الأم بين الجنّة والنار
منذ اللحظات التي حملتنا فيها محطات نشأتنا الاولى مرورا على القناطير المقنطرة من ساعات الانتظار محمولين فيها وَهْنَاً على وَهْنِهِ الاخر تجترنا فطرة الانكسار وصولا الى محطة الولوج لنحل ضيوفا على تساطيح محطتنا الارضية وعندها تتلاقفنا اذرع وصدور وحنايا لاتدركها احاسيسنا ولا مشاعرنا ولاعقولنا التائهة بين صرخات الحاجة وتراكيب الصيرورة ، تلك هي الام التي تتقاسم الحياة نداً عنيد مع زوجها الرجل ليصنعا سويا مجتمعا بشريا يمضون به الى حيث يتعايش الناس وهي ذاتها الام التي دُحيت تحت اقدامها الجنة وهي امانة أوْكَلَنا عليها من لاينطق عن الهوى ان هو الاوحي يوحى ، وصية رسول قد خلت من قبله الرسل تناثرن من فيضه الرحمة ،انها الام التي هي مدرسة ان اعددتها اعددت شعبا طيب الاعراقِ نعم ايها السادة هي المرأة التي تارة تكون الابنة والاخت وتارة هي الزوجة والام ، واني مضطر لمقالتي كمن يضطر الى الحرمات ولكنه غير باغٍ فاسوق تلك الكلمات لان الحياة تمضي بنا الى واقع تتقالب فيه الموازين وتتهالك عنده القيم.
فالام التي حملت وليدها تسعا مغبرات وتصاغرت عنده عشرا معسرات ولكنه حينما اشتد عوده وتهادى بنفسه الرشد بات لايبحث عن برٍ لامه وابيه يقاسم واياهما الهموم سويا بل اخذ يبحث عن خلٍ يأنسه مليا ويلقي بامه وابيه حينما اصبح الشيب عندهم امرا مقضيا وتغالب عليهم الكِبَرَ عتيا الى قارعة النسيان ويستخلفهما بزوجة لايرى من تقاسيم الحياة الى محرابها ولايستدل على طرائق العيش الا برضاها فتلك هي الام التي بذلت بالامس القريب كل ماتستطاب فيه الحياة من صحة ومال واقتاتت كل شيء لوليدها قربان لبسمة تستدل من خلالها على معاني السعادة وعلينا ان نعود بالتاريخ الى عصور خوالي ادبرت لنا فيها قصصا بلغت اطنابا من المعاني لعلها تحاكي ضمائر بعض الذين قد تكون الغريزة اغفلتهم قبل ان تمضي بهم الى قاع جهنم يقال ان هنالك شخصاً دفعته مكائد الشيطان المتلبس بزوجته الشريرة رمى بوالدته التي تتحللت بها الدنيا وتخاوى بها الجسد الى خزائن الدار المتروكة ولما حلّ عليها الشتاء بخيوطه القارصة وريحه الصرصر امر ابنه الصغير ان يعطي لجدته جلباب تستتر فيه بقايا جسد خاوي فجلب الصغير نصف الجلباب واخبر ابوه ان انه ترك له النصف الثاني حين ما تنكسر به الحياة ويبلغ مابلغت به جدته انه القصاص ومن كان باديا فهو اظلم اتمنى على كل ولد وزوجته التي احيانا كثيرة تقف خلف متاريس الرذائل وحبال الخطايا التي تدفع الابن لعق والديه ان تصحوا من غفلتها لان الامر اذا قُضِيَ فلابد ان يكون القصاص هو الفصل فالعين بالعين والسن بالسن لعلها تدرك يوما عبسا قمطريرا فقضاء الله ان لانعبد الا اياه وبالوالدين احسانا وان نهبهما الحياة الكريمة مثلما وهبونا الكبرياء وان لانجعلهما ضحية لنار الدنيا ونحن متيقنون انهما سلاطين الجنة يوم الميعاد وختاما علينا جميعا ان نستدل في بِرِّهِمْ بالثلاث المحمديات ان امك ثم امك ثم امك ثم ابيك وان يعود من تستغفله الدنيا الى مرضاة الله بهما والله من وراء القصد .
هيام راضي الجبوري – بغداد