الإثراء بين قانون المساءلة وقرارات التمييز – د. راقية الخزعلي

الإثراء بين قانون المساءلة والعدالة وقرارات محكمة التمييز

د. راقية الخزعلي

قال تعالى (يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً ) الأحزاب ٧٠-٧١

لقد صدرت عن محكمة التمييز في الآونة الأخيرة،مجموعة قرارات ،قضت بعدم شمولية أصحابها بقانون هيئة المساءلة والعدالة ، على الرغم من ثبوت إنتماءهم لحزب البعث المنحل بالبينة وبالإقرار الصادر عنهم ورغم تأكيد هيئة المساءلة والعدالة على انتماءاتهم البعثية وعلى إنتماء البعض منهم للأجهزة الأمنية القمعية أبان النظام الصدامي البائد .

ممافسحت تلك القرارات المجال أمام هؤلاء وأتباعهم لإلغاء قرارات هيئة المساءلة والعدالة ، ورفع القيد عنهم بتوليهم المناصب الخاصة والمهمة في الدولة ،ومنها قرار محكمة التمييز ذي العدد ٢٤٧/تمييزيةمساءلة وعدالة / ٢٠٢٤ بتاريخ ٤/٩/٢٠٢٤ وقرار ذي العدد ٢٥٦/ تمييزية مساءلة وعدالة / ٢٠٢٤ بتاريخ ١٨ /٩/٢٠٢٤ وقرارات كثر على شاكلتها .

استندت محكمة التمييز في قراراتها على عبارة ( الإثراء على حساب المال العام ) الذي جاء في سياق نص المادة ٦/ ثامناً من قانون هيئة المساءلة والعدالة رقم ١٠ لسنة ٢٠٠٨ والتي جاء نصها الآتي : (يمنع من إشغال وظائف الدرجات الخاصة [ مدير عام أو مايعادلها فما فوق ومدراء الوحدات الإدارية ] كل ماكان بدرجة عضو فمافوق في صفوف حزب البعث وأثرى على حساب المال العام ).

والواقع من الأمر ، أن شرط (الإثراء على حساب المال العام ) الذي اشترطت محكمة التمييز اثباته بقرار حكم مكتسب للدرجة القطعية ، لهو تزيد على النص أعلاه لا مبرر له ،فتح الباب على مصراعيه لترشح وتولي بعض البعثيين لمناصب مهمة وحساسة في الدولة العراقية ، ولنا في قائمة السفراء خير دليل على هذا الأمر الخطير الذي يهدد كيان الدولة العراقية وبنائها مابعد ٢٠٠٣ ،ويمهد الطريق لعودة حقيقية لحزب البعث للسلطة ثانية ً،وبشكلٍ دقيق ٍ وغير ملحوظ .

وبالعودةالى نص المادة أعلاه ،فان عبارة ( الإثراء على حساب المال العام ) التي جاءت في عجزه جاءت مطلقة ولم تحدد ،وعليه نسجل ملاحظاتنا على قرارات محكمة التمييز بهذا الشأن وبالشكل التالي : –

أولاً :- لم يحدد النص ٦/ثامناً ، طبيعة الإثراء ، بل جاء مطلقاً ، حيث الإثراء في القانون على أنواعٍ متعددة ، منها ( الإثراء الإيجابي ) ، والذي يتحقق بإضافة قيمة مالية الى ذمة المدين ، ويتم ذلك ، بأن يكسب المدين حقاً عينيا كان أو شخصياً أو أن يزيد فيما يملك والمثل على ذلك اكتساب ملكية أرض أو دار أو سيارة أو رصيد مبلغ ٍ مالي في حسابه … إلى آخره.

ومنها( الإثراء السلبي ) ، ويتحقق بتجنب المدين خسارة كانت متوقعة له ، ليثري بذلك إثراءً سلبياً .

كما هناك ( الإثراءالمباشر ) ، وهو الذي ينتقل في إية صورة من صوره بشكلٍ مباشر من المال العام الى ماله الخاص .

أما (الإثراء غير المباشر ) ، فهو الإثراء الذي يتحقق بتدخل أجنبي في نقله من المال العام الى ذمة الشخص المعني .

