الإختبارات الثانوية المركزية مراجعة وتجديد
عبد الرزاق عبد الجليل العيسى
أصبحت الحاجة ملحة في وجوب مراجعة فلسفة الاختبارات الوزاريّة لطلبة الإعداديّات لضمان جودة مدخلات التعليم العالي ، وذلك بسبب قصوره عن تحقيق الغاية الحقيقية من تشريع وظيفته بوصفه اختبارا لتشخيص نواحي الضّعف والقوة في إعداد الطّالب بعد مرحلة الدّراسة الثّانويّة ووظيفته بوصفه اختباراً للقبول في مؤسّسات التّعليم العالي.وآن الأوان للتّغيير الجادّ في تعليمات الامتحانات الوزاريّة الثّانويّة والكيفية التي يُقيّم الطّلبة بها للحصول على صيغة فاعلة قادرة على تقييم مستويات المعرفة والمهارة والسّلوك والقيم عندهم في آن واحد،كما هي قادرة على التّكيف والتّماشي مع متطّلبات العصر.إنّ إعادة النّظر في اعتماد الامتحان الوزاريّ بوصفه أداةً وحيدة للقبول في مؤسّسات التّعليم العالي يعدّ من الضّرورات الملحّة.
إن كثيرا من التّجارب العالميّة تشير إلى استخدام معايير عديدة تقيس جوانب أداء الطّالب وتشخيص نواحي القوة والضّعف في إعداده وأهليته للقبول في مختلف التّخصّصات في مؤسّسات التّعليم العالي بما يتماشى مع خطط تطوير التّعليم نحو اقتصاديّات المعرفة. يتقدّم سنوياً أكثر من مئة وخمسين ألف طالب وطالبة للامتحان الوزاريّ للسّادس الإعداديّ الذي أصبح من الموضوعات المهمّة التي تُرهق عقول الأبناء وعائلاتهم بما تحمله من مؤشرات افتقار للعوامل الأساسيّة والمقومّات الحضاريّة فضلاً عن وجود تدخّل المواقف البشريّة. فالامتحان ما زال هدفاً في حدّ ذاته، وهاجس الدّرجة هو المسيطر دائماً على تفكير الطّلبة وعقولهم، مما أدّى إلى تدنّي التّعليم الحقيقي، وحال دون تنمية القدرات والمهارات التي لم يتمكن الامتحان من قياسها بالإضافة إلى الاستعدادات الخاصة بالطّلبة التي تتمحور في مهارتي الحفظ والتّكرار في ظلّ المنهج الانتقائي المتّبع الذي يجعل الحفظ متحكّماً بنتائج الطّلبة، مع الأخذ بعين الاعتبار الأسئلة التي لا تغطّي وحدات المقرّر، وإنّما أجزاء محدودة منه. لذا فإنّ حلول كثير من المشاكل في العالم الدّيمقراطيّ تتمّ عبر طرح القضايا كلّها على المؤسّسات المعنية وكذلك على عامة المواطنين بوساطة وسائل الإعلام المقروءة والمرئيّة واستقبال آرائهم،ولا يُحصر حلّ المشكلة في لجنة واحدة تقرّر ما تقرّره. لذلك تبدو عملية التّغذية العكسيّة والاستماع إلى ردود أفعال الجهات المستفيدة والمشاركة في الإجراءات تعدّ من الضّرورات الملحّة.كذلك نجد ثمة خلط بين وظيفة الامتحان وأهدافه؛فالامتحان وسيلة، وليس غاية، ولكن مؤشّراتنا عن أصحاب القرار- ليس في المؤسسات التّربويّة فحسب -وإنّما لدى كثير من الأكاديميين، تفيد بأنّ قناعاتهم وسلوكياتهم وقراراتهم تناقض هذا المفهوم أشد المناقضة، فأصبح الامتحان وفق وجهات نظرهم غاية ووسيلة، وحسبنا بهذا تخلّفاً للتّعليم برمته وإساءة لفلسفة التّربية والتّعليم وأهدافهما العامّة. إنّ بناء نظام قانونيّ يصون النّظام التّربويّ من الأهواء والاجتهادات الفرديّة محكوم بمعايير تضمن سلامة التّوجّه لتنمية المواهب والقدرات لدى الطّلبة والعمل على بلورة استعدادتهم الفطريّ للاتجاه إلى التّعليم التّشاركي القائم على الحوار بين المعلم والطّالب.
