الإدارة العشوائية للأزمات – جليل وادي

كلام أبيض

الإدارة العشوائية للأزمات – جليل وادي

 

كشفت أزمة الاستفتاء الكردستانية عن تقاطع في الموقفين الأمريكي والاسرائيلي حيالها، مع انه من النادر ان يتقاطع الموقفان، ما جعل السؤال وجيها فيما اذا كان هذا التقاطع حقيقيا ام توزيعا للأدوار، ولسنا بحاجة الى شواهد للدلالة على ان الادارة الامريكية تنظر للمنطقة بعيون اسرائيلية، لذلك متوهم من يراهن على الموقف الامريكي، فمشروع تقسيم العراق أعلنه نائب الرئيس الامريكي السابق بايدن مبكرا وعبر عنه صراحة بالدويلات الثلاث السنية والشيعية والكردية، لكنهم فوجئوا بموقف الشعب العراقي الرافض للتقسيم، واحراج أحزاب السلطة واجبارها على التناغم مع الموقف الجماهيري بما في ذلك الأطراف الراغبة بالتقسيم، وحينها شعرت الادارة الامريكية بتعجلها في طرح المشروع، فالتمهيد له لم يكن كافيا، وعليها طبخ الامور على نار هادئة، فلابد من استنزاف طاقات البلد وتمزيق نسيجه الاجتماعي وخنقه بأزمات متلاحقة حتى لا يستطيع معها استرجاع أنفاسه، عند ذاك يكون التقسيم مطلبا جماهيريا يجد فيه بعض العراقيين مخرجا لما هم فيه، وقد توافرت قناعة وما زالت لدى شرائح اجتماعية وقوى حزبية بأفضلية نظام الاقاليم على الادارة المعمول بها، كما هو الحال في محافظتي صلاح الدين وديالى، وكان من بين النيات من رأت في الاقاليم خطوة ما قبل التقسيم.

ومع ان جوهر الموقف الامريكي يذهب الى هذا الاتجاه في أزمة الاستفتاء، لكن الاعتراضات الاقليمية المتشددة، حملت الامريكان على التوافق معها ظاهرا وطرح بدائل مناسبة سرا، ويقتضي ذلك ترحيل الأزمة لحين خلخلة تلك الاعتراضات واحتوائها، فضلا عن ايجاد صيغ جديدة للتعامل مع الموقف العراقي المتأثر بالموقف الاقليمي وحالة الانتصار على داعش، ولذلك على من يدير الأزمة الا ينسى ان الادارة الامريكية تنتهج سياسة مزدوجة حيال الأزمات، فهي تخلق الأزمة، وتتعاطى مع طرفيها في الوقت نفسه تصعيدا وتخفيضا وبحسب مقتضيات أهدافها، وأزمة داعش أوضح الأمثلة، وأن لم يتجرأ أحد من الممسكين بالسلطة على التصريح بذلك علنا.

واذا كانت أزمة داعش اريد بها الامعان في تمزيق المجتمع وتعظيم ويلاته وتدمير البنية التحتية وبعثرة الثروات وتكبيل العراق بديون باهظة، فأن أزمة الاستفتاء وضعت مستقبل العراق في مفترق طرق، لاسيما وانها تدار بعشوائية تحكمها ردود الافعال والمواقف المرتجلة من الطرفين، مع ان مضمون الأزمة ليس جديدا، بل يرجع الى اجتماعات المعارضة قبل سقوط النظام السابق، فالجميع كان يقر بحق الاكراد بتقرير مصيرهم من دون استثناء، فماذا يعني تقرير المصير، الا يعني الانفصال؟ وماذا تعني المادة (140) أيضا؟، ألم تكن كركوك قنبلة موقوتة ؟ ألا يعني ذلك ضيق افق الفاعل السياسي العراقي؟

الاكراد راغبون بالانفصال، بما في ذلك الاكراد المعترضون على الاستفتاء، وما اعتراضهم الا لادراكهم العواقب المأساوية التي تنطوي عليها الأزمة وفي هذا الوقت تحديدا، ولم يكن أمام الحكومة الاتحادية الحالية الا رفض الاستفتاء دافعة ثمن مواقف الحكومات السابقة والقوى السياسية التي تميعت طوال المدة الماضية ازاء رغبة الاكراد، وتهربت منها بترحيلها الى اللاحق من السنوات حفاظا على التحالف الاستراتيجي ! وكأن هذه اللحظة لن تأتي، فانشغلت بكيفية الوصول الى السلطة، بينما وضعت مستقبل الوطن والسلم الأهلي خلف الظهر .

لا أظن بمقدور طرفي الأزمة التخفيف من حدتها بعيدا عن العامل الخارجي،لانعدام البدائل وضعف ما موجود منها ، فموقف الحكومة غائم وغير محدد، فهو (ضد الاستفتاء ومع تطلعات الشعب الكردي)، بينما موقف الاكراد متزمت وبدأ بأعلى السقوف، وبين الموقفين قلق شعبي بالغ، وأول أخطاء الادارة عندما ربط الرئيسان العبادي والبارزاني موقف الازمة بشخصهما، بحيث يبدو أي تراجع هدرا لماء الوجه، بينما الصحيح ان يشكلا فريقا خاصا لادارة الأزمة، ليتسنى له المناورة، وتجنيب الناس ويلات الحرب، وحفظ ماء وجه القيادات، وبعكسه فنحن ذاهبون الى ما تريده اسرائيل وامريكا.

ديالى

مشاركة