يضاف الى هذه الأنواع ، هناك( الإثراء المادي ) و ( الإثراء المعنوي ) ،والمادي ، هو قيمة مالية أو منفعة مادية انتقلت الى ذمة المثري . أما المعنوي ،فقد يكون إثراءً عقلياً أو أدبياً أو صحياً ، فالأثراء العقلي يكون بحصول المنتمي لحزب البعث على بعثة أو زمالة دراسية أو دورة تدريبية او تعليمية على حساب المال العام . والأدبي ، ويكون بحصول المنتمي لحزب البعث على منصب أو حصانة أو مركز مرموق يجعله صاحب سلطة او إمتيازات . أما الإثراء الصحي فهو يتحقق بحصول المنتمي لحزب البعث على معالجة طبيب او مشفى خاص على نفقة الدولة العراقية …الخ

فأي من هذه الإثراءات قصدت محكمة التمييز في قراراتها ،التي اخرجت بها مجموعة من البعثيين من قانون هيئة المساءلة والعدالة ؟!

ثم هل يعقل ،أن أي من هؤلاء البعثيين ممن هم بدرجة عضو عامل فأكثر ، لم يستفد أو يتمتع بأي نوع من الاثراءات أعلاه ؟! والإ ياترى من كان يعاني في تلك الفترة المظلمة التي عاشها ابناء شعبنا العراقي في ظل تسيد هؤلاء البعثيين على فقراء البلد ؟! ومن كان يتمتع بثروات البلد والمال العام يترى ؟!

وعليه طالما شرط الإثراء جاء مطلقاً ولم يقيد بنوع معين من الاثراءات ، والقاعدة ( المطلق يجري على إطلاقه مالم يقيد بنص خاص )، فانه ينبغي على محكمة التمييز أ ن تتحقق من الاثراءات ، وأن لاتتقيد بنوع من الاثراءات دون غيره.وأن يصار الى تفسير النص تفسيراً واسعا ً.

ثانياً :- اشترطت محكمة التمييز في قراراتها ، أن يثبت ( الإثراء ) بحكم قضائي ، مكتسب للدرجة القطعية ، ونعني بهذه العبارة ( أن يكون الحكم قد أستنفد كل طرق الطعن المتاحة ) .

بعبارة ثانية ،لايكفي، إثبات إنتماء الشخص ولو باعترافه الى حزب البعث المنحل لشموله باحكام قانون المساءلة والعدالة ، وإنما لابد من ثبوت إثراءه من المال العام بحكم قضائي بات وقطعي ، ولايكفي الإثبات بهذا الشأن بالإقرار او الشهادة او الأدلة الثبوتية الأخرى وان كانت كانت كتابية او حتى رسمية صادرة من جهاتٍ مسؤولة كدائرة التسجيل العقاري وماشابه ذلك .

والحقيقة أن محكمة التمييز قد بالغت في تفسير المادة ٦/ثامناً من قانون هيئة المساءلة والعدالة ، بل خرجت عن النص القانوني بأشتراطها ، للحكم القضائي المكتسب للدرجة القطعية لثبوت الأثراء ، مما فسح المجال لعودة البعثيين لمناصب مهمة في الدولة العراقية .والسؤال الأهم هنا ، هل إيقنت الحكومة العراقية والجهات المسؤولة ، مدى خطورة هذه القرارات الصادرة عن محكمة التمييز ؟ وماينجم عنها في المستقبل القريب من عودة لحزب يسعى لإرجاع السلطة بيده وبشكلٍ تدريجي وبشتى الوسائل والطرق؟!

نعتقد أن الدولة العراقية مازالت زاخرة بالشخصيات النزيهة ، الوطنية ، الكفوءة ، التي لابد من يفسح لها المجال لإخذ نصيبها العادل من هذه المناصب والمراكز المهمة في الدولة ،ممايستدعي ذلك إعادة النظر وبشكل سريع ودقيق بقائمة السفراء التي شملت مجموعة من الشخصيات ممن ثبت انتماءاتهم لحزب البعث المنحل وممن حصلوا على قرارات صادرة عن محكمة التمييز بعدم شمولهم بقانون هيئة المساءلة والعدالة .

كما أدعو محكمة التمييز ، لإعادة النظر في قراراتها بهذا الشأن ،ولإدراك مدى خطورة هذه القرارات في المستقبل القريب ، والعمل على وضع ضوابط تفسير واضحة تتقيد بها بأصل النص القانوني من دون تزيد ، ولو يصار الى تعديل النص الخاص بالمادة ٦/ثامناً من قبل مجلس النواب العراقي ، يكون أفضل وادق .

مشاركة