كذلك بات للامتحان رهبة لا مسوغ لها،وهو في واقع الحال ليس مقياساً دقيقاً يحدّد مصير تراكم (12) سنة دراسيّة في جلسة تمتدّ لثلاث ساعات تتحكمّ بها الظّروف الطّارئة والمفاجئة لدى الطالب أو لدى عائلته، لتحدّد مستقبل الطّالب بالنّجاح أو بالفشل.في حين أصبحت مدارسنا الحكوميّة والخاصّة أو الأهلية جميعها في ظلّ أسرها في غاية الامتحان ينحصر تركيزها واهتمامها في تحضير طلبتها للامتحانات الوزاريّة، فانتشرت ظاهرة الدّروس الخصوصيّة التي ترهق كواهل العائلات المتوسّطة الدخل مادّياً وذوات الدّخل المحدود التي تعجز أحياناً عن إيفاء مبالغ الدّروس الخصوصيّة أو المدارس الخاصّة،هذا إلى جانب انتشار الملازم الخارجيّة البعيدة عن الكتب المنهجيّة بكلّ ما فيها من آفات علميّة، فالمدارس التي نعنيها في كلامنا هذا تطمع دائماً في تحصيل المال بأيّ وسيلة لتحسين أوضاعها المادّيّة،والطّالب يسعى بكلّ وسيلة نحو النّجاح أو تحقيق أعلى المعدّلات ليلتحق بالتّخصصات العلميّة التي تحقّق له نجاحاً مستقبليّاً أو تجعله يظفر بلقب معين أو يضمن تعييناً أو مردوداً ماليّاً مناسباً كما يأمل هو وعائلته.
حالياً يعدّ الامتحان المركزيّ أو الوزاريّ لطلبة الإعداديّات وتوزيع مخرجاته وقبولهم في التّخصّصات المختلفة في الجامعات والمعاهد المهنيّة من أهم القضايا البعيدة عن الرّؤية الواضحة والمهملة على الرّغم من أهميتها البالغة.
وعلى الرّغم من المشاركات الكثيرة لقيادات وزارة التّربية وكوادرها في الورش والدّورات والإيفادات للاطّلاع على التّجارب العالميّة في المؤسّسات التّربويّة،لكن للأسف لم يظهر أيّ تطوّر ملحوظ أو نقلة نوعيّة في وضع الستراتيجيات والخطط لتحسين مخرجاته الرغم من وجود ثمة محاولات لحماية الامتحانات الوزاريّة بوضع الضّوابط لتحقيق مبدأ العدالة والمساواة إلاّ أنّ تلك الضّوابط كثيراً ما تُخترق من قِبل الطّلبة. ونجد أحياناً بعض الإجراءات التّرقيعيّة قد أُتخذت في بعض الدّول للسّيطرة على أيّ اختراق لطبيعة الامتحان ،وذلك باستخدام بعض التّقنيات الحديثة لترصد بالصّورة حركات الطلّبة داخل قاعات الامتحانات.ولكن ستظلّ مشكلات الامتحان قائمة ما دام هناك إهمال للجوانب النّفسيّة والفنيّة في هذا الأمر.
وخلاصة القول إنّ مبادرة إصلاح أنظمة الامتحانات وتأهيل المعلمين والمدرسين وخطط التّعليم والمناهج وتطويرها لاحقا تُعدّ الخطوات الأولى لإصلاح المسيرة العمليّة التّربويّة وضمان جودة مخرجاتها بوصفها مدخلات لمؤسّسات التّعليم العالي.
ويبدو لنا إن الحلّ الأمثل لهذه الإشكالية هو باعتماد نسبة من المعدل التّراكميّ لدرجات الدّراسة المتوسطة بالإضافة للامتحان الوزاريّ للدّراسة نفسها،وبنسبة 20بالمئة، وكذلك نسبة من المعدل التّراكميّ للدّراسة الإعداديّة بنسبة20بالمئة، بالإضافة لامتحانها الوزاريّ بنسبة40بالمئة، ومن ثم توجيه الطّلبة لدراسة سنة تأهيليّة،وبعدها يخضع الطّالب إلى امتحان يُخصّص له نسبة من الدّرجات بواقع20بالمئة، وبعد ذلك يجتاز الطالب امتحاناً عامّاً لقياس استعداده وقدراته العقليّة والأكاديميّة ومهاراته في التّفكير وإنتاج المعرفة من أجل قبوله في مؤسّسات التّعليم العالي،ويحدّد عندها تُخصّص دراسته في المرحلة الجامعيّة.إلى جانب أهمّية أن يكون اعتمادنا على التّقنيات الحديثة في إعداد الأسئلة لامتحانات الطّلبة وتصحيحها،وإبعاد المواقف والتّدخّلات البشريّة والأهواء والاجتهادات الفرديّة.
ولابدّ أن يتمّ ذلك كلّه في ظلّ التزامنا الحقيقي والعملي بمنهج إنصاف المبدعين من أبنائنا وعائلاتهم خدمةً لمستقبل العراق وإنصافاً لأجياله القادمة للوقوف على مستوى يحّقق بكلّ قوة نتاجات التّعلم التي تمثّل التعّلم نحو اقتصاد المعرفة.
{ المستشار الثقافي العراقيّ – المملكة الأردنية الهاشمية
razakaa@el-essa.com