الأستاذ والعسل ــ زيد سعد الدين خضر

الأستاذ والعسل ــ زيد سعد الدين خضر
عائدا من مدرسته استوقفه منظر ذلك الشاب وهو يحاول جاهدا التقاط خلية النحل المكتظة المنزوية فوق شرفة الباب الخارجي لبناية بدا عليها القدم.
هتف الأستاذ رعد بأعلى صوته احذر من لسع النحل..استدار الشاب بوجهه النحيل وهندامه المتواضع لمصدر الصوت.. ليرسم ابتسامة حملت مشاعر الود على شفتيه الشاحبتين ثم عاد يحاول من جديد
توجه الأستاذ رعد مسرعا نحو الشاب…وهتف قائلا..لن تجد العسل في هذه الخلية..انك تعبث..إنها ليست منحلا
أجابه الشاب ببرود..ألم تسمع لقول القائل لا بد دون الشهد من ابر النحل؟؟
الأستاذ رعد أي شهد هذا وأي ابر..أمجنون أنت؟
الشاب ستدرك كلامي حين أتم مهمتي وأجعلك تتذوق الشهد.
استمر الأستاذ رعد بمحاولاته منع الشاب مما يريد فعله دون جدوى.
التقط الشاب خلية النحل ومعها أخذ حظه من اللسعات التي طرحته أرضا..أسرع إليه الأستاذ رعد ممسكا بعصاه محاولا إبعاد النحل عن الشاب..صارخا ألا ترى هذه الخلية الفارغة..أين الشهد الذي تحدثت عنه؟؟.
غاب الشاب عن الوعي فأسرع الأستاذ بنقله إلى اقرب مستشفى حيث سارع الكادر الطبي بإجراءات العلاج…تبعهم إلى المستشفى خالد الطالب في المرحلة الإعدادية.
خالد أستاذي الفاضل قد لا تذكر اسمي وأعطيك كل الحق في ذلك فلا يمكن لأستاذ كبير مثلك أن يستحضر في ذاكرته كافة تلاميذه..أنا خالد وهذا أخي فاضل..نحن تلاميذك وقد حفظنا عنك الكثير من القيم والحكم….إذا كنت تفعل الصحيح لا تأبه لكلام الناس…لابد دون الشهد من ابر النحل..العلم سر السعادة.. وغيرها
أستاذي العزيز أخي فاضل دائم البحث عن كتب ومراجع تدون تاريخ مدينتنا…وقد حدثني قبل أيام انه توصل إلى المكان الذي نقلت إليه مكتبة مدينتنا بعد غزو المدينة لكنه لم يتمكن من دخول البناية لوجود خلية نحل على ما اذكر تمنعه من دخول البناية.
حينها نظر الأستاذ بعين الإعجاب والدهشة للشاب فاضل ôوضمه إلى صدره فرحا به..
في صباح اليوم التالي وبعد انتهاء الدوام ذهب الأستاذ رعد ودخل البناية حاملا في سره العرفان والجميل لتلميذه فاضل..
حاول الأستاذ التعرف على أقسام المكتبة لكنه فوجئ بأنها قد أصبحت عبارة عن مخزن للكتب المبعثرة دون تصنيف وترتيب..
غادر الأستاذ رعد البناية حاملا في خاطره الحزن على ثروات مدينته الفكرية..ولكنه فوجئ في باب البناية بعدد من الشبان قادمين حاملين معهم بعض الحاجيات البسيطة كي يعرضوها للبيع في بسطاتهم المتواضعة
وقف الأستاذ بين شابين احدهم كان يعرض مجموعة من الكتب للبيع والآخر كان يعرض أنواعا من العسل

ابتدر الأستاذ بائع الكتب بالسؤال..هل قرأت ما في هذه الكتب يا بني.. أجابه الشاب بابتسامة عريضة..أنا لا أحسن القراءة يا أستاذ.. التفت الأستاذ لبائع العسل وقبل أن يسأله..أشار الشاب إلى بناية المكتبة قائلا كنت احد رواد مكتبة المدينة واقرأ يوميا من كتبها ولكن الذين أوصلوا المكتبة لما ترى هم اللذين أوصلوني لهذا الحال..
الأستاذ رعد لماذا اخترت العسل دون غيره من المواد كي تعرضه للبيع؟؟
أجاب بائع العسل بعد صمت قصير ربما لفائدته ونقاوته وطعمه الجذاب
الأستاذ رعد مشيرا بسبابته إلى أعلى رأسه..يابني ها هنا قد أودع الله تعالى فينا نحن البشر منظومات تخرج ما هو أنقى وألذ من الشهد..
بائع العسل ماذا تقصد يا أستاذ؟؟
الأستاذ كما النحل يحتاج أنواع الزهور ليخرج ألوانا مختلفة من العسل..كذلك الإنسان يحتاج شتى أنواع المعرفة ليخرج علوما وأفكارا تجتذب إليها الناس كي ينهلوا من فوائدها..نعم يا بني إن المكتبة هي بستان الأفكار ومنها ننهل مختلف العلوم كي ننتج أفكارا ونظريات تضاهي بنقائها الشهد وتفوقه حلاوة.
استدار بائع العسل نحو المكتبة.. وقال أعدك بان انفق الأموال التي جنيتها من عسل النحل لاستخراج شهد الفكر الإنساني يا أستاذي الفاضل.
AZP09

مشاركة