الأردن بين أزمات العرب وخطوط نيرانهم

الأردن بين أزمات العرب وخطوط نيرانهم
فاتح عبدالسلام
قال لي سياسي عربي قبل سنوات إن الأردن سيبقى يدفع ضريبة استقراره في المنطقة، في إشارة منه إلى كون الأردن، دولة تتحمل عبئاً استثنائياً من جراء أزمات منطقة الشرق الأوسط منذ عقود بعيدة. كان الأُردن ولمّا يزل حاضنة كبيرة للاجئين الذين تقطّعت بهم سبل أوطانهم ولفظتهم آلة الحرب المدمرة منذ النزوح الفلسطيني في نهاية الأربعينات من القرن الماضي حتى حرب العراق وايران عام 1980 ثمَّ تداعيات حرب الكويت 1991 وبعدها حرب احتلال العراق 2003 مروراً بما شنّته اسرائيل من حروب مختلفة لاسيما في لبنان والتي كانت حرب 2006 أشدها وضوحاً في جعل الأردن وجهة يلجأ اليها اللبنانيون الذي هربوا من ذلك الدمار.
في الوقت الذي كان الأردن فيه يحبس أنفاسه خشية حدوث تداعيات في العراق غير المستقر منذ تسع سنوات تتسبب في موجة نزوج بشري عبر حدوده، اندلعت الاحتجاجات السلمية في سوريا، والتي تحوّلت إلى شق عسكري يمثله الجيش الحر الذي بات على مواجهة مع جيش النظام وقواته المنتخبة، فتدفقت موجة من السوريين إلى البلد ذاته الذي ما سدّ باباً أمام عربي طوال عقود قيام الدولة الحديثة فيه برغم عدم تمتعه بالثراء النفطي ومكابدته شح المياه وضيق يد موارده العامّة، فضلاً عن مسؤولياته الجسام ازاء قضية القدس وما يتصل بها من أثمان سياسية ومادية وانسانية.
وفي خضم تلك الصراعات كان الأردن يكابد معضلة البقاء على مسافة واحدة من جميع الدول المجاورة وكان له ذلك باستثناء موقف الملك الراحل الحسين بن طلال من دعم العراق في الحرب ضد ايران انطلاقاً من موقف عروبي أساساً وإدراكاً لخطورة شعاري تصدير الثورة و طريق القدس يبدأ من كربلاء اللذين كانا ملفوفين على عمامات قيادية داخل ايران وما جاورها كما كانت مكتوبة على جباه الحرس الثوري الإيراني. برغم إدراك الأردن في حينها مدى قوة تحالف سوريا المجاورة له مع ايران ضد العراق في ذلك الوقت.
بيد إنَّ أزمة سوريا اليوم تتخذ أبعاداً جديدة بعد لجوء طيّار عسكري بطائرته الحربية ميغ 21 إلى قاعدة الحسين الجوية في شمال الأردن، وطلبه اللجوء السياسي وحصوله عليه، ما يعني أنَّ قدر الأردن هو الاضطلاع بواجبات تكون غالباً مفروضة عليه ولا يستطيع الفكاك منها بحكم هذه الجغرافية السياسية الصعبة المرتبطة بمواقف أردنية مستنبطة من مبادئ الثورة العربية الكبرى التي أرساها الشريف الحسين بن علي 1916، وبات الاخلال بها ولا أقول الخروج عليها مستحيلاً في بلد يقوم من الناحية المعنوية على إرث تاريخي أخلاقي.
في هذا الاطار المتشابك المحتدم بالصعوبات سيتم استهداف الأردن بأشكال مختلفة، ربمّا منها ما يتصل بإجباره على الخروج من موقف الحياد إزاء سياسات دول الجوار أو كسر موقف الانحياز الانساني في استقبال مئات الألوف من اللاجئين فرزتهم أزمات سياسية كانت عواصم مجاورة متورطة في افتعالها أو إشعالها أو الوصول إلى نتائجها المريعة.
الأردن يكاد يكون البلد العربي الوحيد في هذا الجزء من الشرق الأوسط لم يُصدّر أزمة خارج حدوده وكانت أبوابه مشرعة للإسهام في حل أزمات مصدّرة إليه أو عبره، وهو الذي كان بلداً طوال عقود على خط النار الإسرائيلي، ويبدو إنّه أصبح على خطوط نار أخرى أشعلها العرب أو كانوا سبباً فيها.
تبقى مسؤولية الأردن في المقبل من الأيام أكبر عربياً وإقليمياً ممّا مضى.
/6/2012 Issue 4232 – Date 23 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4232 التاريخ 23»6»2012
AZP20