بموضوعات قانونية .
– اللقاءات مع مسؤولين قانونيين .
– نشر نصوص القوانين الجديدة والتعليق عليها .
– تشجيع الدراسات القانونية ونشرها .
– تغطية وقائع اجتماعات ومؤتمــــرات ومناقشات قانونية .
واخيراً …. هل اثمرت تطبيقات الاعلام القانوني بارتقاء الوعي القانوني العام في اوساط الجماهير .. بحيث اصبح المواطن عارفاً بواجباته الوطنية وحقوقه الانسانية ؟
في سنة 1995 نشرت لي دراسة تحت عنوان ((التوعية القانونية العامة …. بين الواقع والطموح)) اوضحت ، وبصراحة ، ان الوعي القانوني العام في اوساط الشعب دون المستوى المقبول . وقلت باننا لو اخذنا عينة عشوائية من الموظفين وسألناهم عن واجبات الموظف في قانون انضباط موظفي الدولة …
وعينة عشوائية اخرى من رجال الشرطة وسألناهم عن حدود صلاحياتهم باستعمال القوة في قانون واجبات رجل الشرطة …. وعينة عشوائية ثالثة من عمال القطاع الخاص وسألناهم عن حقوقهم في قانون العمل ….
وعينة عشوائية رابعة من الجنود عن انواع الجرائم العسكرية في قانون العقوبات العسكري …. وعينة عشوائية خامسة من النساء وسألناهن عن حقوق الزوجية في قانون الاحوال الشخصية لكانت اجاباتهم جميعاً ضعيفة ولن ينالوا درجة النجاح في أي امتحان ….
اما الان فلا استطيع الجزم بمستوى الوعي القانوني العام في اوساط الشعب … لان الامر يحتاج الى دراسة ميدانية علمية جديدة …..
{ محــــــــــــام و لواء شرطة متقاعد