الإضطرار اللامجدي – جاسم مراد
ثمة حراك لتشكيل الكتلة الاكبر ، وهذا الأمر اقره القضاء ، ولكن السؤال الذي يشغل بال الناس ، هو بأي اتجاه ، وماهو مضامين وهيكلية الكتلة الاكبر ، فإذا كان الامر يعود بنا للشراكات والتوزيعات الطائفية والحصصية للوزارات وهيكليات الدولة مثلما جرى في السابق ، نكون فعليا نقع في خندق عزلة البلاد عن مواطنيها ، وننحدر الى سياسات تهميش الدولة واضعافها لما يخدم فقط المروجين والعاملين بنظام المحاصصة .
على المستوى الوطني ، وفي الاحساس والمواقف الشعبية ، ليس المهم من يكون رئيسا للوزراء من الوان الشعب العراقي ، ومثله رئيسا للبرلمان وللجمهورية ، وإنما الأهم ، أن يكون هذا الشخص وطنيا قويا غير منحاز لهذا المكون أوذاك منتجا بناءا حاميا ومدافعا عن المال العام وعن اسس الجمهوريه ووحدة الوطن ومصالح البلاد ومحاسبا جيدا للمرتشين والفاسدين ومقاتلا جيدا في الدفاع عن الامن الوطني والقومي للوطن .
يبدو إن مجموع هذا الحراك ، لايخرج عن منطلقات واساسيات المحاصصة ، بالرغم مما قيل ويقال ، فلم تسجل تلك التحركات واللقاءات الخروج عن دائرة التوزيع للدولة على المحاصصات ، وان لبست شتى العناوين ، وان الحديث عن قيام جبهة عابرة للطوائف ، هو بالضرورة حديث اضطراري لامجدي للمصلحة الوطنية والشعبية ، ويضع البلاد في اخطر حالات الصراع ، وقد يقود الى بروز اكثر من جبهة لاتخدم المواطنين وإنما تفتح بوابات التدخل الخارجي اكثر مما هو حاصل حاليا .
إن عمليات التصالح وكسب الود من هذا الطرف أو ذاك ، هو ليس مشروعا وطنيا مبنيا على البرنامج السياسي والاقتصادي والبنيوي والثقافي ، وإنما هو عملية تدخل في الحصول على الاصوات بغية عبور الاخرين ، وبالتالي توزيع الدولة ، فالأول أي المشروع الوطني ، كان من المفترض ان يطرح على كل القوى والكيانات السياسية وعلى المجتمع والطبقات الفاعلة فيه ، ثم تتحدد مواقف الاخرين منه ، ولما نقول برنامجا يتوجب من هذا البرنامج أن يحدد اسباب التراجع وطرق النهوض .
لقد عاش الوطن مراحل مؤلمة خلال كل السنوات الماضية ، جعلت المواطن مأزوما باستمراد ، موجوعا من مخلفات المذهبية الحصصية ، ضائعا في وطنه ، لذلك اختار الحركة النهضوية المعاكسة ، وان تفتقد الى القيادة ، لكنها تفاعلية محسوسة بين جماهير شمال العراق ووسطه وجنوبة ، فالكل نفس الوجع ، والكل نفس حالات التهميش ، وان تضافرت المواقف وتوحدت الحركة النهضوية فانها يقيا ستصحح مسار الاحداث وتخلق اساسيات البناء الوطني .
هذا الوضع الحركي الجماهيري المأزوم والفاقد للثقة من كل مركبات السلطة ، يبدو لم تعد تراه الكيانات والتجمعات والاحزاب السياسية ، أو بالاحرى لم تستطيع الوقوف عنده وتغيير سلوكية ومنهجية توجهاتها ، فهي مصصممة على المحاصصة ، ومصرة على توزيع المناصب والمواقع على حسب خطط الاستقبال لحجوم المكونات المذهبية .
لقد كانت الحركة الجماهيرية في مختلف المحافظات ،اكثر وعيا من الكيانات والاحزاب والائتلافات الحاكمة ، فهي قد حددت الخلل في الدستور وشخصت الوزارات المتلكئة وغير العاملة وفضحت تكوينات مجالس المحافظات ومجالس الاقضية والنواحي وبينت على الواقع بانها اجسام ضارة غير مفيدة ، منها بدأت المشاريع الوهمية ، وعليها كان ارتكاز تجمع الباحثون عن الربح السريع دون الانتاج الملموس .
لم تتوقف الحركة الشعبية على تلك التحديدات فقط ، بل طالبت بمحاسبة النهابين وتغيير النظام من حصصي مذهبي عرقي الى نظام وطني لكل العراق ومن اجل العراق وشعبه .
على كل الاطراف عليها أن تدرك ، بان الشعب ليس مضطرا بالعودة لنظام المحاصصة بكافة مسمياتها ، وان المتغيرات التي احدثتها الجماهير وان كانت نسبية ، لكنها متغيرات دفعت دونها الجماهير شهداء ، يمكن أن تتراكم باكثر فاعلية ، وبالتالي يخسر الوطن الانتقال السلمي من المحاصصة للوطنية .