الإدارة الأمريكية الجديدة والقوة الذكية – مقالات – صالح كاظم جبر

الإدارة الأمريكية الجديدة والقوة الذكية – مقالات –  صالح كاظم جبر

بقرب انتهاء ولاية الرئيس باراك اوباما , تجد دوائر الفكر الستراتيجي الامريكي نفسها امام نقاش حول اهم متبنيات الادارة الامريكية الجديدة وحول الالية التي سوف تنتهجها تلك الادارة في ادائها الستراتيجي.

فهل سنكون امام اداء استراتيجي امريكي يرجح القوة الصلبة على باقي مركبات القوة الامريكية؟ ام اداء استراتيجي امريكي يرجح ويأخذ بالقوة الذكية ؟

من المعلوم ان انتهاء الحرب الباردة ولد نظاماً احادي القطبية بزعامة الولايات المتحدة , ومنذ ذلك الحين والولايات المتحدة تسعى لتقوية دعائم ذلك النظام وديمومته لما يحققه من استمرار وديمومة للتفرد والهيمنة الامريكية على العالم , والعمل على منع بروز قوة دولية من شأنها ان تواجه   الهيمنة والتفرد الامريكي او تنافسها, وبحكم ما تملكه القوة العسكرية الامريكية من فاعلية وقدرة على تحقيق الاهداف والغايات , فضلاً عن سرعتها في اظهار النتائج المرجوة , اصبحت القوة العسكرية الاداة الاولى والرئيسة في تنفيذ اهداف السياسة الخارجية الامريكية , وبذلك عدت القوة العسكرية بمثابة الدعامة الرئيسة التي تستند لها الولايات المتحدة في الحفاظ على ديمومة تفردها بإدارة النظام الدولي وقيادة دول العالم بحسب ما تقتضيه مصالحها. وتاريخ استخدامات القوة العسكرية الامريكية يُظهر لنا ذلك بجلاء, ومن ثمّ فقد ظلت القوة العسكرية مسيطرة على الفكر الستراتيجي الامريكي في تعاطيه مع التفاعلات الحاصلة على الساحة الدولية.

الا ان جملة التطورات والتغييرات التي شهدها العالم ومنها الثورة التكنولوجية والمعلوماتية في مجالي: الاتصالات والمواصلات ,  القت بظلالها على مفهوم القوة من حيث عناصر القوة وكذلك الاشكال التي تتخذها القوة , فمن حيث العناصر لم تعد القوة الصلبة تقتصر على القوة العسكرية وانما توسعت دائرة عناصر القوة الصلبة لتشمل القوة الاقتصادية بحسب راي المفكر الستراتيجي الامريكي “جوزيف ناي” , ومن حيث اشكال القوة فبالإضافة الى القوة الصلبة ظهرت اشكال اخرى للقوة تمثلت في القوة الناعمة , والتي تعتمد على وسائل واليات جذابة وناعمة مثل الثقافة والقيم السياسية والسياسة الخارجية العامة للتأثير في الاخرين , والقوة الذكية التي هي توليفة تجمع ما بين القوتين الصلبة والناعمة , اذ سعت دوائر الفكر الستراتيجي الى ايجاد اطار يُمّكن الولايات المتحدة من تشغيل مجمل قوتها الستراتيجية (الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية والثقافية والاجتماعية) ويحقق الاستغلال المتوازن فيما بين كل مركبات القوة الامريكية , وبأقل الاكلاف. فجملة من التحديات التي واجهت الهيمنة الامريكية وتفردها بإدارة النظام العالمي لا تدخل اساليب مواجهتها والتصدي لها ضمن دائرة القوة الصلبة , وإن القوة الصلبة باتت تستنزف كثيراً من موارد الولايات المتحدة , فاستخدام القوة الصلبة تحديداً العسكرية غير المنضبط  في عهد الرئيس بوش الابن رافقه استنزاف للقدرات البشرية والاقتصادية والسياسية , واثر كثيراً في القوة الامريكية الناعمة فضلاً عن تراجع مكانة الولايات المتحدة العالمية نتيجة للتصرفات المنفردة وغياب الشرعية الدولية عن تلك التصرفات.

تأسيساً على ما تقدم يمكن القول: إن النظام الدولي يشهد تغييرات كثيرة لعل ابرزها تجلى في تنامي قدرات قوى دولية كثيرة , سواء على المستوى الاقتصادي ام العسكري , تحاول ان يكون لها دور فاعل في التفاعلات الدولية وفي الوقت ذاته تعارض القيادة الاحادية للعالم وتسعى الى ان تكون القيادة العالمية تشاركية بين القوى , واضحت الولايات المتحدة في ظل هذه التغييرات امام حقيقة تتلخص بأن القيادة الامريكية العالمية باتت تواجه العديد من التحديات , وان معظم تلك التحديات لا تدخل أليات مواجهتها والتصدي لها ضمن دائرة القوة الصلبة , ومن جانب اخر ما يترتب على تلك القيادة من التزامات وكلف اقتصـــــــــادية عالية , الذي قد لا يصمد الاقتصاد الامريكي على المستوى القريب بالإيفاء بها.

كما ان الولايات المتحدة ومن خلال استراتيجية القوة الذكية يمكن لها من تجديد القوة العسكرية الامريكية والحفاظ على حيويتها ومنع استنزافها , عبر التعويل على العنصر التكنولوجي في الحروب التي تخوضها القوة العسكرية الامريكية , والتي سميت “بالحروب الذكية”  , التي تجمع بين القصف المنظم ودقة التصويب.

مشاركة