الأولمبياد.. تاريخ المنتصرين**
عوّاد ناصر – لندن
ثمة إجماع دولي على أن حفل افتتاح أولمبياد لندن 2012 كان ناجحاً، بل مبهرٌ في جميع المقاييس، فالمخرج البريطاني داني بويل الحائز على الأوسكار نقل التاريخ البريطاني القومي إلى الملعب مستعرضاً أبرز أمجاده، متتبعاً نجاحات بلده في تلك التحولات الكبرى من الثقافة الزراعة إلى الصناعية، وبعدها إلى التطور الفني والإبداعي، من شكسبير إلى البيتلز، مروراً بوليم بليك، وكان للمتطوعين البريطانيين دور مشهود أشاد به جميع المتحدثين الرسميين وغير الرسميين بعد أن أعطى فيه سبعة آلاف وخمسمئة متطوع، أعطى كل منهم مئة وخمسين ساعة من وقته، ومن ثم في أربع ساعات العرض المدهش، وهو وقت كان من المفترض أن يكون ثلاث ساعات ونصف وبعدها قيل إنه سيختصر إلى ساعتين ونصف لإتاحة الفرصة للجمهور كي يعودوا إلى بيوتهم بلا أزمة مواصلات خانقة.
قال المخرج البريطاني إن والده الذي توفي قبل ثلاث سنوات كان شخصية أولمبية متحمسة، وإن لم يكن رياضياً، وهو الذي ألهمه فكرة العرض الذي وصفته صحيفة الغارديان في ملحق خاص بـ أعجوبة الليل كما يسجل للمخرج إقناع صاحبة الجلالة بأداء دور تمثيلي رفقة النجم السينمائي دانيال كريغ الذي ارتبط اسمه بـ جيمس بوند ، ليدخل قصر برمنغهام مصطحباً الملكة إلى طائرة هليوكوبتر ملكية تطوف أجواء لندن باتجاه الملعب الأولمبي، ثم يهبط الإثنان، في مشهد سينمائي طريف من الهليوكوبتر إلى ساحة الملعب إيذاناً بافتتاحه، وبهذا المشهد، وسواه الكثير، استعان المخرج باللقطات التلفزيونية والسينمائية كثيراً، وهذا يسجل له ريادة فنية في استخدام الفيلم إلى جانب النقل الحي.
الثقافة والفن والفكاهة في فن بصري وسمعي مبدع وجد تجلياتها في العرض، وكان ختامه في وصلة فنان البيتلز بول مكارتني رائعاً، إذ تمكن هذا الفنان رغم سبعينه، من أن يشد الجمهور ويدفع ثمانين ألف متفرج إلى الغناء معه بنجاح كبير
استغرق التأسيس البريطاني للتأمين الصحي الوطني أكثر من ربع ساعة في العرض، وعلى ما يستحقه البريطانيون من اعتراف وعرفان كبيرين بهذا الإنجاز الكبير، لكنه استغرق أكثر مما يجب، بينما لم تستغرق الحربان العالميتان سوى إشارة عابرة لم تبلغ الدقيقة، أما مرحلة الحرب الباردة التي هددت مستقبل البشرية طوال ما يقرب أكثر من نصف القرن العشرين، فلم تجد ولا دقيقة واحدة من زمن الاستعراض
إذا كانت رسالة الأولمبياد، منذ انطلاقته الأولى، تأكيد الأخوة البشرية والاعتراف بتنوع العالم والتعايش السلمي وتأكيد روح المنافسة الشريفة واحترام القوانين، فقد خلا العرض من إسهامات الجاليات الأجنبية في إغناء الثقافة البريطانية، كما يعترف بها الكثير من البريطانيين، وإن جرت إشارة إلى هجرة الكاريبيين والهنود الغربيين إلى بريطانيا، بشكل خاطف، فأين، مثلاً، الهند درة التارج البريطاني وما يمثله الهنود بثقافاتهم الغنية وهم من أكبر الجاليات البريطانية؟
تاريخ الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس جاء على مراحل تطورها الثقافي والفني والاقتصادي مبهراً بما توفر من إمكانيات مالية كبيرة 27 مليون جنيه وما يتميز به الفن السينمائي الإنكليزي من أمانة واقعية ودقة فنية لا تتجاهل أبسط التفاصيل، لكن الإبهار، وحده، يمكن أن تحققه أي دولة الصين مثلاً في الدورة السابقة ولكن المخرج وقد اختار التاريخ منطلقاً وفكرة ورسالة، فهو اندرج ضمن مقولة أن التاريخ يكتبه المنتصرون، لإخفاء أكثر صفحات التاريخ البريطاني سواداً وعدوانية، والهزائم والإخفاقات والتمييز العنصري وهي موجودة رغم منعها قانونياً .. سياسة المستعمرات والمرحلة التاتشرية حرب العراق وغيرها.
ملاحظاتي، وملاحظات غيري، لا تقلل من جمالية العرض والجهود الكبيرة المبذولة في تحقيقه، لكنها أمنيات أكثر منها انتقادات تمنيت أن تجد لها مكاناً في أعجوبة الليل .
/7/2012 Issue 4265 – Date 31 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4265 التاريخ 31»7»2012
AZP09