الأنس الخارق
أكاذيب تهزأ بالعقل
كان بإعتقادي ليس من السهل أن تسخر من عقل الإنسان الحاضر، على الأقل أنه محصن بالعلم والإنفتاح العقلي الواسع ، لكن من الواضح أن بعض أفراد اليوم لا يختلفون عن عصور الجاهلية ، فمازالوا يعانون عتمة الوعي وسطحية التفكير ، رغم نضوج العلوم والطب ومختلف الوسائل التي خدمت الإنسان وحفظت قيمته ، إلا أن الجهل مازال حاضرا وكأن البعض يتعمد بقاءه لمنافع ما ، أو هي نتاج رواسب إجتماعية فالمجتمعات العربية عموما مازالت تعد مجتمعات انتقالية بين مرحلتي التقلدية والحداثة ، فهي نظرة شمولية للعالم العربي لا تختصر على فئة يسيرة ،وهذا ما أثبتته الدراسات حيث أكدت ” إن من يقصدون المشعوذين لا يختصرون بطبقة إجتماعية معينة أو مستوى أكاديمي محدد فقد يكونوا أغنياء ،أو فقراء ، اؤ ذوي شهادات عليا، أو أميين ،
عندما يصبح العرافون والسحرة والكهنة أرباب الناس ، مامعنى هذا ؟! ومامدى صدق أدعائهم وسطوتهم الروحية والعقلية على الكثير من الناس ؟ وما حكم العلم والدين منهم ؟ يدعي العرافون والدجلة علمهم بالغيب وأنهم لديهم قدرات خارقة لا يملكها البشر أمثالهم ، وهم إشراف الناس وأصحاب الكرامات ، ويعلمون مامضى وما سيأتي به المستقبل ، كذلك خبرتهم في معالجة الأمراض المختلفة بالطرق الخاصة بهم ، كالطب الروحاني إستخدام الدين والتمسح به ، والشفاء بالتعاويذ والأدعية والحركات غير المفهومة وغير ذلك من الأساليب البدائية التي لا تليق بقرن الحادي والعشرون ، وأستغلال تسليم الناس وعواطفهم الدينية وجهلهم سبب في بروز مثل هذه الوظائف ، فمن الضروري تنزيهه الدين وآياته ونصوصه من أستخدمها في الترويج لمثل هذه الخرفات ، من الأسباب الرئيسية لبقاء ظاهرة الدجل والشعوذة هي أنها تجارة رابحة تستثمر في مناطق الجهل والخوف وإلاعتقاد الخاطئ للإنسان ، فالعجب من أتباع الناس لهم وهم من لا يملكون عونا لأنفسهم حتى بعضهم بالكاد يعرف يقرأ ويكتب ، نجد الناس يتفاودون عليهم وتصديقهم بأنهم ربما يكونوا المنقذ من مخاوفهم وفقرهم ومشكلات حياتهم ، وعلاج أمراضهم ، وأن هؤلاء أشخاص مكرمون وهم ليسوا سوى مراوغين يكسبوا الدولارات من خلال الكذب والتضليل على عقول الناس البسطاء، قبل بزوغ فجر علوم الطب النفسي الذي يقوم بعلاج المرضى الذين يعانون اضطرابات نفسية ، كان يقوم بمهمة العلاج النفسي هم دعاة الدين والسحرة، وللأسف أن في وقتنا الحالي عندما يتعرض الفرد إلى اضطراب نفسي، فإن الأهل يعلجوه عند المشعوذ بدلا من الطبيب ، بسبب خوفهم من أصحاب الكرامات أو مخالفه الأسياد وما إلى ذلك من مزاعمهم لتخويف الناس وتغيبهم عقليا ، كيف لعاقل أن يصدق بشخص يدعي بعلم الغيب واتصاله مع الجن بلا دليل غير اوهام وعبارات مزيفة منطقيا لا يوجد إتصال بين مخلوق الجن والإنس ، وما يذكر بشأنه مجازا ، ومن يزعم انه سمع صوت الجن فهو مريض بالهلوسة السمعية ، ومن يجزم أنه يراه فهو مريض بالهلوسة البصرية ” وأحيانا أخرى بسبب الخوف من كلام الناس فإن من يراجع طبيبا نفسيا يسموه مجنونا! الجنون الحقيقي هو من يؤمن بأشخاص يدعون القوة الخارقة ، في حل جميع المشكلات التي تواجه الأفراد سواء بالحاضر او للمستقبل ، مثل حل مشكلات الزواج والإنجاب ، وجلب الرزق ، والنجاح، حل مشكلة العنوسة ، إرجاع المطلقة الخ لا أفهم كيف لشخص مؤمن بالله وقدرته أن يؤمن بإنسان وقدرته على التحكم بالحياة والمصير ، من الجنون إن تصدق بشخص يدعي إن له أسياد غير مرئيين يخبروه بكل الأشياء التي حدثت وسوف تحدث ، حيث قال رسول الله محمد (من أتى عرافا أو كاهنا وصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد).
ناس بسطاء
وأيضا قال (ليس منا من تطير أو تطير له ، أو سحر أو سحر له ، أو تكهن أو تكهن له) الأمر لم يعد مقتصرا على الناس البسطاء الذين يتعاطون الوهم لتجنب الألم، وإنما ما للإعلام من دور في جعل هؤلاء يتصدرون الشاشات في برامج أقل مايقال عنها أنها تجارية رخيصة ، يستخفون بعقول البشر ، مايبرهن أن الأمةالعربية تؤمن بالخرافات والمشعوذين ، هذا لا يبعد انعدام وجودهم بالغرب لكن بنسبة ضئيلة جدا مقارنة بالعالم العربي ،
التخلف وضعف الثقافة المجتمعية من خلال موروثات خاطئة وقناعات واهية هي من أسباب إنتشار العرافين والمشعوذين ، وأحيانا عجز الطب عن إيجاد الشفاء لبعض الأمراض والبحث عن حلول أخرى علما أنها غير مجدية ، واحيانا أخرى بسبب ضعف الشخصية وقساوة الظروف المختلفة سوى النكبات العائلية أو الأقدار المأساوية تجبر الأشخاص يجربون أي شيء وكل شيء ،
العلاج هو بالتعليم والتثقيف لخطر هؤلاء وإن لا يمكن لإنسان أن يتحكم بمصير آخر أو ان لديهم القوة الخارقة لمعرفة المستقبل وما إلى ذلك من الأكاذيب التي تهزأ بالعقل والعقيدة .
نشوى نعيم – السماوة